زياد عساف
باحث في الموسيقى
صدر الجزء الاول من موسوعة (المنسي في الغناء العربي ) للباحث و الكاتب زياد عساف عن دار (ميريت) في القاهرة ووصل الكتاب الى المكتبات الاردنية
من طبيعة الانسان ،نسيان اغلب ما يمر على حياته من مثيرات وحواس ، ربما كانت تدغدغ مشاعره وابداعاته او شكلت شخصيتة العاطفية او الانسانية والحضارية .
..و الغناء العربى الحديث و القديم ، تكون من استعراض وأداء ألحان مختلفة ومقامات موسيقية تنوعت عبر شخصيات الغناء العربي ورموزه في مجالات الغناء والتلحين والتوزيع والموشحات ومختلف الاشكال الموسيقية الشرقية والعربية الاسلامية.
ان البحث في المنسي من تراث الاغنية العربي ، هو نبش في القوالب الغنائية القديمة، التي باتت مع جهود مبدعيها منسية الى حد ما .
الباحث والكاتب «زياد عساف» ظل يقلب ما نسي من الرموز والاغاني والحكايات وخص « ابواب - الراي « بثمرات جهودة التي تنشرها منجمة كل ثلاثاء في هذا المكان من الملحق حيث سيتم طباعته على اجزاء في القاهرة. لقد ارتقى الغناء العربي مع ظهور الحركة القومية العربية فى مواجهة الثقافة التركية السائدة على يد الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب وعبده الحامولى ومحمد عثمان ، ، عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وطروب وفيروز وام كلثوم كما لحن وابدع جماليات حياتنا وفنوننا امثال: سلامة حجازى وابراهيم القبانى وداود حسنى وأبو العلا محمد وسيد الصفتى محمدالقصبجى وسيد درويش وزكريا أحمد ومحمود صبح ومحمد عبد الوهاب،ورياض البندك وجميل العاص ومحمد القبنجي وغيرهم كثر.
عبده السروجي.. غادر »بلد المحبوب« وعاش »غريب الدار«
«الحق الملحق.. الاهرام.. الاخبار..» بهذه العبارة اعتاد بائع الصحف ان ينادي زبائنه بصوته المألوف للناس في ميادين القاهرة في الثلاثينات , وفي يوم جلس جانباً ليستظل من حر الشمس وأخذ يقلب احدى الصحف التي بحوزته وسرعان ما وقع نظره على اعلان للاذاعة المصرية تطلب تعيين مطربين جدد, فانتهز الفرصة التي طالما حلم بها وهو صاحب الصوت الجميل، تشهد له اعراس «حي قلعة الكبش» الذي ولد ونشأ به, واصبح اسماً منافساً لاشهر مطربين مصر في ذاك العهد امثال محمد عبدالمطلب وعبدالغني السيد ومحمد امين وابراهيم حموده وعباس البليدي ومحمد فوزي, ومع ذلك يبقى عبده السروجي من اوائل المطربين الذين باتوا في عداد المنسيين ويتذكره الناس هذه الايام عندما يتطرق حفيده الممثل المصري «احمد السقا» لذكره في بعض اللقاءات التلفزيونية باعتبار السروجي جده من طرف والدته عدا ذلك ظلت اعماله بمجملها غائبة عن الإذاعات المصرية و العربية ومن سنوات عديدة خلت.
«على بلد المحبوب..»
«على بلد المحبوب وديني», اغنية وصلت الاسماع بصوت ام كلثوم وظلت اغنية خالدة الى الان, يخفى على الكثيرين ان عبده السروجي» 1911 _ 1978» هو اول من تغنى بهذه الاغنية وكان قد شارك بهذه الاغنية بفيلم «وداد» 1936 بطولة ام كلثوم والممثل احمد علام, بادئ الامر لحن هذا العمل الموسيقار رياض السنباطي بناء على طلب ام كلثوم وبعد ان استمعت للحن طلبت من السنباطي ان يعيد صياغته من جديد الا انه وكما عرف عنه يرفض اي تعديلات على الحانه من قبل اي مطرب حتى لو كانت كوكب الشرق, فقدم اللحن لعبده السروجي الذي ظهر بالفيلم صوت وصورة وحققت الاغنية صدى واسعاً وحتى قبل عرض الفيلم كونها نزلت الاسواق على اسطوانات بصوته وبيع منها الكثير وحقق السروجي شهرة واسعة في مصر والبلاد العربية التي عرض بها الفيلم, عندها شعرت كوكب الشرق بعدم صحة قرارها برفض هذه الاغنية, وقررت اعادتها بصوتها وفي خطوة منها حاولت استرضاء عبده السروجي ليتنازل لها عن الأغنية الا انه رفض ذلك وكانت بداية قطيعة بينه وبين السنباطي و ام كلثوم التي جيّرت الاغنية بصوتها ولم يعد احد يتذكر مطربها الاصلي كان هذا الموقف بداية لأزمات متتالية أدت لاعتزاله الغناء في وقت مبكر ومنذ بداية الخمسينات من القرن الماضي وبقي محتجباً حتى سنواته الاخيرة في منزله بحي عابدين في القاهرة.
«على مسرح الحياة..»
بداية عبده السروجي في السينما مع سيدة الغناء العربي لم تساهم في ترويجه كمطرب سينمائي كحال العديد من المغنين واقتصر ظهوره بمجموعة افلام كمطرب وممثل ولكن بأدوار قصيرة مساعدة ،من هذه الافلام» ملكة المسارح « 1936 مع الفنانة بديعة مصابني وبشارة واكيم اخراج ماريو فولبي، فيلم «حياة الظلام» 1940 بمشاركة انور وجدي ومحسن سرحان وروحية خالد ومن اخراج احمد بدرخان, فيلم «على مسرح الحياة» 1942 انور وجدي وحسين رياض وسعاد زكي للمخرج احمد بدرخان, ، فيلم « احب الغلط « 1942 تمثيل حسين صدقي واسماعيل ياسين و تحية كاريوكا و اخراج حسين فوزي ، فيلم «وادي النجوم» 1943 اخراج نيازي مصطفى وشارك بالغناء ورافقه بالعمل عزيزة امير ومحمود ذو الفقار وفردوس محمد, «حب من السماء» 1943 اخراج عبدالفتاح الحسن ووقف عبده السروجي في هذا الفيلم امام المطرب والممثل محمد امين والمطربة نجاة علي, «احلام الحب» 1945 اخراج فؤاد الجزايرلي مع المطرب محمد امين والمطرب محمد البكار والفنانة مديحة يسري, وعاود الاشتراك للمرة الثالثة مع المطرب محمد امين بفيلم «نجف « 1946 واخراج كامل الحفناوي, , هذه الاعمال التي شارك بها السروجي ومع ندرة عرضها على الفضائيات لا يتم التطرق له عند ذكر هذه الافلام باعتبار ان ادواره قصيرة بالاضافة لعدم ظهور اسمه في اخر قائمة الاسماء ضمن مقدمة الفيلم.
«غريب الدار..»
لم يتوقف الظلم الذي وقع على السروجي في حياته فقط انما بعد وفاته أيضا باعادة العديد من المطربين لاغنيته الشهيرة والتي تنبأت بالحال الذي سيصل اليه وهو يغني بقمة الاحساس والروعة «غريب الدار عليّ الدار.. زماني الاسي وظلمني.. مشيت سواح.. مسا وصباح.. ادور علي راح مني..» وهي ليست اول اغنية يعيدها اّخرون الا ان من يكرر هذا اللحن والكلمات بصوته قد ينوه لصاحب الاغنية الاصلي بشكل سريع وكأنه يقدم خدمة له بالرغم ان لا احد استطاع ان يوصل الاحساس والاداء بمستوى السروجي, كان الوصف الاقرب لهذه الاغنية وبرأي النقاد انها اشهر من صاحبها ،الذي من النادر التطرق لمسيرته و انجازاته من اغاني والحان اخرى وكأن مسيرته كمطرب قد توقفت عند هذا العمل.
والجدير بالذكر ان « غريب الدار « غناها بصوته في بداية الأمر ملحنها محمد قاسم في الاذاعة التونسية عام 1951 ومن كلمات الشاعر التونسي علي الشيرازي الا انها لم تلق النجاح بصوته وعند عودته الى مصر سمعها منه عبده السروجي وطلب منه ان يغنيها وكان له ما اراد لتصبح هذه الاغنية واحدة من اشهر الاغاني التي خلدتها المكتبة الموسيقية العربية باعتبارها سابقة لزمنها لأسباب عديدة فبالإضافة لما ذكرنا تتميز ببساطة الكلمات واقترابها من واقع الحياة الشعبية وفكرة الاغنية لم تكن تجاوباً وتعبيراً عن اغاني المواسم او الموضة التي سرعان ما تنتهي, انما تتطرق لموضوع الغربة وخذلان الناس وندرة من يقدر المشاعر الصادقة وبالتالي هي اغنية قد تأخذ اكثر من معنى ودلالة انسانية وعاطفية و سياسية وحسب طبيعة المستمع المتلقي.
«فتّح عينك.. تاكل ملبن..»
شارك عبده السروجي في الاوبريت الغنائي الشهير «الليلة الكبيرة» الذي ابدع كلماته صلاح جاهين وصوّره لحناً سيد مكاوي, أدى السروجي بهذا العمل شخصية «بائع البخت» وهو يغني «فتح عينك.. تاكل ملبن.. فينك.. فينك.. تاكل ملبن..».
من روائع الاعمال التي قدمها ايضاً ولم تأخذ نصيبها من النجاح ،صور غنائية وصفية مثل «بكت في ايديا الشموع.. ونورها للعين بيضحك.. بين اللهيب والدموع.. قالتلي الله يسامحك», «غنيت على عودي», «بدرك جميل», «الفجر لاح» و»يانيل هدية واكثر شوية.. يا شهد صافي والاسم مية..» .
من اغانيه العاطفية «سمعت منك كلام», «دنيا الهنا», «اقولك ايه», «عواطفك», «قولولي ايه الدوا», «انا مالي», «هني الفؤاد» و»الامل».
من المرات القليلة التي حالف بها الحظ عبده السروجي انه صاحب الاغنية الدينية «يا مؤمنين بالله» أو «المسحراتي», كونها تبث في شهر رمضان كل عام, وله من اغاني المناسبات الدينية ايضاً «اهلا رمضان» و»النهاردة العيد».
المعيار الأساسي لقدرات المطرب الشعبي غناء الموال، لم يتجاوز السروجي هذا اللون وقدم مجموعة من المواويل منها «ضحيت بحبي», «يسعد صباحك يا وردة على فلة», و «يا عيني فرغت دموعي».
تغنى عبده السروجي بكلمات شعراء مبدعين امثال مرسي جميل عزيز, عبدالفتاح مصطفى, حسين السيد, مصطفى عبدالرحمن وابراهيم رجب و بالرغم من انه غنى لملحنين اثروا الموسيقى العربية مثل محمد الموجي واحمد صدقي الا انه لم يأخذ فرصته التي يستحقها كون اغلب هذه الالحان وظفت في افلام شارك بها وتم تلحينها ضمن مقتضيات السيناريو والتي غالباً ما تكون الحان ليست بمستوى الاغاني التي قدمها نجوم اكثر شهرة قادرين على فرض شروطهم باختيار ملحنين من اصحاب الاسماء الرنانة على عكس السروجي الذي كانت معظم الحانه لموسيقيين قدرهم أن يظلوا ضمن قائمة ملحنين الصف الثاني للسبب نفسه رغم انهم اصحاب موهبة وقدرات متميزة مثل حسين جنيد وفؤاد حلمي ورؤوف ذهني وعبدالعظيم محمد واحمد عبدالقادر ومرسي الحريري.
«لو كنت غالي..»
«الغالي» من العبارات المتداولة في الحياة اليومية للتعبير عن المودة تجاه الاّخرين ،.باسلوبه الشعبي البسيط عاتب عبده السروجي المحبوب الغالي «لو كنت غالي.. عليك يا غالي.. ما كانش والله.. دا يبقى حالي»، ونجاح سلام ايضا في عتابها ل برهوم» برهوم يا غالي ..يا سلوتي ومالي ..يا كل اّمالي .. اناديك ناديني ..من فرقتك يابا .. مجروح داويني « وبنفس الصورة غنت بدرية السيد «غالي يا حودة.. ومالي عنيا.. والله انا خايفة تشمت بيا.. كل بنات الحتة يا حودة».
«الحب الغالي» شدت له ام كلثوم «امل حياتي يا حب غالي ما ينتهيش.. يا احلى غنوة سمعها قلبي.. ولا تتنسيش»، عبدالحليم «حبيبي الغالي.. من بعد الاشواق.. بهديك كل سلامي.. وحنيني.. وغرامي» ،اسمهان «يا اللي هواك شاغل بالي.. في غرامك انا ياما اسيت.. ضحيتلك حبي الغالي» فريد الاطرش «سهران ليالي بدموع عنيا.. ولسه غالي حبك عليا» .
« غالي يا بوي ..»
« العمر الغالي « تغنت به نجاة الصغيرة «عيش معايا.. يا حياة عمري بقالي عمر.. يوم ما جمعني بيك.. عمر غالي يغلى اكثر يوم ما يقدر يفتديك»، كوكب الشرق «هواك هوه اللي خلى العمر غالي.. وبالثانية احسبه.. مش بالليالي»، وردة الجزائرية «بعد الغربة الطويلة.. ارتاح يا قلبي ليلة.. واسهر سهرة جميلة يا عيني.. وافرح دا العمر غالي».
عن «الغلاوة» التي يتبعها خصام كان ل عبده السروجي رأي مختلف «خصام الاحبة.. بيزيدهم غلاوة.. وتحلى المحبة.. من بعد الاساوة» وعلى النقيض من ذلك كان موقف سيدة الغناء العربي «مين اللي قال عزك في ذلك خضوعي.. ولا غلاوتك بالهوى بدموعي» .
«الاقارب الغالين» تغنى بهم ايضاً نجوم الطرب ، للأب غنى فريد الاطرش «غالي يا بوي قد عنيا.. آسي يا بوي والله عليا» للأم شدا محمد فوزي ونازك «احن قلب في الدنيا.. قلبك يا امي.. واغلى حب في الدنيا.. حبك يا امي»، وللاخ وبصوت فايزة احمد «يا غالي عليا يا حبيبي يا خويا.. يا اجمل هدية من امي وابويا» ، وسعاد حسني تتغنى بخالها «قريبي الغالي.. كثير المالي.. كبَش وادالي.. دا خالي البيه».
« يرخصلك الغالي..»
« العهد الغالي» ذكّر به عبدالحليم «قبل ما تنسى العهد الغالي.. فكر ليلة وهات لياليك.. شوف من غيرنا قضى ليالي.. عايشة بعمر شبابي فيك» ،فيروز «رجعت ليالي زمان.. عهدك بقلبي قديم.. عهد الصبا الغالي.. ليل القمر والنسيم.. بعدن على بالي» ،كمال حسني « كل المنى كل منايا.. اشوف هناوته في دنيا.. واصون عهود وده معايا.. مهما الزمان يقسى علي .. غالي عليّ» ،عبده السروجي ومن رائعته «غريب الدار» ايضا «ما كانش الود يا حبايب.. حيظلم حبكم حالي.. وكان عشمي وانا غايب.. تصونوا عهدنا الغالي»، «الغالي يرخص» موقف عبر عنه كل مطرب حسب قناعاته ، محمد عبدالوهاب من اغنية لا مش انا اللي ابكي» لكن اللي بحبك.. مالوش ثمن عندك.. والغالي يرخص ليه؟»، كارم محمود «يرخصلك الغالي.. يام المقام عالي.. وراضي بقليلي.. يا حلو ناديلي»، اسمهان «انا اللي استاهل.. كل اللي يجرالي.. الغالي بعته رخيص.. ولا احسبوش غالي»، و ختامها محرم فؤاد :
«ماشيين والدنيا غابة.. واحنا فيها غلابة
ننده ع الصبر يابا.. والصبر ما جاوبناشي
الناس الايام دي بتدوّر.. ع الحب وما بتلقاشي
رخصي يا دنيا الغالي.. غليتي اللي ما يشواشي
وكله ماشي» .