د. أحلام ناصر : 69% من المشاكل الزوجية لا تحتاج حلًا بل إدارة واعية
الدستور - رنا حداد -
مؤخرًا برزت الحاجة إلى أصوات مهنية قادرة على فهم ما يجري داخل العلاقات الزوجية من تحوّلات نفسية واجتماعية. هنا يبرز دور الدكتورة أحلام ناصر، المستشارة المتخصصة في العلاقات الأسرية والإرشاد قبل الزواج وبعده، التي تجمع بين الخبرة العلمية والاحتكاك المباشر بقصص الناس وتقلّبات الحياة.
تمتلك الدكتورة أحلام رؤية عميقة لديناميكيات العلاقة بين الرجل والمرأة، وتؤمن أن التفاهم والاحترام المتبادل والوعي العاطفي ليست شعارات بل مهارات يمكن بناؤها وتطويرها. هي تعمل بجد لمساعدة الأزواج على تجاوز خلافاتهم بطرق صحية، وترسيخ بيئة عائلية متوازنة تمنح الأمان النفسي للزوجين والأبناء معًا.
وعبر ظهورها في منصات إعلامية مختلفة، لم تتردد في طرح قضايا حساسة تمسّ الأسرة العربية بجرأة وموضوعية، دفاعًا عن هذا الركن الجوهري في المجتمع. في هذا اللقاء، تفتح الدكتورة أحلام قلبها وعلمها لتجيب عن أسئلتنا حول الحب بعد الزواج، أسباب الخلافات الأكثر شيوعًا، وكيفية بناء أسرة قادرة على الاستمرار مهما تغيّرت الظروف.
كيف تشكّل وعيكِ المهني في مجال الإرشاد الأسري؟ وما أبرز المحطات التي صنعت هويتكِ؟
تشكّل وعيي المهني من ثلاث محطات رئيسية:
التجربة الميدانية الطويلة
شكلت تجربتي في الحياة منذ الطفولة تساؤلات عديدة حول العلاقة بين الرجل والمراة، هل هي متوازنة، لماذا تختلف الادوار، وكيف لماذا هناك اسر مستقرة واخرى غير ذلك، بالرغم من ان ذلك كان في طفولتي الا ان هذا الامر كان يشغلني وكنت جاهدة احاول فهم هذه العلاقة المعقدة ، هذه العلاقة التي تعد من الفروض التي يجب ان يؤديها وتجربة مستحقة على الجميع
عملت مع آلاف الأزواج والأسر الاردنيين والاجئين على امتداد أكثر من عشرين عاماً داخل وخارج الاردن. هذا الاحتكاك المباشر كشف لي أن المشكلة العائلية ليست حدثاً عابرًا، بل نظاماً كاملاً يتأثر بالثفافة المجتمعية وبمفهوم العلاقة الزوجية، وبالتوقعات من الزواج وبالتاريخ الشخصي، والظروف الاقتصادية والمرجعيات الدينية.
التخصص الأكاديمي والقراءة المستمرة
اعتمدت في تكويني العلمي على خبرتي في التدريب على حقوق الانسان وعلى تدريسي لمواد علاقة الرجل والمراة في جامعة يورك كندا والتي اعتمدت على مرجعيات ونظريات علمية منها نظرية التبادل الاجتماعي ونظرية التعلق والديناميات الزوجية هذه المراجع عززت قدرتي على الفهم العميق للعلاقات وكذلك شمولية النظر الى المشاكل وتبعياتها على كافة المعنيين في المجتمع.
العمل المجتمعي والإعلامي
من خلال التواصل مع الجمهور عبر البرامج التلفزيونية والاذاعية والجلسات الحوارية، ايقنت ان دوري المجتمعي مهم في ظل انتشار محتوى غير مراقب على وسائل التواصل الاجتماعي وان دور المستشار الأسري ليس فقط معالجة الأزمة، بل بناء وعي جماعي يحُدّ من وقوعها.
ما أكثر التحديات والمفاهيم الخاطئة التي تواجهينها؟ وهل تغيّرت المشكلات؟
أبرز التحديات:
اعتقاد الرجل والمراة ان الزواج استحقاق، وانه يجب ، ولكن هو استحقاق عندما تتوفر متطلبات الزواج عند المراة والرجل ، عندما يفهمون ان الزواج ليس فستان ابيض ولا بقدر اصرف على بيتي، هو مسؤولية اسره والتي هي اساس المجتمع
اعتقاد الأزواج أن المشكلة في الطرف الآخر فقط، وانه على حق دائمًا، وفي ابسط الحالات يتم تحميل المراة عبيئ التحمل والتنازل
بينما تُظهر الدراسات أن 69% من الخلافات الزوجية سببها مشكلات دائمة تحتاج إدارة وليس تغييراً جذرياً وغالبا لا تؤدي الى الطلاق
تجاهل الذكاء العاطفي في العلاقة.
كثيرون يعتقدون أن الحب يكفي، بينما 90% من نجاح العلاقات مرتبط بمهارة التواصل العاطفي وادارة الغضب والتعامل مع الاسرة كوحدة متكاملة بمعنى الانتقال من لغة الانا قبل الزواج الى لغة نحن بعد الزواج.
الايمان بضرورة الاستعانة باختصاصي محايد مؤهل واحيانا اللجوء المتأخر لذلك.
يأتي بعض الأزواج بعد سنوات من التراكمات المؤذية والتي اوصلتهم الى مرحلة صعب فيها الاصلاح غالبا، واذا حدث الاصلاح يبقى الصدع موجود وتبقى الحياة بدون روح
التدخل غير المهني من الاصدقاء والاهل في حل المشاكل الزوجية بالاضافة الى دور وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه احدى الازواج نحو طرق واساليب غير صحيحية للتغلب على المشاكل.
في ضوء كل المستجدات في الحياة والصراع بين الادوار النمطية والحديثة، والتركيز على الكماليات اسوة بالاساسيات، والانفتاح الاعلامي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المشاكل مرتبطة أكثر بالضغوط الاقتصادية، إدمان الموبايل، المقارنات الاجتماعية، وضعف الحدود الشخصية، التوقعات العالية، التقليد الاعمى، قلة التقدير والاحترام.
كيف تجمعين بين التحليل النفسي والخبرة الميدانية؟ وما الذي يميز مدرستك؟
أعمل وفق منهج «التحليل النفسي التطبيقي ، حيث أنني أبحث عن جذور المشكلة من الطفولة، نمط التعلق، الصورة النمطية ثم ابني عليها اسلوب الارشاد والوساطة بين الازواج واحيانا انصحهم بمراجعة اختصاصي علاج نفسي.
وهذا ما يميز منهجي في هذا المجال حيث:
أتاكد اولا بان احد الزوجين لم يقم باتخاذ قرار نهائي بالانفصال ولدى الطرفين الاستعداد للحوار وتقديم تنازلات والتوصل الى حل
لا يهم من هو على خطأ، المهم الاستعداد للتوصل الى حل وقبول الوساطة والارشاد دمج بين النظرية العلمية والسلوك الواقعي داخل البيت.
تفهم مشاعر الطرفين وانهم يعانون حتى لو كانو على خطأ فكل له مرجعياته ومشاكله منذ الطفولة .
تقديم تشخيص واضح وصريح للأزواج مع خطة تغيير قصيرة المدى.
لا أفترض أبداً أن الزوجة هي صاحبة الحق أو أنّها الطرف المظلوم دائماً.
منهجي المهني يقوم على الاستماع الكامل للطرفين، وفهم السياق العاطفي لكل منهما، قبل إصدار أي حكم. فأنا أؤمن أن أي مشكلة زوجية لها أطراف متعددة ومسؤوليات مشتركة، ولا يمكن حلّها بمنطق من المخطئ ومن المصيب. أبدأ دائماً بـ تحليل المشاعر والدوافع، ثم أساعد الزوجين على رؤية المشكلة من منظور كل منهما. ومن هنا أشتق الحل من داخلهما وليس مني نظريا. لأن الحلول التي يولّدها الزوجان معاً تكون أقوى، وأكثر واقعية، وأسهل في التطبيق، ويكون تبنّيها أعلى بكثير من أي نصيحة جاهزة، هذا الأسلوب لا يصنع فقط حلاً بل يصنع وعياً جديداً يحمّي العلاقة من تكرار نفس الخلافات.
واخيرا، اقدم الجلسات لوجه الله تعالى ايمانا مني بدوري المجتمعي الوطني كانسان مسؤول وفعال في المجتمع.
بالنهاية ان العلاقات لا تنهار بسبب موقف واحد بل بسبب ديناميكية تتكرر دون أن يلاحظها الطرفان.
ما أبرز التحولات التي أثّرت على مفهوم الزواج اليوم؟
ان ابرز التحولات في المجتمعات العربية ومنها الاردن هي ، ارتفاع توقعات الأزواج من العلاقة، تغيّر مفهوم الرجولة والأنوثة، تداخل الأدوار الاقتصادية بين الطرفين، زيادة وعي المرأة بحقوقها وحدودها واحيانا المبالغة بذلك، تأثير التكنولوجيا على اختيار الازواج وعلى اسلوب الحوار والتواصل، اختفاء دور الاسرة الكبيرة في احتواء الاسرة الحديثة.
في ظل الضغوط الاقتصادية والتقنية، ما أكثر المشكلات التي تهدد استقرار الأسرة؟
أهمها:
عدم امكانية توفر وقت يقضيه الازواج مع بعضهم مما يفقدهم نكهة الزواج احيانا ويعزز المشاكل احيانا اخرى
المشاكل المالية وضعف الادارة المالية لدى الازواج يُعد من أحد أكبر مسببات الطلاق عالميا الإرهاق النفسي الناجم عن ساعات العمل الطويلة.
امكانية تعويض الفجوة العاطفية عن طريق مواقع التواصل والألعاب بدلا من محاولة اصلاح العلاقة الزوجية
كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الزوجية؟
اثرت على توقعات الازواج من العلاقة وعلى شكل العلاقة، فمن ناحية سهلت وصول الازواج الى معلومات علمية موثقة للازواج الذين يتمتعون بنضج ووعي ومن جانب اخر رفعت سقف التوقعات وقدمت صورة نمطيه مبالغ بها عن شكل الزواج والحب والافراح ، وفتحت المجال للمقارنات غير منطقيه وغير عادلة، فما يرى على الشاشه هو غالبا ليس حقيقة الواقع، واصبحت احيانا تشكل بديل وتعويض للفراغ العاطفي للازواج.
ما أكثر المفاهيم الخاطئة حول الفروق النفسية بين الجنسين؟
مفاهيم ثقافية واجتماعية زرعت في الجنسين منذ الولادة ومنها الاعتقاد أن الرجل غير حساس، قاسي وقوي ولا يهمه العاطفه بينما الرجل يشعر لكنه يعبر بطريقة مختلفة ويحتاج لمن يستوعبه ويفهمه، وان المرأة عاطفية أكثر من اللازم، بينما بيولوجياً جهازها العصبي أكثر حساسية للضغوط ، وفي النهاية الاختلافات البيولوجية والثقافية هي حقيقية بين الرجل والمراة في امور كثيرة، فالخطأ تجاهلها او تصور أن الفروقات مشكلة، بينما هي مصدر جمال للحياة وتعاون على اداء المهام المختلفة في الاسرة والمجتمع.
كيف يمكن تحويل اختلاف الطباع إلى قوة؟
سؤال مهم يتم ذلك اولا من خلال تفهم هذه الفروقات ومن ثم يتم الاتفاق على الحدود والادوار والمسؤوليات بما يتوافق ومقدرة كل من الزوج والزوجه وليس الدور الاجتماعي التقليدي الجندري، كما يتطلب ذلك فهم احتياجات كل منهم، مراجعة الادوارة والمسؤوليات والاحتياجات بشكل دوري للتاكد من ملائمتها لكل من الاطرفين.
هل تختلف احتياجات الرجل العاطفية عن المرأة؟
طبيعي الاختلاف، نحن مختلفون بيولوجيا وثقافيا، فالرجل يحتاج الاحترام، التقدير، الطمأنينة، الدعم، الحميمية، وتفهم احتياجاته وطريقة تفكيره، والمرأة تحتاج الأمان والاحتواء والاستقرار وتقدير دورها الاسري، فمثلا المراة تحتاج لمن يسمعها ولا يلقبها بالثرثاره، والرجع يحتاج الى الهدوء ولا ينعت بانه غير مهتم وسلبي.
ما هو الوعي العاطفي؟ وكيف يمكن تطويره؟
الوعي والنضج العاطفي، هو قدرة الفرد على فهم مشاعره والتعبير عنها باسلوب واضح وفي الوقت الصحيح، وقدرته على فهم احتياجات الطرف الاخر العاطفية وكيفية اشباعها. ويكون ذلك دون الحاق اذى بالطرف الاخر مثل انا مزعوج من قضاء معظم الوقت بالبيت لوحدي بدل من انت مهملي وغير مكترث بما اشعر به، قد نحتاج الى التدريب على الإصغاء وادارة الحوار والغضب.
ما أكثر الأخطاء أثناء النقاشات اليومية؟
سؤال عميق وجوهري، اهم امر في النقاش ان لا يجرح احد الاخر ، لا يمس شي حساس او نقطة ضعف عند الطرف الاخر، لا يفقد اعصابه ويضرب او يتفوه بالفاظ غير لائقة، الجرح قد لا يعالج ولا يلتئم طول العمر، ان لا يعود عليه بامر تم مصارحته به في لحظة ثقة او حب ، الابتعاد عن اللوم والسخرية، الاستماع الجيد والتفهم للمشاعر، الابتعاد عن التعميم مثل انت دايما هيكا، عمري ما شفت منك خير ، عمري ما اتهنيت معاكي بشي. لازم ندرب على ادبيات الحوار ومنها تاجيل النقاش 20 دقيقه عند عدم القدرة على السيطرة على التوتر والانفعالات، من اجل اعادة الهدوء وتنظيم الافكار والمشاعر
ما ١ بين الاستعداد النفسي والرغبة في الزواج؟
الرغبة في الزواج هي شعور، أما الاستعداد فهو قدرة. الرغبة قد يولّدها العمر المناسب، الفراغ العاطفي، ضغط المجتمع، أو الحاجة للاستقرار، الحاجه الى الدعم والرفقة بالحياة، لكنها لا تعني أن الشخص قادر فعلاً على بناء علاقة ناضجة وناجحة، كثيرون يرغبون ويتمنّون الزواج، لكن القلّة فقط مستعدون له. ان عقد الزواج هو عقد تنازلات من الطرفين، ادراك هذه المسالة ضرورية لاستمرارية الحياة في المستقبل.
الاستعداد النفسي يعني أن يمتلك الفرد مهارات تحمي العلاقة وليس فقط مشاعر ترغبه في اتخاذ هذه الخطوة.
هو حالة من النضج الداخلي تظهر في خمسة جوانب واضحة:
فهم نفسه ، لماذا يريد ان يتزوج، هل لاشباع رغبة او رفقة عمر او يعمل اسره ، امراة تساعده في بناء الاسرة ماديا، كل هذه العوامل تساعد الرجل في اختيار الزوجة المناسبة
أن يكون الفرد (وخاصة الرجل) قادرًا على الالتزام الحقيقي، وعلى بناء أمان عاطفي لا ينهار مع أول خلاف. وهذا يتطلّب استقرارًا داخليًا ونضجًا شخصيًا يجعله غير منجذب لأنماط العلاقات المتتالية أو الهروب العاطفي عند ظهور أول مشكلة. فالشريك غير المستقر داخليًا لا يستطيع أن يمنح علاقة مستقرة، حتى لو كانت رغبته في الزواج عالية.إدارة المشاعر والغضب: يعكس القدرة على ادارة الغضب والتحكم بالمشاعر في المواقف الصعبة، وهل لديهم القدرة على تفهم الاختلافات في النقاش والتوصل الى نقطة التقاء، استعداد للاعتذار والتنازل احيانا حتى لو لم يكن على خطأ من اجل التئام العيلية.كيف يختلف، ام يتم الانسحاب من العلاقة عند اول مشكلة. يتقن لغة الحوار لا لغة الاتهام. تحمّل المسؤولية: على الرجل أن يدرك أن الزواج ليس توفير مصاريف أو القيام بواجبات فقط، بل شراكة يومية تتطلّب جهداً وتنازلات، تتطلب استيعاب الطرف الاخر والاطفال، توازن بين رغباته ومسؤولياته توازن بين الاهل والاسرة الصغيرة التي تقع على عاتقه بناؤها. تحمل مسؤوليات قراراته والتوقف عن السلبية واللوم.
الوعي بالذات: يفهم احتياجاته ويكون صريح مع الطرف الاخر في الامور التي ممكن ان تؤثر على استمرارية الحياة الزوجية مثل الانجاب، الادمان على الالعاب او الاصحاب ، القدرة المالية وغيرها.
لذلك أقول دائما الرغبة تصنع خطوة لكن الاستعداد هو الذي يصنع بيتاً
بعد الزواج، ما أول العوامل التي يجب التركيز عليها؟
يجب ان يدرك الازواج انهم شخصان منفصلان لهما توقعات مختلفه وهم مختلفون بيلوجيا وثقافيا، ففي هذه المرحلة والتي غالبا يكون بينهم مشاعر وحب وحسن نوايا، وعليه فان ما يحتاجونه هو تنظيم علاقتيهما من الداخل قبل أن تتأثر بأي ضغط خارجي، وابرزها
بناء لغة تواصل واضحة وآمنة، التواصل هو العمود الفقري لأي علاقة. فعلى الزوجين أن يتعلّما كيف يتعاملان مع الاختلافات اكثر من كيف يتعلّما كيف يتفقان، 70% من نجاح السنوات الأولى يعتمد على جودة الحوار لا على الحب وحده. من الضروري معرفة كيف يعبّر كل طرف عن احتياجاته؟ كيف يطلب الشيء دون نقد؟ وكيف يُصغي دون دفاعية؟
تنظيم الحدود مع العائلة والمحيط: من أخطر ما يهدد الزواج في بداياته هو التدخلات غير الواعية، لذلك يحتاج الزوجان إلى اتفاق واضح حول حدود العلاقة والتدخلات من الاطرف خارج الاسرة الصغيرة، والتي يفضل التوافق حولها قبل الزواج
تأسيس عادات يومية تمنح العلاقة أماناً واستقراراً
العلاقة الزوجية لا تُبنى على المناسبات او الاحداث الضخمة ولا الهدايا الثمينة، بل على العادات الصغيرة التي تتكرر دون ضجيج. مثل وجبة مشتركة دون هواتف، نزهة أسبوعية خفيفة، أو حتى حوار يومي لمدة 10 دقائق يكشف كيف كان يوم كل طرف، هذه التفاصيل البسيطة هي التي تخلق أماناً عاطفياً ثابتاً وتمنع تراكم التوتر. البيوت لا تتفكك بسبب مشكلة كبيرة مفاجئة، بل بسبب غياب هذه العادات الصغيرة التي تحفظ حرارة العلاقة. لذلك، في بداية الزواج، أهم استثمار يقوم به الزوجان هو بناء روتين عاطفي يمنحهما إحساساً بالاستقرار والانتماء.
متى يصبح تدخل طرف ثالث ضرورة؟ ومن هو المختص؟
يصبح تدخل طرف ثالث ضرورة عند ظهور احدى الاربع علامات التي تشير إلى أن الزوجين لم يعودا قادرين على إدارة العلاقة بمفردهما:
تكرار نفس الخلافات دون أي تقدّم: حين يعيد الزوجان نفس الحوار بنفس الطريقة، وينتهيان إلى نفس النتيجة، فهذا يعني أن المشكلة لم تعد خلافاً ، بل نمطاً عالقاً يحتاج تدخلاً مهنياً لكسر الدائرة.
غياب لغة الحوار تماماً: عندما يصبح الصمت طويلاً، أو حين يختار أحد الطرفين الانسحاب بدل المواجهة، هنا تبدأ المسافة العاطفية بالتوسع، وهي أخطر من الشجار نفسه، فهي تمثل اول مراحل الطلاق العاطفي
ظهور العنف اللفظي أو النفسي: طبعا هنا تصبح العلاقة خطيره جدا ومنها الإهانة، التقليل من شأن الآخر، التهديد، التحكم، أو استخدام الأطفال في الصراع، يتطلب ذلك تدخل مختص فورًا
شعور أحد الطرفين بأنه مرهق عاطفياً وغير قادر على الاحتمال، حين يشعر الزوج أو الزوجة أن العلاقة تستنزف طاقتهما أكثر مما توفره من دعم نفسي وعاطفي، فهذا ليس ضعفاً، بل إنذار مبكر.
وهنا اشير الى ان المختص هو شخص مؤهل محايد، هو مرشد أو معالج أسري يمتلك خلفية علمية في احدى المجالات التالية وفقا لطبيعة الحالة بحيث يعمل المختص في سرية تامة وفي بيئة آمنة للطرفين:
العلاج الزوجي (Couples Therapy): وهو منهج يركّز على فهم ديناميكيات العلاقة، وتحسين التواصل، وإعادة بناء الأمان العاطفي بين الزوجين. يعتمد على نماذج عالمية مثل منهج غوتمن (Gottman Method) والعلاج العاطفي المركّز (EFT).
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وهو منهج يساعد الزوجين على تعديل أنماط التفكير والسلوك التي تولّد الصراع. يعالج ردود الفعل الانفعالية، ويمنح كل طرف أدوات عملية لضبط المشاعر، وبناء حوار أكثر وعيًا واتزانًا. مهارات تشخيص ديناميكيات العلاقة: هي الطريقة التي يتحرك بها الزوجان داخل العلاقة: كيف يتواصلان، كيف يختلفان، كيف يطلبان احتياجاتهما، وكيف يستجيبان لمشاعر بعضهما. هي النمط «غير المرئي الذي يُدير الزواج أكثر مما تديره الكلمات والوعود.
كيف سيكون شكل الأسرة العربية خلال العقد القادم؟
خلال العقد القادم ستتجه الأسرة العربية نحو نموذج أكثر شراكة ومرونة؛ إذ ستتراجع الأدوار التقليدية لصالح توزيع المسؤوليات بين الزوجين، وسيصبح الاستقرار العاطفي أهم من المظاهر الاجتماعية للزواج. ومع ازدياد حضور المرأة في سوق العمل وتوسع استخدام التكنولوجيا داخل المنزل، سيزداد التركيز على الحوار، والحدود الصحية، وبناء علاقة تقوم على التعاون لا الصراع. ورغم صعود تحديات جديدة مثل الضغوط الاقتصادية والمقارنات عبر السوشيال ميديا، فإن ارتفاع الوعي العاطفي واللجوء للإرشاد الأسري سيجعلان الأسرة أصغر حجمًا لكن أقوى، وأكثر نضجًا، وأقدر على مواجهة التغيرات.
ما دور الإعلام؟ وهل نحتاج خطاباً جديداً؟
يلعب الإعلام دورًا حاسمًا في تشكيل وعي المجتمع تجاه العلاقة الزوجية، فهو اليوم المصدر الأول للمعلومات والنماذج التي يتعلم منها الشباب كيف يحبّون، وكيف يختلفون، وكيف يبنون أسرة، ولهذا نحن بحاجة فعلية إلى خطاب إعلامي جديد يقوم على تقديم محتوى واقعي، علمي، ومباش، بعيد عن المثالية المفرطة أو الصور النمطية الاعلامية التي تشوّه صورة الزواج. المطلوب إعلام يشرح الفروق النفسية بين الجنسين، ويعرض قصصًا حقيقية، ويثقف الجمهور بمهارات التواصل وإدارة الخلاف، ويُظهر الرجل والمرأة كشريكين لا كخصمين، فالإعلام الواعي لا ينقل المشكلة فقط، بل يحوّلها إلى فرصة لبناء معرفة ومسؤولية عاطفية أعمق لدى الأسرة العربية.
ما الرسالة التي تودين توجيهها للأزواج والمقبلين على الزواج؟
رسالتي للأزواج والمقبلين على الزواج أن العلاقة لا تُبنى على الحب وحده؛ فالحب يفتح الباب، لكن النضج والمهارات هما من يبنيان البيت. الزواج يجب أن يُنظر إليه كمشروع يحتاج إلى قدرات واضحة: مهارات تواصل، إدارة مشاعر، تحمل مسؤولية، ووعي ذاتي. لذلك أؤكد دائمًا على التدريب والتأهيل قبل الزواج لضمان بداية صحيحة. فالزواج عقد مقدّس وميثاق غليظ، ونجاحه نجاح للطرفين، وفشله إخفاق يتحمّله كلاهما لا أحدهما وحده. اختاروا الشريك الذي يمنحكم أمانًا قبل إعجاب، واحترامًا قبل رومانسية، وتواصلًا صادقًا قبل أي وعود كبيرة، تذكروا أنكما فريق واحد، وإذا امتلك كل منكما الوعي العاطفي والشجاعة الإنسانية، سيصبح البيت أقوى من أي تقلبات في الحياة.
قضايا تستحق اهتماما في الاعلام والمجتمع والجهات المختصة
أولاً: الصحة النفسية داخل الزواج.
ما زلنا في العالم العربي نتعامل مع الانهيار النفسي، أو القلق، أو الاكتئاب، وكأنها «مشاعر عابرة، بينما هي عوامل تؤثر مباشرة في جودة العلاقة، وطريقة التواصل، وحتى القدرة على اتخاذ القرار، ان الاهتمام بالصحة النفسية قبل الزواج وخلاله يجب أن يكون جزءًا من ثقافة الأسرة وليس عيبًا ويجب ان يتوفر مراكز دعم لذلك.
ثانيًا: وعي الأزواج بالدور التربوي المُشترك.
كثير من الخلافات الزوجية تبدأ عند مجيء الأطفال، ليس بسبب الطفل نفسه، بل بسبب غياب الاتفاق على أسلوب التربية، والحدود، والمسؤوليات. من المهم أن يفهم الزوجان أن التربية مشروع مشترك وأن الطفل يتأثر بـجودة العلاقة بين الوالدين أكثر مما يتأثر بأي نصائح تربوية.
أؤمن أن فتح هذين الملفين بجرأة ووعي هو خطوة أساسية نحو أسرة عربية أكثر استقرارًا ونضجًا في السنوات القادمة.
ثالثا: التدريب قبل الزواج وتقييم الجاهزية والتوافق. فالدراسات العالمية تؤكد أن برامج التأهيل قبل الزواج تقلّل من احتمالية الطلاق بنسبة تصل إلى 31% لأنها تمنح الشريكين فهمًا أعمق لأنماط شخصيتهما وطرق تواصل كل منهما واحتياجاته العاطفية. تقييم الجاهزية لا يهدف إلى اختبار الشريكين، بل إلى مساعدتهما على بناء علاقة واعية منذ البداية، وتحديد نقاط القوة والخطر، وتعلّم المهارات الأساسية مثل إدارة الخلاف، الحدود الصحية، والتوقعات الواقعية. الزواج ليس قرارًا عاطفيًا فقط، بل مشروع حياة يحتاج إلى أدوات واضحة، ولهذا أشجّع دائمًا على حضور جلسات التقييم والتدريب قبل اتخاذ خطوة الارتباط، لضمان علاقة تنمو بثبات وتُبنى على وعي وليس على العشوائية.