الغد
يديعوت أحرونوت
ميخائيل ميلشتاين
على هامش العاصفة التي أثارتها تصريحات وزير الدفاع بشأن إنشاء بؤر ناحل (الشبيبة الطلائعية المحاربة) في شمال قطاع غزة، ظهر تقرير آخر، لم يحصل على صدى مشابها، يتعلق بنقل مكاتب الإدارة المدنية من فرقة (الضفة الغربية). وقد تم الإعلان عن ذلك، مع تأكيد أنه جزء من عملية توطين الإدارة، حيث تقدم خدماتها مثلما تقدم لكل مواطني إسرائيل.
يبدو أن هذا التقرير عادي للوهلة الأولى، ولكنه يعكس ثورة جذرية يتم الدفع بها قدما منذ 7 أكتوبر، ويتوقع أن تغير وجه البلاد. في هذا السياق يجري دمج يهودا والسامرة بالتدريج في إسرائيل، وهو هدف محوري في خطة الحسم لسموتريتش، التي تشمل محو الخط الأخضر وتدمير السلطة الفلسطينية وإقامة دولة واحدة بين البحر والنهر. ويعلن دعاة التغيير، جهارا أن هدفهم هو تغيير هوية الضفة الغربية. بهذه الطريقة يتم تطوير المستوطنات وتوسيعها وإنشاء المزارع، ودمج البنى التحتية في الضفة الغربية وفي إسرائيل، ومن ناحية أخرى، يتم إضعاف السلطة الفلسطينية.
وهكذا، فإن الرؤية القطاعية لتيار الصهيونية الدينية، تتحول بالفعل إلى المشروع القومي الرسمي لإسرائيل، حتى لو لم يؤيدها قطاع كبير من الجمهور أو يفهم دلالاتها. هي في الواقع انقلاب أيديولوجي يتحقق بفعل ظروف سياسية مضطربة، وليس نتيجة خطاب عام حاسم أو قرارات تاريخية.
إن خوف جزء كبير من الجمهور وتردده في وصف الواقع الراهن بأنه "عصر المعجزات" ينبع من كارثة 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ومن عالم المفاهيم التوراتية الذي لا يناسب قيم اسرائيل الحديثة، مثل إبادة العماليق و"عقيدة يهوشع بن نون" و"اقتصاد بعون الله". هذه الرؤية تحث على تغليف المشروع الأيديولوجي بذرائع استراتيجية. في هذا الإطار يتم عرض إغراءات مادية تتعلق بصفقة عقارات ضخمة ومساكن للشرطة في قطاع غزة، ويتم الزعم بان هذه التحركات تجسد استيعاب الدروس من احداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) (من دون الأخذ في الحسبان أن المبادرين إلى هذه التغييرات هم شركاء في صياغة مفهوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ومنع إجراء تحقيق عميق في جذور الفشل)، أيضا يتم بذل محاولة لتسويق التطلعات الدينية لغزو المناطق والاستيطان فيها باستخدام حجج مثل "العربي لا يفهم، إلا إذا تم نزع أرضه منه" أو "أينما وجد الاستيطان، فإنه لا وجود للإرهاب" – هذه ادعاءات قاطعة لا تستند إلى حقائق وتخلط بين التحليل المهني والرؤية.
خلافا لإسرائيل، فإنهم في العالم الكبير يدركون أن التغيير العميق في (الضفة الغربية)، يستهدف إغلاق الباب أمام إقامة الدولة الفلسطينية ودولة واحدة بنوعين من المواطنة، وهم يشعرون بالقلق من الزيادة الحادة في عدد وشدة الاحتكاك العنيف بين المستوطنين والفلسطينيين، الذي يبدو أنه يحصل بدعم من المسؤولين في الحكومة، ويعطي لمحة عن المستقبل الدموي الذي ينتظر المجتمعين إذا اندمجا معا.
إسرائيل تصور دائما كدولة مختلة التوازن، بدءا من الساحة الداخلية التي يتم فيها تقويض قواعد الحكم، الأمر الذي يعتبره كثيرون في الشرق الأوسط براحة انضمام إلى الجمهوريات المتخلفة إقليميا وعالميا، وانتهاء بالساحة الخارجية، حيث تعطي السياسات الرصينة المجال لمزيج من الأوهام والمفاهيم الجديدة والاعتماد الحصري على القوة والتجاهل الواضح للقيود والاعتبارات الخارجية. هذا الأمر يتجسد في الهجوم المتهور (والفاشل) على قطر، وفي تأجيج حرب ضارية من دون أهداف واضحة في غزة، الأمر الذي دفع ترامب إلى فرض إنهاء الحرب مع تقليص نفوذ إسرائيل في المنطقة.