Friday 9th of May 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Nov-2023

((زلزال)).. لغة مسرحية فانتازية تطرح الحب قيمة عُليا والفساد قيمة دنيا
الراي  - جمال عياد (ناقد مسرحي)
 
عادةً تتلقى أحاسيس المُشاهد شيفرات العرض السمعية والمرئية، ثم يحللها العقل، ويقارنها بمرئيات وسمعيات، كان تواصل معها سابقاً مخزنة في وعيه، وبالتالي تجيء نتيجة هذه المقارنة، مألوفة، أو غير مألوفة له، تدخل في باب الأنماط الغريبة، أو العجيبة، البعيدتين عن الواقع المعاش، بالتالي يمكن استقرائهما ضمن الدراما الفانتازية.
 
ذلك انهما خارج القوانين العقلية، لما فيهما ليس فقط من تداخل بين الواقع والخيال، لا بل من تداخل بين مجالات الخيال التي يحلق بها الإنسان عادة، وبين خيال آخر مغاير، يمكن ان نصفه بالعجيب.
 
ذلك أن لكل مصطلح دلالات؛ فعندما تتأطر المشاهد بجماليات الفانتازيا، هنا تغيب السببية، فنحن هنا نغادر الحقيقة الحسية للواقع، ونذهب إلى دخول فضاءات من الوهم والتخييل.
 
وذلك الفهم السابق، ما تواصل المشاهدون معه عير لوحات ومشاهد مسرحية "زلزال" من تأليف سميحة خريس وإخراج ميس الزعبي. والتأليف الموسيقي لعبدالرزاق مطرية، التي عرضت أول من أمس، على مسرح هاني صنوبر.
 
فالحكاية عجائبية بامتياز، إذْ يجد إنسان نفسه، في مكان عميق جداً تحت الأرض، بفعل انهيار أرضي، على أثر زلزال حدث في زمان ومكان غير محددين. وبعد مكابدات وآلام أصابته نتيجة هذا السقوط المفاجئ، يجد نفسه وسط عالم يعيش فيه فقط الشياطين والجان.
 
ويلاحظ المتابع لأحداث العرض، أنها حافلة بالدراما، سواء كعنصر المقارنة، فأثناء حواره مع أفرادها، يجد نفسه أنه أمام مقارنة أخلاقية بين مواقف الجان والإنسان حيث أن عالم الأخير يظهر مليئًا بالفساد، والسلبيات الاجتماعية.
 
لندخل في عناصر درامية عديدة كانت حاضرة بقوة، كالكشف والمفاجئة، حيث تبدأ هذه الشخصية الإنسانية باستكشاف ما حولها، والتعرف على حياة الجان، من خلال وجوده ضمن أسره، تحوي أماً وابنها ووالدها، حيث أن الزوج الغائب، كان هجر عالم الجان، على أثر عشقه لأمرأة من البشر.
 
إلى أن تدخلنا الأحداث بقوة إلى عنصر التأزم أو التعقيد، في الفضاء المسرحي، لينشد المشاهد بقوة أكبر للأحداث. بعد أن تكتشف هذه الشخصية الإنسانية، إنها ابن الزوج الجني الغائب، وأن أمه التي هي من البشر زوجة هذا الجني.
 
وهنا تخطط الجنية لتنتقم من زوجها، وأيضاً والدها أراد تدمير عالم الإنسان جميعه، كل ذلك يتحقق بواسطة أن ينتقلوا لعالم الإنسان، من خلال هذا الإبن الذي أمه بشرية وأبوه جني، إلا أن أخاه الجني الذي أحبه كأخ له، يعمل تعويذة يخرج بها أخاه إلى عالم البشر، وفي نفس الوقت يغلق للأبد فتحة الانتقال بين العالمين.
 
البناء العميق للعرض، اظهر مواقف ومواضعات عُليا لا يدنو من رفعتها شيء، مثل قيم الحب، الذي ينظر عادة أنه يحدث بين إنسان وإنسانه، لا بل يتعداه أيضاً إلى الحب الأخوي، كالذي نشأ بين الأخوين، في هذه المسرحية، وإلى غير ذلك من قيم الحب، التي تنشأ بين بني البشر، ضمن أعراف البشر الأخلاقية، التي تتوافق مع الرؤية الإلهية لهم في الشرائع السماوية.
 
السينوغرافيا القاتمة هي التي كانت مكوناتها سائدة، نتيجة أن الأحداث جرت في أمكنة تحوي تجاويف أو كهوفا في باطن الأرض، وكان لإنشاء ثلاث كتل من البراميل المعدنية، والتي تتموضع على المسرح بواسطة عجلات، ولكل منها أبواب، دور أساسي، بإنشاء البيئة الاجتماعية العجائبية لسكن الجن، حيث كانت جمالياتها تجسد ثلاث أمكنة لأفراد العائلة الثلاثة.
 
وكانت أزياء الشخوص الفضفاضة، ونقوشها، وإكسسواراتها، تعمق من عجائبية المشاهد، فضلاً عن استخدام المكياج ببراعة على الوجوه، الذي تناغم مع المشاهد العجائبية التي صاغتها رؤية المخرجة الزعبي.
 
الإضاءة جاءت جماليتها عامودية، جمالياتها جسدت الممر الذي هبط وصعد منه الابن من البشر في نزوله لعالم الجن والخروج منه، كما وجسدت هذه الإضاءة الساقطة السجن، بثلاث خطوط زرقاء، الذي وضعت فيه الشخصية البشرية، عند وصولها لعالم الجن، أما جماليات الإضاءة الأخرى فجاءت بإنارة منتشرة قاتمة.
 
المؤثرات الصوتية غير المنطوقة جاءت أنغاما سمعية من انجماع طرق لقطع معدنية، ونقر على الدفوف، لإثارة الترقب والتوجس لما سيحدث في المشهد اللاحق، ومزج لأصوات بشرية مجتزأة من أنغام لتراتيل كنسية، مع أنغام موسيقية لإثارة المشاعر العارمة العاطفية، فضلاً عن احتواء البناء الصوتي على موسيقى تتضمن أنغام آلات موسيقية مختلفة كانت تجسد نوتات صاعدة من السلم الموسيقي، لتعميق حالات التوتر، كلازمة مُتكررة، وبخاصة عند اكتشافهم لحقيقة الشخصية البشرية، بأن أباه من الجن.
 
وشارك في تمثيل العرض المسرحي عدد من الفنانين وهم، كرم الزواهرة، وعمر أبو غزالة، وكريم كرم، وآلاء النهار، وكيواغرافي ومنفذة أزياء آني قرة ليان، وتنفيذ إضاءة كفاح قباجة، ومكرم كفاوين، وإدارة خشبة رفيف الجبر، ورمزي جادالله، وأحمد الساحوري.