Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jun-2019

مقاربة ترامب للشرق الأوسط تتجاهل الماضي والمستقبل والحالة الإنسانية

 الغد-شبلي تلحمي* – (معهد بروكينغز) 20/5/2019

اعترض جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه حول الشرق الأوسط، مؤخراً، على الاقتراحات بأن تؤجّل خطّة “صفقة القرن” المتوقّعة للسلام في الشرق الأوسط بسبب مخاوف من أنّها ستُولد ميتة على الأرجح. وكجزء من عملية الكشف عن هذه الخطة، أفصحت الإدارة الأميركية عن خطط لإقامة “ورشة عمل اقتصادية” في البحرين لمناقشة “الاستثمارات والمبادرات الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن تتيحها اتفاقية السلام”. فرفض الفلسطينيون الفكرة على الفور واصفينها بأنّها محاولة “لتعزيز التطبيع الاقتصادي للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”. 
بينما ما تزال تفاصيل خطّة ترامب غير معروفة، فإننا أصبحنا نعرف مسبقاً المبادئ المُقلقة التي ترتكز عليها هذه الخطة.
بغضّ النظر عن التفاصيل، لا تبتعد مقاربة ترامب عن القانون الدولي والسياسات الأميركية المعتمدة منذ زمن فحسب، بل هي تكرّس المسؤولية الأميركية التاريخية في عمليةٍ غير عادلة سترتدّ في نهاية المطاف عكسياً على إسرائيل والفلسطينيين والمصالح الأميركية.
لنبدأ مع مبادئ هذه المقاربة كما كشف عنها كوشنر وأعضاء آخرون في فريق ترامب. تتجاهل مقاربة ترامب اتفاقيات السلام السابقة وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، وترتكز على ثلاثة مبادئ خاطئة: “الحقائق” كما هي على الأرض، والاعتماد على التبريرات الإثنية/الدينية للسيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلّة، والمحفّزات الاقتصادية لتلبية التطلّعات السياسية الفلسطينية. ويتجاهل المبدأ الأول تاريخ دور الولايات المتحدة في خلق هذه الحقائق، ويتجاهل الثاني التداعيات الكبيرة لوضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في إطار نزاع إثني/ديني عوضاً عن إطار قومي، أما المبدأ الثالث، فهو بعيد كلّ البعد عن طبيعة الكفاح الفلسطيني وعن الحالة الإنسانية على حدّ سواء.
من دون ثقل القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، تميل “الحقائق” على الأرض بشكل هائل لصالح إسرائيل: فما يزال الفلسطينيون بدون دولة وتحت الاحتلال. وبدرجات متفاوتة، تسيطر إسرائيل على كلّ الأراضي الفلسطينية، مع مستوطنات إسرائيلية آخذة في التوسّع في الضفّة الغربية المحتلّة. وفيما يحتفظ الفلسطينيون بقوّات أمن وميليشيات مسلّحة محدودة، لدى إسرائيل الجيش الأقوى في المنطقة، وناتجها المحلّي الإجمالي يفوق ناتج الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية 23 ضعفاً.
يُعزى بعض من هذه الحقائق بشكل كبير إلى دعم الولايات المتحدة التاريخي لإسرائيل. وفي الحقيقة، انخرطت عدّة إدارات أميركية في جهودٍ حسنةِ النية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكانت هذه الجهود واعدة أحياناً. وينبغي أن يُوزَّع اللوم عن فشل هذه الجهود ليطال الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب الآخرين. لكنّ التمكين الجوهري الأميركي لإسرائيل لم يتغيّر طوال تلك الفترة كلها.
سال الكثير من الحبر حول المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة لإسرائيل والتي تبلغ 3.8 مليارات دولار سنوياً، وهو مبلغ يفوق مجموع المساعدات الأميركية الأمنية لباقي العالم كله. لكنّ المساعدة الكبرى لإسرائيل ليست مالية. فقد حمت ثلاثة عناصر استراتيجية أميركية إسرائيلَ من الشعور بأي ضغط إقليمي أو دولي فعلي حيال احتلالها أراضيَ فلسطينية وتشييدها مستوطنات غير شرعية فيها.
أحد أهمّ العناصر التي توجه الدفّة لصالح إسرائيل هو الوساطة الأميركية في اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر منذ 40 سنة، وبذل جهد كبير للمحافظة عليها منذ ذلك الوقت. وقد خدمت هذه الاتفاقية المصالح الإسرائيلية والمصرية والأميركية، وخفّفت إلى حدّ بعيد من فرصة اندلاع حرب بين إسرائيل ومصر (وهذا حسن). لكنّها حدّت النفوذ لصالح المساومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وهو عكس ما أمل به الرئيس جيمي كارتر، وشيء يتم التعبير الآن عن بعض من “الندم المتأخّر” حياله.
ثانياً، لقد حمت الولايات المتحدة إسرائيل في الأمم المتحدة. فمنذ قيام الدولة الإسرائيلية في العام 1948، كانت أكثرية حقوق النقض التي استخدمتها الولايات المتحدة في مجلس التابع للأمم المتحدة لها علاقة بإسرائيل (43 مرّة). ولذلك، من المنطقي أن يظنّ المرء أنّه لولا الاستخدام الأميركي بحقّ النقض لكان المجتمع الدولي قد فرض عقوبات على المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية.
ثالثاً، يعزى تفوّق الجيش الإسرائيلي جزئياً إلى نجاحه في بناء منظّمة فعّالة. وقد بنى الإسرائيليون في غضون بضعة عقود دولة متقدّمة ناجحة ومزدهرة. ولكن لا ينخدعنّ أحد؛ إذ يأتي هذا التفوّق الذي تتميّز به إسرائيل على الجيوش الإقليمية مجتمعة، بل وربّما القوّات الروسية في سورية، بفضل أمر واحد: الالتزام الأميركي بمنح إسرائيل التكنولوجيا المتقدّمة للحرص على تمتعها بأفضلية عسكرية نوعية مقارنة بأيّ جهة أخرى.
جعلت المساعدات إسرائيل أكثر أمناً، كما كانت النية. ولطالما خدمت مصالح إسرائيلية وأميركية مشتركة. لكنّ إحدى الحجج المستخدمة لتبرير هذا المستوى الفريد من الدعم هي أنّه إذا كانت إسرائيل آمنة فستكون أكثر قدرة على المساومة. لكن عوضاً عن ذلك، ولّدت المساعدات المزيد من عدم التكافؤ، مع تراجع في الحافز الإسرائيلي للانصياع للقانون الدولي وللمساومة.
من كلّ ما سبق، يمكن استنتاج أنّ التزام الولايات المتحدة التاريخي بإسرائيل، الذي يتجلّى في الدعم الفريد المقدّم لها، يعني أنّ على الولايات المتحدة مسؤولية التخفيف من الحقائق غير المتناسقة المتأتّية عن هذا الدعم من خلال اللجوء إلى الجهود العادلة. وعوضاً عن ذلك، لا يعِدُ ترامب بتكريس عدم المساواة الشديدة فحسب، بل باستخدام قدرات دولة عظمى للتأثير في الجهة الأضعف أيضاً، بما في ذلك حجب المساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي.
بعيداً عن “الحقائق” التي تتجاهل الماضي، تعتمد مقاربة ترامب تأطيراً خطيراً يضع الصراع في خانة الصراع الديني/الإثني من دون بوادر نهاية له. ويلجأ مستشارو ترامب إلى الإيمان والادّعاءات التوراتية لتبرير المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية والسيادة الإسرائيلية على مدينة قدس موحّدة، وهذا أمر خاطئ وخطير على حدّ سواء. فهو خاطئ لأنّه، حتى لو كان لكلّ واحد الحقّ في اختيار إيمانه وخطابه الديني، فإنه لا يمكن أن تكون خطابات دينية كهذه الأساس للسيادة السياسية في زمننا الحاضر. وهو خطير لأنّه يضع الخطاب “اليهودي” و”المسيحي” في وجه الخطابات المسلمة/العربية، ممّا يعبر عن حرص على استمرار الصراع لعقود، مع أمل ضئيل بالمساومة.
بطبيعة الحال، ستفعل الحكومات العربية ما يناسبها ويناسب بلدانها دائماً، وقد تدفعها أولوياتها إلى السكوت والخضوع. ولكن، فلنفكّر في الآتي: على الرغم من أربعين سنة من السلام الفعّال بين إسرائيل ومصر، و24 سنة من السلام بين إسرائيل والأردن، يرفض المصريون والأردنيون “التطبيع” مع إسرائيل ويعتبرون إسرائيل عدوّتهم بالإجمال. وقد يتماهى المصريون والأردنيون (على غرار غيرهم في الدول العربية) مع بلادهم أولاً، لكنّهم لن يكفوا عن اعتبار أنفسهم عرباً ومسلمين (بالإجمال)، وهي هويّات يتمّ التشديد عليها، خصوصاً أنّ إسرائيل حدّدت طبيعتها بشكل متزايد من خلال تعابير دينية/إثنية.
ينبغي أن يكون سلامٌ مع الفلسطينيين يعالج تطلّعاتهم السياسية وتوقهم للحرّية هو المسار الذي على إسرائيل سلوكه لتلقى القبول في صفوف العرب والمسلمين. ومن دون سلام إسرائيلي فلسطيني، ستكون النتيجة هي صراع يهودي إسلامي، أو صراع عربي إسرائيلي لعقود وعقود.
بينما ينصح كوشنر بالتخلّي عن حلّ الدولتين، ويرفض بالتأكيد المساواة الكاملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين كحلّ بديل، لن تتمكّن كلّ المحفّزات الاقتصادية التي قد يقدّمها ترامب للفلسطينيين من تلبية تطلّعاتهم. ففي أيّام التسعينيات المفعمة بالأمل، تمّ استثمار الكثير في مشاريع طموحة مثل بيت لحم 2000. وعندما انهارت المفاوضات السياسية، اندلع العنف وذهبت الاستثمارات أدراج الرياح. والظنّ أنّ الوعد بالتحسّن الاقتصادي يفوق أهمّية التطلّعات الإنسانية العادية لشعب كافح بألم لعقود يعني عدم فهمٍ لطبيعة الحالة الإنسانية.
يتشاطر القادة الإسرائيليون والفلسطينيون والعرب اللوم عن عدم تحقيق السلام. غير أنّ الدور الأميركي لا مفرّ منه. فبعيداً عن التفاصيل، تورّط المبادئُ التي تنتهجها مقاربة ترامب الولاياتِ المتحدةَ في مسار خاسر يؤدّي إلى المزيد من المتاعب في المستقبل. وما من فائز هنا، بل خاسرون فحسب. وبعضهم خاسر أكبر من غيره.
 
*زميل رفيع في السياسة الخارجية، مركز سياسات الشرق الأوسط، علاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي.