Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Feb-2021

فلسفة الاستعمار: الحضارة، المسيحية، والتجارة

 الغد-دراسة – (العنف في أفريقيا القرن العشرين)

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
نظرة عامة
عندما وضعت القوى الإمبريالية في أوروبا أنظارها على مناطق جغرافية جديدة لتوسيع مجالات نفوذها في القرن التاسع عشر، برزت إفريقيا موقعا رئيسيا مرشحا للاستعمار بسبب ثروتها من الموارد الطبيعية، واقتصاداتها غير المتطورة الناضجة للاستغلال، كما زُعِم. وفي واقع الأمر، دمر الاستعمار الأوروبي المجتمعات والاقتصادات الإفريقية التقليدية. ومع ذلك، استشهد القادة الذين يقودون حركة الاستعمار بـ”عبء الرجل الأبيض”، وهو مصطلح شاع في قصيدة روديارد كِبلينغ Rudyard Kipling لتبرير التوسع الإمبريالي أخلاقياً. وتتكون الفلسفة التي يقوم عليها “عبء الرجل الأبيض” من “العناصر الثلاثة للاستعمار: الحضارة، والمسيحية، والتجارة”.
الحضارة:
في العام 1884، كان مؤتمر برلين البداية الرسمية للكولنيالية في إفريقيا. وكان أحد المبادئ التبريرية وراء حركة الاستعمار هو الحاجة إلى تمدين الشعوب التي زُعم أنها متخلفة في إفريقيا. وبعد مرور خمسة عشر عامًا على مؤتمر برلين، ظهر التعبير عن الحتمية المفترضة لجلب التحضر إلى غير البيض في قصيدة روديارد كيبلينغ، التي نُشرت في العام 1899 في مجلة مكلور McClure بعنوان “عبء الرجل الأبيض” White Man’s Burden:
في سبيل البحثِ عن ربحٍ للآخر
وإدارةِ مكسَب الآخر
تحمَّلْ عبءَ الرجل الأبيض –
واجْنِ أجرَه القديم:
اللومَ من أولئك الذين تجعلهم أفضل؛
الكراهية من أولئك الذين تحرسهُم-
صرخةَ أولئك الذين تُسايرُهم وتأخذُهم
(آه، ببطء) إلى النُّور:
“لماذا جلبتَنا من عبوديتنا،
“من ليلِنا المصريّ المحبوب”؟(1)
كانت فكرة “عبء الرجل الأبيض” هي تحسين (“السعي لتحقيق الربح للآخر”)، للناس المتخلفين ظاهريًا (أيّ شخص ليس أبيض اللون). وتكشف الأسطر التي تلي هذا الإعلان الأولي الموقف السائد إزاء الكيفية التي ستبدو عليها هذه المهمَّة لجلب الحضارة للآخرين. ويعبّر كبلينغ عن الحسرة من أن الشعوب الأفريقية ستخرج “ببطء إلى النور” وسوف تندب وتشكو، بالتحديد بسبب تحريرها من “العبودية”. ومن حيث الجوهر، اعتقد كبلينغ أن هذه المجموعات العرقية غير البيضاء متخلفة جداً لدرجة أنها لن تكون قادرة على فهم فوائد “الأوربة” Europeanization. كان اعتقاد كبلينغ هو أن الأفارقة يجب أن يُسحَبوا نحو “النور” حتى يروا الخطأ الذي تنطوي عليه طبيعتهم الوحشية، في رأيه.
لم تكن المشاعر المعرب عنها في “عبء الرجل الأبيض” غير شائعة خلال ذلك الوقت. كان الأفارقة يعدون أدنى مرتبة من الناحية الثقافية، وهي فكرة أيدتها العنصرية العِلمية. ووفقًا لمحاضرة ألقيت في الولايات المتحدة الأميركية، قبل 35 عامًا من البدء الرسمي للكولنيالية، فإن ما توصف بـ”دونية الأفارقة” حاضرة في “الاختلافات الفكرية والفيزيائية عميقة الجذور التي نراها حولنا، في الأجناس البيضاء والحمراء والسوداء، الواضحة جدًا والمهمة جدًا في علاقاتها، بحيث لا يجب أن يتم تجاهلها لفترة أطول…”. (نوت 3). ويستمر المتحدث، الدكتور نوت Nott، وهو طبيب، ليذهب ليؤكد أن الأجناس السوداء والبيضاء و”الحمراء” تختلف جذرياً وقطعياً عن بعضها بعضا، ولا يمكن أن تكون مرتبطة ببعضها بعضا.
ألقى الدكتور نوت هذه المحاضرة في الولايات المتحدة قبل 35 عامًا من البداية الرسمية للاستعمار. ومع ذلك، بقيت الأفكار نفسها، والاعتقاد الأيديولوجي نفسه بدونية الأفارقة والدعوة إلى اعتناق نظرة أوروبية للحضارة، بينما شرع المستوطنون البيض في الاستيلاء على مساحات شاسعة من إفريقيا ليجعلوها أملاكاً لأوطانهم الأصلية. وفي نهاية حديثه، صرح الدكتور نوت بأن الأفارقة غير قادرين على تمدين أنفسهم: “هناك تقف أفريقيا، بخمسين مليونًا من سودِها، وهناك وقفت في الخمسة آلاف عام الأخيرة، مع سكَن هذا الشعب في البلدان نفسها، من دون قطع خطوة واحدة نحو الحضارات؛ وجميع التجارب في الولايات المتحدة، وجزر الهند الغربية، وغيرها، (لتمدينهم) فشلت”. (نوت 19-20).
في نهاية المطاف، أدت هذه التصورات إلى عملية استيلاء عنيفة وجبرية (كونكلين 230-231). ومع ذلك، كانت الفكرة القائلة إن الأوروبيين يتحملون مسؤولية استعمار الأفارقة، وبذلك تمدينهم، موجودة مسبقاً (12). وكانت فكرة الحضارة هي “انتصار العقل وتطوره، ليس في المجالات الدستورية والسياسية والإدارية فحسب، ولكن أيضاً في المجالات الأخلاقية والدينية والفكرية… وهي جوهر الإنجازات الفرنسية مقارنة بالعالم غير المتحضر من الهمج، والعبيد، والبرابرة “(14). وفي فرنسا، أعقبت هذه الفكرة حملة لنشر الأفكار حول افتقار الأفارقة للحضارة من خلال المواد التعليمية والإعلامية (13-14). وعلى المستوى العملي، تم تطبيق ذلك في المستعمرات من خلال زيادة البنية التحتية، وحملات الصحة العامة، والتعليم، والإصلاح السياسي (38-39؛ 73-74). ولسوء الحظ، كانت النتيجة النهائية لذلك هي استخدام تدابير قسرية، بما في ذلك العمل القسري والعنف بطريقة كان من شأنها أن تشل القارة في نهاية المطاف (230-231).
المسيحية:
كانت المسيحية أحد المبررات التي استخدمتها القوى الأوروبية لاستعمار إفريقيا واستغلالها. فمن خلال نشر العقيدة المسيحية، سعت الدول الأوروبية، مثل بريطانيا العظمى وفرنسا وهولندا، إلى تثقيف وإصلاح الثقافة الأفريقية. وفي كتابه “تأريخ لإفريقيا”، يصف الباحث جيه. دي. فيغ المنطق العنصري للمفكرين والمبشرين الأوروبيين، فيكتب: “كان أوروبيو منتصف القرن التاسع عشر وأواخره مقتنعين عمومًا بأن مجتمعهم المسيحي والعلمي والصناعي كان، جوهرياً، أعلى بكثير من أي شيء أنتجته إفريقيا” (فيغ 322). وبسبب عدم دراية المستكشفين الأوروبيين بالثقافات المتنوعة في قارة إفريقيا، فقد نظروا إلى الممارسات غير المألوفة لهم على أنها أدنى، وأنها همجية.
بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية، مثلت المسيحية جوهر الحضارة الغربية، وأساس الأخلاق الأنجلوسكسونية. وعملت المسيحية كقوة رئيسية في تقسيم إفريقيا واستعمارها في نهاية المطاف (بواهين 12). وخلال أواخر القرن التاسع عشر، تنافست الدول الأوروبية بشكل متزايد على النفوذ العالمي. وفي محاولة لزيادة النفوذ السياسي والإقليمي، احتاجت دول مثل بريطانيا العظمى وفرنسا إلى تبرير للتوسع.
بشكل أساسي، كانت المسيحية ستارًا تخفي به الحكومات الغربية وتبرر غزو البلدان الأفريقية واستغلالها. وفي قصيدة “عبء الرجل الأبيض”، هتف الشاعر روديارد كبلينغ، “تحمَّل عبءَ الرجل الأبيض، حروبَ السلام الوحشية -املأ فم المجاعة حتى الامتلاء واجعل المرضَ يتوقف”. هذه القصيدة، التي فُهمت في الأصل على أنها تحيل إلى إمبريالية الولايات المتحدة في الفلبين، تنطبق في أساسها المتمركز على الذات الإنجليزية وتبقى مخلصة للبنية الجذرية للأيديولوجية الإمبريالية. وبشجبها الممارسات الدينية للأفارقة باعتبارها سحراً ووثنية، سعت الدول الأوروبية إلى تحويلهم إلى المسيحية، ثم استغلال الشعوب الأصلية في إفريقيا.
في قصيدة كبلينغ، تشير الأبيات، “شعوبكَ التي التقطتَها حديثاً، متجهمةً، نصف شيطانية ونصف صبيانية” إلى الاعتقاد الأوروبي بأن الأفارقة أناس وثنيون، مستسلمون لعيش حياة الوحشية والهمجية. وإضافة إلى ذلك، استدعى المبشرون الأوروبيون تعاليم المسيحية لنشر ما يعتقدون أنها عقيدة عادلة ورحيمة. وفي الممارسة العملية، تم استخدام هذه التعاليم لتقويض ثقافة الشعوب الأفريقية ومجتمعاتها. وتحت ستار اللاهوت الإنساني، استخدمت القوى الأوروبية المسيحية إستراتيجياً أداة إمبريالية تقسيمية.
في مذكرات تبشيرية كتبها راهب يدعى دانيال كوملر فليكنغرDaniel Kumler Flickinger ، يصف فليكنغر حالة الثقافة والدين والمجتمع الإفريقي في دولة إثيوبيا. وفي فصل بعنوان “التبشير – معضلاته” يقول فليكنغر: “السبب الوحيد الذي يجعل آراءنا اللاهوتية ليست غبية ومفسِدة مثل آرائهم (الإثيوبيين)، وأننا لسنا مؤمنين بالسحر وعبادة الشيطان وألف شيء أخرق آخر، هو ببساطة أن نور السماء يضيء علينا”(84). ويكرر فليكنغر حجة استخدمها المبشرون المسيحيون لتبرير التكتيكات الاستغلالية والقسرية التي تنفذها الدول الأوروبية.
التجارة:
في حين بررت القوى الأوروبية الاستعمار في إفريقيا بأنه التزام أخلاقي بمنح هبات الحضارة الحديثة والمسيحية للمجتمعات الأفريقية، فإن إمكانات التجارة والموارد الطبيعية التي تضمها أفريقيا هي التي شكلت قوة الدفع الحقيقية وراء استعمار القارة. وبعد إلغاء تجارة الرقيق البريطانية في العام 1807، وتراجع التجارة مع الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر للسبب نفسه، مثلت إفريقيا لأوروبا منطقة تم إضفاء الشرعية عليها مؤخرًا وغير مستغلة للتوسع الاقتصادي (لوغارد 69-75). ولزيادة تعقيد إمكانية المنافسة الشرسة، خلقت الثورة الصناعية وميكنة الصناعات الأوروبية طلبًا غير مسبوق على الموارد الطبيعية. وهكذا ظهرت وفرة المواد الخام المتاحة في إفريقيا (مثل المطاط والمعادن والنفط) كحل قابل للتطبيق لتغذية الصناعة المزدهرة للمصانع الأوروبية. ودفع هذا المزيج من العوامل أوروبا إلى خوض سباق للسيطرة على الأراضي والحصول على المواد الخام فيما أصبح يُعرف باسم “التدافع من أجل ثروات إفريقيا”. (غين ودويغان)
في حين كان التجار الأوروبيون والأفارقة قد أسسوا شراكات تجارية قبل الاستعمار، فإن الشركات التجارية الأوروبية، التي غالبًا ما مولتها الحكومات الاستعمارية، كانت بمثابة الوكلاء الأساسيين للتوسع الاقتصادي. ووفَّرت الثروة غير المستغلة من الموارد الطبيعية حافزًا لهذه الشركات التجارية لفرض سيطرتها الاقتصادية بقوة على الأراضي الإفريقية. ووجدت هذه المحاولات الأولى لفرض السيطرة نجاحاً متبايناً، لكنَّ الأفراد عند عودتهم إلى أوروبا استخدموا الخطاب القومي فعلياً للضغط من أجل زيادة الدعم الحكومي. وعند طرده من مملكة بونيورو الأوغندية، نشر المستكشف البريطاني كتاب “صعود إمبراطوريتنا الشرق إفريقية”، الذي يبرر فيه استعمار إفريقيا باعتباره التزامًا إمبرياليًا واقتصاديًا:
“يكفي التأكيد هنا أنه طالما كانت سياستنا هي سياسة تجارة حرة، فإننا ملزمون بالبحث عن أسواق جديدة؛ وسيعني السماح للدول الأخرى بتطوير مجالات جديدة، ورفض قيامنا بذلك نحن أنفسنا، العودة إلى الوراء؛… نحن مدينون لغرائز التوسع الاستعماري لأسلافنا بتلك التبعيات الشاسعة والنبيلة التي هي مصدر فخرنا ومنافذ تجارتنا اليوم؛ ونحن مسؤولون أمام الأجيال القادمة عن عدم إهمال الفرص التي تطرح نفسها الآن لتوسيع مجال مؤسستنا الصناعية”. (لوغارد 69-75)
وقد نجحت جهود الضغط ونشر المذكرات في توليد دعم وطني لإنشاء المستعمرات. وثمة حافز اقتصادي آخر لا يقل أهمية قاد جهود التوسع الاستعماري. فنظرًا للارتفاع الكبير في حجم السلع التي تنتجها المصانع مع تطور التصنيع، لم يستطع الطلب الأوروبي أن يضاهي معدل الإنتاج السريع. ويقول المؤلف جول فيري Jules Ferry، “بدت سياسة التوسع الاستعماري، كما يُنظر إليها من منظور الحاجة، أكثر إلحاحًا باطراد بالنسبة لسكان أوروبا الصناعية، وخاصة سكان بلدنا الغني الذي يعمل بجد، فرنسا: الحاجة إلى إيجاد منافذ البيع (للصادرات)”. “(فيري، “خطاب أمام مجلس النواب الفرنسي”).
وردت القوى الأوروبية بإغراق مستعمراتها الإفريقية بالسلع الأوروبية المصدرة لتتناسب مع حجم الإنتاج، ونتيجة لذلك، طُرِدت الصناعات الإفريقية المحلية من المنافسة. (جان ودويغان)
في حين تباينت السياسات الإدارية بين المستعمرات المختلفة، قامت الكولنيالية باقتلاع نظام الاقتصادات الإفريقية التقليدية بالكامل واستغلاله. وفي أكثر أشكالها تطرفاً، مثل حالة الكونغو تحت الحكم البلجيكي للملك ليوبولد، أقامت القوى الأوروبية “الدول الاستخراجية”. وفي ذلك المثال سيئ السمعة، تم تجريد السكان من جميع الممتلكات الخاصة وإجبارهم على العمل لغرض وحيد، هو استخراج أكبر قدر ممكن من موارد المستعمرة وإرسالها إلى المستعمِر. وإضافة إلى تعطيل الصناعات الأفريقية التقليدية وأشكال الزراعة، لم يفعل الأوروبيون الكثير لتعزيز تنمية التجارة بين الدول الأفريقية. ونتجت عن هذا الاستغلال عواقب بعيدة المدى، حيث ظلت المجتمعات الأفريقية في كثير من الأحيان دولًا معتمِدة على الخارج اقتصادياً لفترة طويلة بعد استقلالها. (أسيموغلو، وروبنسون، وسايمون)
*نشرت هذه الدراسة تحت عنوان: The Philosophy of Colonialism: Civilization, Christianity, and Commerce
 
المصادر:
J.D. Fage, A History of Africa Third Edition, 1995 11 New Fetter Lane London.
Adu Boahen General History of Africa VII: Africa under Colonial Domination 1880-1935 , University of California Press 2120 Berkeley Way, Berkley California.
Rev D.K. Flickinger Ethiopia; Twenty Years of missionary Life in Western Africa.Dayton Ohio: United Brethren Publish House 1877.
Nott, J. C. (1851). An Essay on the Natural History of Mankind. Ann Arbor: ProQuest I&L Research Collections, Dade, Thompson & co. Retrieved from http://search.proquest.com/docview/88430679?accountid=10747
Kipling, Rudyard (1899, 02). The White Man’s Burden. McClure’s Magazine (1893-1926), OL. XII., 2. Retrieved from http://search.proquest.com/docview/135628529?accountid=10747
Conklin, Alice L. A Mission to Civilize : The Republican Idea of Empire in France and West Africa, 1895-1930. Stanford, Calif.: Stanford UP, 1997. Print.
D. Lugard, The Rise of Our East African Empire, (Edinburgh, 1893), I.585-587, II.69-75.
Gann, Lewis H., and Peter Duignan. “Introduction.” Colonialism in Africa, 1870-1960. London: Cambridge U.P., 1969. N. pag. Print.
Jules François Camille Ferry, “Speech Before the French Chamber of Deputies, March 28, 1884,” Discours et Opinions de Jules Ferry.
Acemoglu, Daron, Johson, Simon, and Robinson, James A., “The Colonial Origins of Comparative Development: An Empirical Investigation.” National Bureau of Economic Research. June 2000.
هوامش المترجم:
(1) الليلة المصرية Egyptian night هي إحالة إنجيلية، تعني عصر العبودية والاسترقاق، وتعني أيضًا قلة الوعي، وعدم إدراك مدى سوء الحالة.
(2) الدولة الاستخراجية Extractive State هي دولة تحكمها النخبة التي تستخلص الثروة من عامة الناس بدلاً من منح الجميع حق الوصول إلى الازدهار.