الغد-إسرائيل هيوم
تسفي هاوزر
تقف إسرائيل أمام فرصة تاريخية غير مسبوقة لتغيير الميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط. عن فرص من هذا النوع درج القول "فرصة مرة واحدة في مائة سنة". أساسها – خلق مجال نفوذ جوهري على المناطق التي كانت ذات مرة دولة سورية، وتوجد تحت سيطرة قوى درزية وكردية، إلى جانب المرابطة على مسار حدود مختلف عن ذاك الذي اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب اليه في 1974.
توجد نوافذ زمنية تاريخية نادرة يمكن فيها تحقيق إنجازات كبرى في مدى زمني قصير، بخلاف العادة التي يمكن فيها تحقيق إنجازات صغيرة في فترة زمنية طويلة. فرص تاريخية كهذه هي فرص نادرة.
إحدى هذه الفرص تقع أمامنا هذه الأيام، وفي إطارها يمكن أن يتأسس في سورية نظام جديد بأثمان بخسة نسبيا وبفرص نجاح عالية. إن تصميم المجال السوري في اليوم التالي لنظام الأسد سيؤثر على ميزان القوى في المجال كله، ويوجد فيه ما يخلق إمكانية كامنة لتغييرات أخرى في المنطقة.
لكن لأجل تحقيق هذه الفرصة على إسرائيل أن تتصرف كقوة عظمى إقليمية، أن تعمل بشكل نشط، أن تفكر بالأمور الكبيرة وأن تثبت حقائق حتى قبل أن يثبتها الآخرون نيابة عنها. تفكير تكتيكي محدود لإنجازات عسكرية مركزة أو جلوس على الجدار ميز إسرائيل في العقود الأخيرة، ستبتلع في تغيير واقع إستراتيجي تمليه قوى عظمى إقليمية أخرى وعلى رأسها تركيا.
إن عمل إسرائيل في المجال السوري لا ينبغي أن يختبر حيال واقع الأمس، بل حيال واقع الغد. استيلاء مؤقت على المنطقة العازلة في هضبة الجولان وكذا السيطرة في جنوب جبل الشيخ هي خطوات تكتيكية لا تشكل جوابا استراتيجيا مناسبا فيه ما يحقق الفرصة الكبرى التي وقعت في طريقنا.
أن خطوات إسرائيل ينبغي أن تختبر حيال النشاطات والإنجازات الإستراتيجية لتركيا في المجال بما في ذلك مساحة الأراضي السورية التي ستنضم بحكم الأمر الواقع إلى تركيا ومدى السيطرة التركية على السياسة الداخلية السورية وكذا حيال الإنجازات الاستراتيجية لإيران في المنطقة في العقد الأخير. محظور لإسرائيل أن تغفو في الحراسة وأن تتباهى على عادتها بإنجازات تكتيكية – عسكرية، بدلا من أن تدير إستراتيجية قومية مرتبة.
لقد استثمرت تركيا على مدى السنين في تنمية حلفاء وفي تثبيت مجالات نفوذ جوهرية في سورية. احتلت عمليا أراضي في سورية، فيما هي تطرد سكان أكراد من مناطق أكبر بعدة أضعاف من أراضي هضبة الجولان. تركيا تجني الآن الثمار، توسع جدا حدودها على حساب الأراضي السورية التي توجد تحت سيطرة كردية وتثبت "دولة مرعية" إسلامية سُنية في باقي الأراضي – دولة من شأنها ان تكون معادية لإسرائيل.
حيال هذا يبرز العمى الإستراتيجي لإسرائيل منذ "الربيع العربي" وبداية الحرب الأهلية في سورية وحتى اليوم. كان ينبغي لإسرائيل منذ 2012، وحتى قبل دخول الروس إلى سورية، ان تخلق علاقات إستراتيجية مع الاكراد ومع الدروز في سورية. المستوى العسكري لإسرائيل اختار أن يدخل إلى مساحة الراحة التكتيكية – العسكرية، وأن يصف إنجازات الحرب ما بين الحروب في هذه المجالات كأهداف إستراتيجية، فيما إن المستوى السياسي اغمض عينيه.
لقد أنطوت الاستراتيجية الإسرائيلية داخل "تمنيات النجاح لكل الأطراف في سورية"، انطلاقا من قصر نظر عن الفرص الجغرافية الاستراتيجية التي وقعت امام إسرائيل مع نشوب الحرب الاهلية في سورية. الان، في العام 2024 الوضع مختلف لكن المبدأ يبقى مشابها – نافذة الفرص ضيقة وعدم استغلالها سيكون بكاء للأجيال.
حيال السعي التركي للحفاظ على وحدة سورية وتحويلها إلى إسلامية سُنية مناهضة لإسرائيل، على إسرائيل ان تتطلع إلى تغيير مسار الحدود وتثبت حزام دفاعي فاعل في وجه تهديدات مستقبلية، تتضمن تفكيك سورية إلى المجالات القائمة على أساس الانقسامات الإثنية والدينية القائمة في ظل التطلع إلى خلق مناطق نفوذ إسرائيلية.
في إطار ذلك، يمكن أن نشخص مجموعتين مركزيتين: الدروز، الذين القسم الأساس منهم يقف في مسار المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل، والاكراد، المدعومين من الولايات المتحدة والموجودين في القسم الشمالي – الشرقي من سورية. هاتان المجموعتان كفيلتان بأن تشكلا شريكين طبيعيين لإسرائيل. تعزيزهما سيحسن وضعها الاستراتيجي ويثبت مصالحها في المجال.
من خلال دعم سياسي، اقتصادي بل وعسكري لهما، يمكن لإسرائيل، بتنسيق اميركي، ان تساعد في خلق مناطق حكم ذاتي تؤدي إلى الاستقرار وتلطف حدة السيطرة الراديكالية في المجال. توريد وسائل قتالية اخذت كغنيمة من لبنان ومن غزة، إلى جانب مساعدة إنسانية واقتصادية، يمكنها أن تكون اساسا لتعاون طويل المدى يثبت المصالح الإسرائيلية والأميركية في المنطقة.
إن التغييرات الدراماتيكية في المجال تضع امام دولة إسرائيل تحديا هاما يلزمها بان تعيد صياغة مصالحها الجغرافية الاستراتيجية بشكل يستشرف المستقبل.
على إسرائيل أن تستغل الحوار الجغرافي الاستراتيجي الحديث مع الولايات المتحدة بالنسبة لمستقبل المنطقة مثلما أيضا انعدام الاستقرار في سورية كي تدافع عن مصالحها المشتركة ومصالح الولايات المتحدة وتثبت مكانتها كقوة عظمى إقليمية.
حذار على حكومة إسرائيل أن تتباهى بالاعمال الإعلامية حول إنجازات تكتيكية – عسكرية في المنطقة الفاصلة او في قمة جبل الشيخ.
هذه لحظة تاريخية لا يجب تفويتها. إسرائيل ملزمة بأن تعمل الآن بتصميم، بسرعة وأساسا بشجاعة كي تضمن امنها ومناعتها في المستقبل.
ومن المهم التشديد على أن مجرد سلوك إسرائيل كقوة عظمى إقليمية لا تخشى من الاحتكاك هو عنصر حيوي في تثبيت مناعتها ومكانتها المستقبلية، حتى لو لم يؤد الجهد إلى النتيجة المرجوة.