Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2020

«الهيروغليفية والعربية… لغة واحدة وأبجدية واحدة»

 القدس العربي-ابراهيم عبد المجيد

عمرو السباعي مؤلف هذا الكتاب، رغم بداية حياته بالعمل في المحاماة، اتجه إلى دراسة الآثار المصرية، فالتحق بكلية الآثار، وأخذته دراسة الكتابات المختلفة للغة المصرية القديمة، وتعمقه الرائع فيها ليضع هذا الكتاب القيم في البحث عن علاقة اللغة المصرية القديمة، وكتابتها باللغة العربية.
هو كتاب صادر عن دار أقلام المصرية، اعتمد طبعا فيه على مراجع كثيرة، استطاع منها ومن دراساته لها الوصول إلى كيف كانت اللغة المصرية القديمة، من حيث الصورة والنطق هي نفسها في ما بعد، اللغة العربية. الحقيقة هي أنك تكون مذهولا جدا، وهو يضع أمامك الصور القديمة للغة المصرية، وهنا طبعا في المقال لن أستطيع أن أنقلها، وكيف صارت حروفا عربية مع الزمن وتقدم التاريخ. يعطيك أمثلة على ما يقول بعد بحثه المضني، غاية في البساطة والإقناع. بالطبع احتاج الكتاب قبل أن يصل إلى هذه النهاية إلى فصول عدة عن اللغة الأصل والكتابة. الكتابات المختلفة هيروغليفية ومسمارية، ثم اللغة الهيراطيقية والكتابة على ورق البردي، ثم الكتابة الديموطيقة ثم القبطية فالعربية. بحث مهم يقنعك غاية الإقناع، ولا تشعر فيه بأي تعسف، حتى يصل إلى الخاتمة، وكيف كانت العربية ذات أصل مصري قديم أو هيروغليفي. طبعا هذا الكلام سيثير الكثيرين ممن قرأوا التاريخ، وممن صاروا هذه الأيام المضحكة، يعتبرون أن الحضارة المصرية القديمة جاءت من جزيرة العرب. لكن المهم أن هذا الكتاب ليس للفخر أو التباهي، فهو بحث علمي وهذا هو ما جعلني انجذب إليه لا شيء آخر. المدهش أنه وهو بحث علمي، لا يبتعد عن البرهان بآيات من القرآن، أو ما جاء في التوراة وهذا يؤكد حديثي أن الرجل لا يتباهي ولا يتعالى فهو يبدأ كتابه بآية «وعلّم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين»، ويوازيها ما جاء في الإصحاح الثاني من سفر التكوين في العهد القديم «جَلب الرب الإله من الأرض كل الحيوانات البرية وكل طيور السماء فأحضرها إلى آدم ليري ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها، فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وجميع الحيوانات البرية»، هكذا ليصل من بحثه في ما بعد إلى أن الأصل في لغات البشر لسان واحد، دينيا أو علميا، كما قلت بعد مناقشة الأبحاث المختلفة في تاريخ اللغات.
 
يستمر في ضرب الأمثلة مثل «الفحفحة» التي تعود إلى قبيلة هذيل وبني ثقيف، وتعني إبدال الحاء بعين فيقال «عتي» بدلا من «حتي» وهكذا يتقصي لهجات القبائل، التي لم تظهر في الشعر الجاهلي.
 
رحلة طويلة في ظهور اللغات وتطورها وكيف كان البعض من الباحثين متعصبين إلى لغتهم، يعتبرونها الأصل، بدون دراسة كافية مثل، باحثين ألمانيين ويونانيين وغيرهم ويربط اللغات بالجغرافيا المكانية، وما أنتجته الحضارات النهرية، وتطور اللهجات عن اللغة الواحدة ثم ظهور الكتابة التي كانت بداية حقيقية للتاريخ البشري، باعتبارها الذاكرة الإنسانية. تعد الكتابة التي ظهرت على ضفاف الأنهار الأولى في التاريخ منذ عام 3500 ق.م تقريبا، وكانت الهيروغليفية من أسبقها مع الكتابات المسمارية، لكن تميزت الهيروغليفية بدلالتها الصوتية عن المسمارية، ويذهب البعض إلى أنها قد تكون أقدم من المسمارية بألف عام. عمرو السباعي لا يري معنى للحديث عن الحضارة المصرية أنها فرعونية، ويناقش ذلك في ما بعد، ويرى أن كلمة هيروغليفية علامة على الكتابة المصرية القديمة هي الأدق هنا، وهي كلمة يونانية مكونة من مقطعين هيرو- غلوفوس ومعناها الكتابة المقدسة، كما سماها العرب قديما لغة العصافير لاحتوائها على كثير من رسومات الطير. المهم أن أغلب العلماء أجمعوا على أنها الكتابة الأقدم على الإطلاق. كيف تم اكتشاف معانيها؟ بالطبع مع اكتشاف حجر رشيد. كان على الحجر كتابات ثلاثة باليونانية والهيروغليفة والديموطيقية وتناوب عليه باحثون مثل الكونت كايلوس ولينوار، ثم توماس يانج ثم شامبليون، الذي بعد دراسة استطاع أن يكتشف أسرار الهيروغليفية، وأنها لغة وليست مجرد صور أو زخارف. الكتابة الهيروغليفية منذ بدايتها مصورة ارتبطت بأماكن العبادة، لذلك سماها اليونانيون بالكتابة المقدسة، وسماها أيضا المصريون القدماء «مدو ـ نتر» بمعني كلام الإله. وفي رحلة رائعة للعلامات التصويرية، التي كانت ما بين خمسمئة وسبعمئة علامة، ثم يأتي الحديث عن العلامات الصوتية في مقابل التصويرية، ليصل العلماء إلى وجود أبجدية، فالعلامات الصوتية قد يكون لأيّ منها صوت أو صوتان أو ثلاثة أصوات، بمعنى الحروف، ما جعل العلماء يقرون بوجود أبجدية داخل اللغة المصرية القديمة، وصلت عند واحد مثل الإنكليزي جاردنر إلى خمس وعشرين علامة. بعد بحث طويل رائع في تاريخ اللغات القديمة وظهورها يدخل إلى اللغة العربية. يقول الغالبية العظمي من الباحثين إنها نشأت في الجزيرة العربية، ويقول الباحث، إنه رغم اكتمالها من خلال القرآن الكريم، فليس هذا بالدليل الكافي للتقرير عن مكان نشأتها، فالشعر الجاهلي مثلا لم يعكس لنا اللهجات التي كانت في الجزيرة العربية ذلك الوقت. شعراء من قبيلة ربيعة لم تأت في شعرهم ظاهرة «الكشكشة» التي عُرفت بها لهجتها و«الكشكشة» هي إبدال كاف المخاطبة شينا مثل قول المجنون «فعيناش عيناها وجيدش جيدها لكن عظم الساقي منتش دقيق « وهي لهجة لا تزال إلى اليوم في بعض دول الخليج. يستمر في ضرب الأمثلة مثل «الفحفحة» التي تعود إلى قبيلة هذيل وبني ثقيف، وتعني إبدال الحاء بعين فيقال «عتي» بدلا من «حتي» وهكذا يتقصي لهجات القبائل، التي لم تظهر في الشعر الجاهلي. لا يرى أن القرآن نزل بلغة قريش ولا بغيرها من القبائل، لكنها لغة فصحي تجمع ما هو موجود وغير موجود في الجزيرة العربية. يناقش تاريخ الكتابات السامية ويعود للنقوش والرسوم الفرعونية، والكتاب حافل بها وبمعانيها وكيف صارت معانيها في العربية فكلمة «حر» التي ترددت في حورس وغيره من الرسوم الفرعونية صارت في العامية المصرية في جمل مثل « اسم النبي حارسك، ومحروس العين، والعين عليها حارس» وغير ذلك.
ويوضح وترى بالفعل كيف صارت صور الحروف الهيروغليفة حروفا عربية في الشكل، مثل صورة الشين والسين والخاء والحاء والباء والألف وغيرها، مما يحتاج إلى نقل الرسم الهيروغليفي وهو صعب في المقال، وعلى من يريد التقصي أن يقرأ الكتاب حتي يصل إلى حروف التهجي في القرآن الكريم، أو الحروف المتصلة أو المقطعة مثل «ألم» ألف لام ميم، أو «كهيعص» كاف هاء ياء عين صاد، في بداية الصور أو «ن» أو «ق» أو «ص» وغيرها، ويتفق كثيرا مع اختلاف الفقهاء في رمزيتها ومعناها، ثم يأتي بصور الحروف المصرية القديمة، فيجد علاقة وثيقة بينها وشكل الحرف العربي، فالألف كانت صورته الهيروغليفية هي القلم، واللام كف اليد التي تقوم بالكتابة والميم وهو الحرف الأخير في «ألم» يشير في صورته المصرية القديمة إلى الكتاب وورق البردي أما «ن» التي كانت صورتها المصرية إناء فخاريا مستديرا، وكانت تنطق «النو». أما «ق» فصورتها القديمة علامة «الكا» التي كانت تعني الروح أما ال «ص» وال «ض « فهي العلامة المصرية القديمة التي كانت على شكل بطة أو طائر يشبهها. هكذا يستمر في حروف متصلة أخرى مثل «المص» و«طسم» وكلها ذات دلالات غير التي شاعت، فهي أقرب بالقسم بما تشير إليه الرسوم القديمة المصرية، وكلها تؤكد على عظمة الكتاب المبين. وفي النهاية يتضح للقارئ سر انتقال المصريين إلى اللغة العربية، التي لم تكن بعيدة عن لغاتهم القديمة بل جاءت منها.
 
٭ روائي من مصر