Saturday 21st of September 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Sep-2024

هزيمة إستراتيجية

 الغد-معاريف

 حاييم رامون
 20/9/2024
 
 
لا خلاف في أن جنود الجيش الإسرائيلي قاتلوا وما يزالون يقاتلون ببطولة في الحرب في قطاع غزة وأوقعوا إصابات شديدة بقوات حماس. مع ذلك، تجدني مضطرا لأن أقول بأسف شديد إن إسرائيل تكبدت هزيمة إستراتيجية في الحرب. أعرف أنه لا يوجد قارئ لا يثور بشكل طبيعي على هذا القول، لكن إذا لم ننظر إلى الواقع بالعينين، سنقع في أوهام عابثة ولن نصلح أبدا ما يستوجب الإصلاح.
 
 
إن الادعاء بأن إسرائيل تكبدت هزيمة إستراتيجية ليس فقط ما أقوله أنا، بل الحكومة هي التي أعلنت عن ذلك بشكل رسمي: "إسرائيل لا تقيم سيطرة فاعلة في أرض القطاع.. في إطار النشاط العملياتي تصطدم قوات الجيش الإسرائيلي اليوم أيضا بمقاومة مسلحة لقوات العدو، تحت الأرض وفوق الأرض، في زرع عبوات ناسفة، إطلاق صواريخ مضادة للدروع وقناصة، بنار الصواريخ وبمحاولة استدراج قواتنا إلى منازل مفخخة وغيرها. هذه المقاومة تميز القتال في عموم المناطق في القطاع ابتداء من شهر أكتوبر.. إسرائيل ضربت ضربة شديدة منظمة حماس وقدراتها العسكرية، لكن هذه القدرات لم تنزع منها بعد، والاشتباكات العنيفة تتواصل.. اليوم أيضا لدى حماس قدرة على ممارسة صلاحيات سلطوية في القطاع، وهي تواصل السعي الى استخدام صلاحياتها من خلال بذل الجهود والكثير من المقدرات. هذا الجهد يجد تعبيره في عدة مستويات، الأساسي منها هو: رسم السياسة، تفعيل أجهزة الأمن وإقامة أجهزة امن جديدة للعناية بالنظام العام، غايتها السيطرة على المساعدات واحتياجات الحركة، ضخ الأموال إلى القطاع، توزيع الرواتب وتوزيع المساعدات" (هذا مقتبس عن رد الدولة على الالتماس إلى المحكمة العليا في موضوع المساعدات الإنسانية).
باختصار شديد، تعترف الحكومة بالفم المليء بأنها فشلت في تحقيق هدف الحرب الأساس – تقويض حكم حماس وتصفية قدرتها العسكرية – وان حماس تواصل الحكم في القطاع وما تزال تحوز قوة عسكرية فاعلة. لو كنت أقول لكم في نهاية أكتوبر 2023 ان هذا سيكون الواقع بعد 11 شهرا من القتال، لاعتقدتم أن عقلي تشوش، لكن هذا هو الواقع كما هو، وينبغي الاعتراف به وفهمه كي نتمكن من إصلاحه.
علينا أن نسأل لماذا تكبدنا مثل هذه الهزيمة الإستراتيجية.
في المستوى العسكري والمستوى السياسي الأعلى رفضا الاستماع إلى مشورة حكماء ومجربين منا ممن تصدوا بنجاح لكيانات مثل حماستان في القطاع. هكذا مثلا، الجنرال المتقاعد ديفيد بتراوس التقى مع مسؤولين إسرائيليين كبار قبل بدء الخطوة البرية وقال لهم إن إسرائيل لن تتمكن من تصفية حكم حماس إذا لم تحتل القطاع وتقيم حكما عسكريا. رئيس الأركان الأميركي الجنرال تشارلز براون نقل رسائل مشابهة لمسؤولين إسرائيليين. للأسف، وقعت أقوالهم على آذان صماء.
بعد 7 أكتوبر كشف مسؤولو المستوى السياسي لمفاجأتهم بأن ليس لهيئة الأركان أي خطة جاهزة لاحتلال قطاع غزة. حماس هي العدو الانشط ضد إسرائيل منذ 2007، واحد في هيئة الأركان لم يفكر بانه ينبغي إعداد خطة لحرب واسعة ضده. لهذه الدرجة نالت إستراتيجية "احتواء حماس" ومفهوم "جولات القتال" مكانة عميقة لدى المستوى العسكري الرفيع. في هيئة الاركان اضطروا بالتالي للارتجال في ثلاثة أسابيع لخطة حربية تحتاج الى اشهر طويلة لاعدادها كما ينبغي. وكنتيجة لذلك، في خطة الحرب كانت مواضع خلل عديدة منذ البداية ولم يكن وقت لفحصها واصلاحها في اطار دراسة اركان مرتبة. عمليا، الهزيمة الاستراتيجية كانت مضمونة منذ الخطة التي اعدت.
لقد بدأ الجيش الإسرائيلي الحرب بخطوة قوية لكن بطيئة في شمال القطاع، بدلا من الهجوم بالتوازي في عدة محاور أو للأسف – في حركة كماشة من الشمال والجنوب. كنتيجة لذلك، واصلت حماس تلقي السلاح، الذخيرة، الغذاء والوقود عبر محور فيلادلفيا ومعبر رفح على مدى ثمانية أشهر. هذا التموين عزز قدرة صمود حماس، ودفعنا على ذلك ثمنا دمويا.
عندما حاولت أن استوضح في الزمن الحقيقي ما هو المنطق بالدخول فقط الى شمال القطاع، كان الجواب الأسوأ الذي تلقيته هو أن "الجيش كان يحتاج لأن يستعيد الثقة لنفسه".
حتى لو تلقينا هذا الجواب السيء، يطرح السؤال لماذا لم يتوجهوا الى رفح وجنوب القطاع، بعد العملية في الشمال، وبدلا من هذا دخلوا الى خانيونس.
خطة الحرب للجيش الإسرائيلي استندت الى استراتيجية "دخول وخروج"، أي ان الجيش يدخل الى منطقة، يهزم قوات حماس فيها وعندها يخرج من المنطقة. هذه الاستراتيجية هي أم كل الخطايا، وهي واحد من العاملين الأساسيين في الهزيمة. استراتيجية "دخول وخروج" أدت الى ان تنجح حماس في ترميم قواتها في كل مكان خرجت منه قواتنا، بعد أن احتلتها بثمن باهظ. عقب ذلك، اضطر الجيش الإسرائيلي لان يعود ليحتل المرة تلو الأخرى جباليا، الزيتون، الشجاعة وخانيونس.
غير أنه مؤخرا كشف الموغ بوكر النقاب عن أنه حتى في شمال القطاع، المكان الذي استخدم فيه الجيش الإسرائيلي القوة الأكبر، جندت حماس في الأشهر الأخيرة 3000 مقاتل إضافي كي تملأ صفوفها. مع أن فشل استراتيجية "دخول وخروج" لم تعد نظرية بل حقيقة مؤكدة، لا يزال رئيس الأركان يصر على المواصلة فيها، والمستوى السياسي لا يضغط عليه لتغييرها.
عارض وزير الدفاع ورئيس الأركان معارضة قاطعة إقامة حكم عسكري مؤقت في القطاع. كنتيجة لذلك، لم ينهار الحكم المدني لحماس بل وعمليا ساعدنا في الإبقاء عليه. حكم حماس، الذي لم يضطر لان يتصدى لاي حكم بديل، كان يمكنه أن يسيطر بسهولة على كل المساعدات الإنسانية التي دخلت الى القطاع تقريبا، واستخدامها لاجل تعزيز حكمه (من يسيطر على الطعام والمياه – يسيطر على السكان) وان يملأ جيوبه.
يوآف غالنت قاد سلسلة من الخطط الهاذية والمنقطعة عن الواقع لاستبدال حكم حماس بمحاولته العنيدة وعديمة المنطق للامتناع عن حكم عسكري مؤقت – وكلها فشلت فشلا مدويا ومتوقعا. واخطر من هذا، خطط وزير الدفاع فقط عززت حماس. هكذا مثلا، في بداية شباط كشف النقاب عن "المشروع التجريبي للشمال" – خطة الوزير غالنت لادخال مساعدات إنسانية "مباشرة لتجار فلسطينيين، بدون منظمات إغاثة وسيطة... التجار، بخلاف نشطاء حماس، سيكونون مراكز القوة الجديدة" (بعد يومين من ذلك كتبت بان هذه الخطة منقطعة تماما عن الواقع، ومآلها الفشل).
مؤخرا كشف بوكر النقاب عن ان التجار الغزيين، الذين حرص وزير الدفاع على ان ينقل المساعدات الإنسانية اليهم دفعوا لحماس 20 في المائة من مداخيلهم من بيع البضاعة للسكان الغزيين. المعنى هو أن غالنت مسؤول بشكل شخصي عن تعزيز حماس، لانه بسببه ليس فقط مخازن حماس مليئة بالبضائع حتى صفر مكان، بل انه منح أيضا منظمة مصدر دخل جارٍ، وحسب التقديرات – ربحت هذه في الأشهر الأخيرة نصف مليار دولار من المساعدات الإنسانية – اكثر بكثير مما تلقته في فترة زمنية مشابهة عبر حقائب المال.