فوضى النواب .. الطراونة: الخلاف طبيعي لكن الصراخ غير مبرر
عمون -
نداء عليان - أثارت جلسة النواب الاخيرة استياءً شعبيًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، بسبب حالة الجدل والصراخ التي شهدتها، الأمر الذي انعكس على الشعور بالإحباط الذي يعيشه الشارع الأردني تجاه المؤسسة التشريعية، التي يُفترض بها خدمة الوطن والمواطن.
النظام الداخلي يحكم العلاقة بين رئاسة المجلس والنواب
النائب الدكتور إبراهيم الطراونة أكد لـ عمون، أن الخلافات تحت القبة أمر طبيعي، وجميع برلمانات العالم يُفترض أن تشهد آراء متعددة ووجهات نظر متنوعة، لكن يجب أن تكون هذه الآراء مبررة وسياسية، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تتحول إلى صراخ.
وأوضح أن بإمكان أي شخص إيصال فكرته رغم اختلافه مع الآخرين، ضمن إطار القانون والدستور والنظام الداخلي، دون اللجوء إلى الصراخ الذي لا يوجد له أي مبرر.
وقال، إن النظام الداخلي يحكم العلاقة بين رئاسة المجلس والنواب، وعندما يُمنح الحديث لجميع طالبي الكلمة، فلا يجوز مقاطعة من يتحدث، وإذا تطلب الأمر التصويت على ما قُدم، يقوم الرئيس بطرح ذلك على المجلس لاتخاذ القرار المناسب، مشيرا إلى ضرورة التنسيق الدائم والمستمر بين الأمانة العامة للمجلس وبين الرئاسة، من خلال ترتيب قائمة المتحدثين وتحديد نوع الملاحظات، خاصة في الجلسات التشريعية. أما الجلسات الرقابية فهي كذلك محكومة بالنظام الداخلي، سواء من خلال توجيه السؤال أو الاستجواب، وفي كيفية رد النائب على الوزير المعني.
وأكد الطراونة أن النائب يستطيع انتقاد أداء الوزير دون الخوض في الأمور الشخصية، وهو ما لا يخدم مصلحة الوطن أو العمل البرلماني.
وأوضح أن الكتل السياسية هي كتل حزبية، وقد يحدث بينها تباين في وجهات النظر حول قضايا معينة، لكن يجب على الجميع الاتفاق على مصلحة الوطن العليا والاحتكام إلى القانون والدستور. وفي حال الاختلاف حول القضايا الداخلية، وخاصة في الجوانب الاقتصادية والإدارية وتطوير القطاع العام، يجب تفعيل العمل البرامجي داخل الكتل، عبر طرح برامج تقنع الحكومة بها، وهو الأساس الرئيسي في العمل الحزبي.
وحذر الطراونة من خلط العمل السياسي بالحزبي والكتلوي والفردي، مشيرًا إلى أن هناك أحيانًا اختلافات بين أعضاء الكتلة الواحدة، حتى لو كانوا من نفس الحزب. وهذا يستدعي تفعيل دور الكتل بشكل أعمق وأكثر وعيًا بالعمل البرلماني والسياسي.
وشدد الطراونة على أن المجلس الحالي يختلف عن المجالس السابقة، إذ جاء بأحزاب سياسية على القائمة العامة والمحلية، وكتل ذات طابع سياسي، وهو ما يستدعي تعديل النظام الداخلي، لكن دون تقييد حرية أداء النائب الرقابي والتشريعي.
وأشار إلى أهمية تفعيل النظام الداخلي عبر اللجان التي تُعد المطبخ التشريعي لمجلس النواب، مثل تطبيق النظام الداخلي على من يتغيب عن جلسات اللجان لأكثر من ثلاث جلسات، ومناقشة مشاريع القوانين بدقة أكبر، مع الاستعانة بالخبراء، خاصة في حالة القوانين المتخصصة التي تحتاج إلى خبرة، مؤكدًا أن ذلك لا يعيب رئيس اللجنة.
وبين أن الهدف هو الوصول إلى مخرجات أفضل، بحيث إذا نضج مشروع القانون في اللجنة المختصة وكان محكمًا، فإن النقاش تحت القبة يقتصر على تحسين بعض الجوانب في التشريع، لكن ما يحدث حاليًا تحت القبة ينسف جهود اللجنة، رغم أن المجلس هو من اختارها.
وأكد الطراونة أهمية تفعيل دور مجلس النواب في القضايا الوطنية والسياسية والظروف الطارئة، باعتباره المكان الوحيد الذي يجب أن يُعبر فيه عن آراء الشعب، سواء اتفق المجلس أو اختلف مع المواطن، موضحا أن بعض القضايا والمشاريع يجب أن تُستمد من ردود فعل المواطنين، مع التأكيد على أن العلاقة مع الحكومة يجب أن تُبنى على المساحة التي وضعها الدستور.
وأشار إلى أن الحكومة هي المعنية بالدفاع عن بعض قراراتها، وهي المسؤولة عن الحديث أمام مجلس النواب بشأن القضايا الملحة والرئيسية التي يطرحها الأعضاء.
وعند الحديث عن هيبة المجلس ودوره الرئيسي، شدد الطراونة على أن ذلك لا يعني الصراخ أو الخروج عن إدارة الجلسة بشكل سياسي. وقال: "كنقيب سابق وكعين سابق، ولدي الخبرة الواسعة في المعترك السياسي.. أي خلاف سياسي، إذا امتلك صاحبه الحجة والبرهان والأدلة والمنطق، يمكنه إقناع خصمه. أما رفع الصوت والخروج عن العادات والتقاليد المجتمعية والسياسية، فإنه لا يعكس الصورة الحقيقية لمجلس النواب".
وأضاف أن تصرفات عدد محدود من الأعضاء "تظلم" عددًا كبيرًا من النواب، حيث عادة ما تُوجه الملاحظات إلى اثنين أو ثلاثة من الأعضاء، بينما يكون البقية ملتزمين، لكن الشارع يركز على هؤلاء لأنهم ممثلون للشعب وضمن مؤسسة تُعد من ركائز الحكم في الأردن.
المشادات تعكس حالة من التوتر السياسي داخل المجلس
اما الدكتور عامر بني عامر، مدير مركز الحياة – راصد، أوضح لـ عمون أن تكرار الخلافات والمشادات في الجلسات الأخيرة يعكس حالة من التوتر السياسي داخل المجلس، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة المتعلقة بحظر جماعة الإخوان المسلمين، مؤكدا أن هذه التوترات يمكن قبولها في مرحلة ما، لكن لا يمكن أن تستمر هذه الحالة من تكرار الخلافات والمشادات.
وحول أبرز أسباب هذه الخلافات، أكد بني عامر أن "الأسباب متنوعة، ولكن من الواضح اليوم وجود استقطابات ناتجة عن الوضع السياسي الذي تمر به الدولة الأردنية. وبرغم أننا دائمًا نضع الأولويات الوطنية فوق أي اعتبار، إلا أنه لا بد من الوصول إلى مرحلة أكثر استقرارًا داخل البرلمان. وبكل صراحة، أعتقد أننا لن نصل إليها إلا بعد صدور القرار القضائي المرتبط بقضية جماعة الإخوان المسلمين المُحلّة".
أما فيما يتعلق بقدرة المجلس على أداء مهامه التشريعية والرقابية رغم هذه الخلافات المتكررة، قال بني عامر لـ عمون: "نعم، الخلافات المتكررة قد تؤثر سلبًا على فعالية المجلس في أداء مهامه التشريعية والرقابية. فعندما تطغى الخلافات على الجلسات، يُستهلك الوقت والجهد في مناقشات غير منتجة، مما ينعكس على جودة التشريعات والرقابة على الحكومة. ولكن لنكن صريحين أكثر: هذه الخلافات يستثمرها العديد من النواب لتبيان مواقفهم أمام الدولة والجمهور؛ فمنهم من يصور نفسه كمدافع، ومنهم من يظهر كمناصر، ومنهم من يُقدّم نفسه كضحية لمؤامرات تُحاك ضده أو ضد كتلته".
وأضاف أن النظام الداخلي للمجلس يتضمن آليات لضبط الجلسات، مثل توجيه الإنذارات وفرض العقوبات على الأعضاء المخالفين دون أي مجاملة، لكنه بحاجة إلى مراجعة وتطوير بما يساعد على ضبط الجلسات بشكل أكثر فاعلية.
ورصدت "عمون" الاستياء المجتمعي وتعليقات الشارع الأردني على منصات التواصل الاجتماعي، فوجهت سؤالها لبني عامر حول قراءته لهذا الاستياء، والذي قال إن "الاستياء الشعبي يعكس فجوة بين تطلعات المواطنين وأداء المجلس. فالشارع يتوقع من النواب التركيز على القضايا المعيشية والاقتصادية، والعمل على تحسين الخدمات التي تلامس المواطن بشكل مباشر. ولكن عندما ينشغل المجلس بخلافاته الداخلية، يشعر المواطنون بأن قضاياهم لا تحظى بالاهتمام الكافي. كما أن بعض الاستقطابات داخل المجتمع اليوم تنعكس على آراء المواطنين في السوشيال ميديا. لذلك، من الضروري أن يعيد المجلس ترتيب أولوياته، وأن يحسن التواصل مع المواطنين لاستعادة الثقة وتعزيز المشاركة الشعبية في العملية السياسية".
الخلافات لا تعيق الأداء الجيد
النائب عن كتلة جبهة العمل الإسلامي، المهندسة راكين أبو هنية، وصفت لـ عمون الخلافات المتكررة بين أعضاء مجلس النواب بأنها ليست الحالة المرجوة أو المثالية، لكنها تُعد أيضًا "أمرًا اعتياديًا وواردًا" في البرلمانات، سواء بين أعضاء المجلس أو بين الكتل أو بين الرئاسة والأعضاء.
وأوضحت أن التقييم يكون بناءً على الدور الرقابي والتشريعي السليم، وفقًا للمعايير المحددة التي يُقاس من خلالها جودة أداء النواب تحت القبة، إلى جانب رأي المراقبين من الخبراء والمواطنين في الجهد الكلي للنواب، لتحديد ما إذا كان الأداء يتجه نحو الإيجابية أو السلبية بناءً على معدل الأداء.
وأكدت أبو هنية: "شخصيًا، أرى أن الخلافات لا تعيق الأداء الجيد، إذ إن الأداء الجيد قائم على التصويت وجودة الملاحظات والمداخلات ونتائجها وتأثيرها على الواقع التشريعي والرقابي".
وحول ما إذا كان الصراع السياسي داخل المجلس يعكس حالة من الاستقطاب في الشارع الأردني أيضًا، جددت تأكيدها لـ عمون، أن الاستقطاب في المجتمع أو في الحالة السياسية أمر وارد، ومن الممكن أن تنعكس حالة الاحتقان داخل المجلس على المجتمع، والعكس صحيح، خاصة إذا كان النواب على اتصال وثيق بقاعدتهم الشعبية والرأي العام.
وأشارت إلى أن هذا يتطلب إدارة حكيمة للمشهد من قبل رئاسة المجلس والكتل البرلمانية المختلفة، بالإضافة إلى وجود معايير واضحة للحديث، ومعايير لمنع الحديث، ومعايير للاستحسان في طرح أي قضية من قبل الأعضاء، على أن تكون هذه المعايير واضحة وتُطبَّق على الجميع.
وأكدت أن المواطن يستطيع أن يلاحظ بسهولة وجود مسافة واحدة بين جميع النواب والكتل، بالإضافة إلى إدارة الجلسات بشكل سليم وشفاف، وطرح يركز على المصلحة العامة من قبل النواب.
وأضافت أبو هنية أن النخب الداعمة للعمل البرلماني، والتي تقدم النقد البناء والنصائح، تسهم في تحسين عمل البرلمان، إضافة إلى دور الإعلام صاحب الأثر الأكبر. وذكرت أن كلما كان الخطاب الإعلامي راشدًا ويركز على النقاط التي يستفيد منها المجتمع ككل، تحسن أداء البرلمان، على عكس الإعلام الذي يبحث عن الترند.