Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Jan-2023

أنت قادر لفادي البتيري روايــــــــة الفتيان الجيـــــــدة

 الدستور-إبراهيم خليل

في الصفحة ذات الرقم 94 يقول صلاح بطل القصة (أنت قادر) لفادي علي البتيري لنفسه: «نعم، تغيرت، أصبح هذا الشعور يغمرني. لم يعد لدي أي شكّ بأنني أصبحت شخصا آخر. مختلفا عما كنت عليه. أشعر بأنني أقوى من ذي قبل. وأستطيع التحكم بنفسي. وبقراراتي. لقد صدق الأستاذ خالد(الموسى) فالعواطف، والمشاعر، هي التي كانت تتحكم بي، وتسيرني كما تريد هي لا أنا. والآن أنا من يتحكــّم بها..».
تُلخّص هذه الفقرة (الثيمة) الأساسية والرئيسة التي قامت، وتقوم عليها رواية أنت قادرٌ. الصادرة في سلسلة شغف من منشورات وزارة الثقافة، عمان، 2022 .
وهذا الذي يتحدث إلى نفسه في الفقرة المذكورة هو صلاح الذي توفي أبوه، ولم يبق له من يربيه، ويعتني به، سوى أمه، ولا يذكر في الحكاية من يقدم لها عونا، أو مساعدة من مال، أو أي ضرْب آخر من ضروب المساعدة. فكأنها وفقا للمجريات المحكية، والمتواليات السردية، مقطوعة من شجَرة. وهذا شيء يكاد لا يكون مهما بالنسبة لنا، فالأهم هو التقلب الذي تتطلبه مرحلة المراهقة التي تداهم الفتى اليتيم ابن الثلاثة عشر عامًا لا أكثر.
فقد بدأت تطغى عليه ملامح النزق، والطيش، والولاء لثلة من أترابه تلاميذ المدرسة الذين يشعرون – وقد أصبحوا في هذه السنّ – شعور الرجال، فلا ينبغي لهم أن يسمعوا كلام آبائهم، وأمهاتهم . فهم ما إن يغادروا (الحصة) الأخيرة في المدرسة حتى يبادروا للهو، واللعب، تارة في الألعاب الإلكترونية، وتارة في لعبة أخرى يفضلونها وهي كرة القدم. مما يسفر عن تراجع علاماتهم، ودرجاتهم في الامتحانات. وهم إلى ذلك؛ منهم من لا يعتني بمظهره، فيذهب إلى المدرسة منفوش الشعر، بقميص أزراره غير مدخلة في العرى، عدا عن أنه مفتوح عن صدره، كأنه قادمٌ من مشاجرة... متأخرٌ عن موعد قرع الجرس. ومنهم من يدخن سرًا عن الأسرة. وهذا (الطاقم) من الأشرار يحيط بصلاح ابن السيدة (الأم) التي لم يجُدْ عليها المؤلف حتى بالاسم . فهي قلقة، وحزينة، لهذا التحول السلبي الذي يعتري وحيدها. فهو يصرخ بها أحيانا رافعًا عقيرته بالصراخ دون إحساس بما في هذا الصراخ من إهانة للأم، ونكرانٍ للجميل، وتارةً يرفض تناول الطعام، لأنه في حاجة ماسة للهو، واللعب، مع أصدقائه، وتارةً يغادر البيت ضاربًا الباب بقوة كأنما التي تغلقه بهذه الطريقة المدوية هي الرياح العاتية لا الفتى الضال.
في الأثناء يتدخَّل مرشد تربويٌ يدير مكتبا للتنمية الاجتماعية زار المدرسة، وألقى فيها محاضرة، فتقدم منه صلاح، وعرض عليه الحال، شارحًا ما يمرّ به من ظروف تحزن أمه أولا، وتؤدي لتراجع تحصيله العلمي ثانيًا. ويتفهم المرشد التربوي خالد الموسى هذا الوضع، ويضرب له موعدا، ويلتقي به مرارا. ومن خلال التطبيقات التي يستخدمها هذا الخبير تمكن من إقناع الفتى بأن الوضع النفسي الذي يمرّ فيه يحتاج إلى إرادة قوية، وجلَد، للتغلب على النزعات غير العادية التي تداهمة، مع اللجوء إلى العقل، والحكمة، بدلا من الانجرار وراءَ العواطف. واستطاع في جلساتٍ متكرِّرة، متعددة، أن يؤثر في الفتى تأثيرا كبيرًا، فجعله ينَظّمُ وقته يوميا.. وقتا للعب، ووقتا للدراسة، ووقتا لمساعدة الأم في بعض أعمال البيت، ووقتا لترتيب غرفته، وكتبه، والقيام بحلّ واجباته. وأما الدراسة، فينبغي ألا تقتصر على ما يهتمّ به المدرسون، وإنما ينبغي له أن يزور المكتبة، وأن يستعير منها كتُبًا يقرؤها في ما يتبقى من الوقت. وهذه النصائح آتت أكلها في أسابيع، مما يجعل صلاحا هذا يتردّد بشغف على هذا المرشد الذي عثر فيه على نموذج يسْهُل تغييره من السيء إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن. وما فتئ يعيدُ عليه النصيحة تلو الأخرى، فأقنعه من خلال التدريبات أنّ بإمكانه التفوّق في الدروس مثلما كان متفوقا قبل أن تعتريه مظاهرُ المراهقة.
تحوّلات:
عندما تشاجر السارد مع طالبٍ أراد أن يلهو، ويلعب، مع صلاح ورفاقه، عنوةً، وسقط أرضًا، ولحقت بذراعه بعض الكسور اضطرته للذهاب إلى المستشفى، واحتاجت يده لجبيرة، وجبصين، وتغيب أسبوعين عن الدراسة، تدخّل في السرد الحكائي حافزٌ إضافي ترتبت عليه تحولات جديدة في شخصية البطل السارد صلاح. إذ بعد مغادرة المستشفى فوجئَ بزيارة المرشد التربوي له في منزله، وهذا شيءٌ لم يكن متوقعًا، وهو الفتى الذي يظنّ أنْ لا قيمة له، ولا يحظى بأي أهمية ليتمتع بهذه الزيارة الاستثنائية من رجل معروف ذي قدر عالٍ، ومكانةٍ سامية. وبُعيد الزيارة، وبعد عودته للمدرسة، بدأ ينظر في ضرورة أصلاح أصدقائه، ومنهم إبراهيم، وأحمد. وهذا الأخير مرَّ بأزمة شديدة. إذ عوقب لتأخره في الوصول للمدرسة باستدعاء وليّ أمره.
وهي بالنسبة له عقوبة صارمة، وشديدة، إذ إنّ والدهُ من الرجال الذين يتصفون بسرعة الغضب، والعنف. و لو علم بما لا يعلم به من أمر ابنه أحمد، لآذاه أشدّ الأذى. وصلاح كان على دراية بهذا كله، وبما يؤخذ عليه من تأخّر دائم عن المدرسة، وعن الحصة الأولى. وقد تراجعت درجاته في الامتحانات كثيرًا. وهو لذلك مهدد بالرسوب. علاوة على أنه لا يهتم بمظهره العام؛ لا بملابسه، ولا بنظافة شعره، ويدخن من حين لآخر في خفية عن الآخرين. وقد فكــّـر في أنْ يتدخل لدى المدير، وأن يشرف - إذا جاز التعبير- على علاج أحمد، مثلما أشرف خالد الموسى على علاجه، فقرر بعد أن استشار خالد الموسى أن يمضي في تنفيذ ما اعتزم عليه على الرغم من صعوبة الأمر.
فهذه الفكرة- الوساطة- ليست بالأمر الهين اليسير. فمن هو صلاح حتى يقتحم مكتب المدير، وهو الذي لا يجرؤ على دخول غرفة المدرسين؟ وهل سيستمع المدير لهذا الفتى المراهق، وما يقوله عن صديقه غير المنضبط؟
وأيًا ما كان الأمر، فإنّ الفتى حاول، ونجح في محاولاته. وأقنع المدير الذي ابتهج لهذا التغيير في شخصية صلاح، ووافق على صرف النظر عن استدعاء وليّ أمر أحمد، بشرط أن يلتزم الاثنان بشروطٍ، أولها: الانضباط ا لمدرسي التام، مع الاهتمام مجدّدا بالدروس، وإلا، فالويل لهما معا.
تغيير في الشخوص:
في أثناء العودة من المدرسة، وبعد تحقيق هذا الجزء من المهمة، لاحظ صلاح أن أحمد- صديقه – وكان قد شكره بالطبع، يفتح حقيبته المدرسية، ويستل منها سيجارة، ويبدأ التدخين على عادته..
هنا يتوقف صلاح مخاطبا صديقه، ناصحا بضرورة الإقلاع عن التدخين؛ إذ لو علم أبوه بذلك فمن المتوقع أن يتعرض لغير قليل من الإشكالات. أقلها عقوبة غاضبة وشديدة، وإعادة الخلافات مع المدرسة والمدرسين. وقال أحمد ردًا على صاحبه إنه اعتاد التدخين، وليس تركه بالشيء اليسير الهيّن. فقال صلاح: إن الأمر سيكون سهلا إذا جرى بالتدريج، لا سيما وأن أحمد لا يدخن كثيرًا. وسيساعده على تحقيق هذا المأرب تحلّيه بقوة الإرادة.
وما هي إلا أيامٌ معدودات حتى كان أحمد قد تخلى عن السيجارة. والأكثر من هذا أنه بدأ ينتظمُ في الذهاب إلى المدرسة في وقت مبكــّـر. وفي الأيام الأخيرة يجده صلاح بانتظاره أمام البيت لائما صديقه على التأخّر، مما أسعد صلاحًا لاستبداله النشاط بالكسل. وفي هذا يقول أحمد لصلاح محاورًا: « كنتَ على حق. نظَّمْتُ وقتي، وصرتُ أدرسُ بعد عودة أبي من عمله. البيت أصبح أكثر هدوءًا. وأمي تُكثر من الثناء على طريقتي الجديدة وهي في منتهى السعادة. أبي تغيَّر في معاملته لي هو الآخر. أحضر لي أمس الكرة التي طالما طالبته بها، ولم يكن يبادر لتلبية طلبي. أبي رجلٌ طيّب. على عكس ما كنتُ أظنّ «
فجوة:
في ختام هذه الحكاية وثبةٌ زمنيَّة، أو فجوةٌ كبيرة، لافتة للنظر. ففي الفصل الموسوم بعنوان « النهاية « ص 98 يكتشف القارئ أنّ (صلاحًا) المراهق، ابن الثلاثة عشر عامًا ، قد أصبح محاضرًا، وقد أثبت حضوره في مجالات النشاط التنموي الاجتماعي. وغدا ممّن يلقون المحاضرات التي يتوافد إليها الحضور بأعداد غفيرة. وله في هذا الموضوع مؤلفاتٌ، ومصنفاتٌ، آخرُها كتاب « أنت قادر». ويفاجَأ القارئ، مثلما فوجئ صلاح نفسه، بحضور الشيخ العجوز خالد الموسى المرشد التربوي، ووقوفه أمام (طاولة) التوقيع – توقيع النُسِخ من الكتاب – وعندما سمع صلاح أستاذه السابق يقول: اكتب الإهداء لخالد موسى، تذكــّـر الصوت على الرغم من هاتيك السنين التي باعدت بين الاثنين، رفع صلاح رأسَه ليرى مرشدَهُ التربوي، فأجلسه على الكرسي مكانه، وقال: كيف لي أن أوقّع كتابا أنتَ صاحبُه. فهذا كله بعد فضل الله، من فضلك أنت. « وقال الشيخ « كنت أتوقع لك يا صلاح هذا المستقبل، لأنك آمنت بقدرتك، وأنْ ليس ثمة مستحيل مع الإرادة القوية القادرة».
السرد واللغة:
هذه الحكاية التي كتبها فادي البتيري أظنّها روايته الأولى للفتيان(1). وهي، بلا ريب، تعد نموذجا جيدا لهذه المرحلة من العمر. وقد حافظ على سلاسة السرد من البداية حتى النهاية دون أن يضطره السردُ للحشو أو الاستطراد أو التلاعب بسيروة الأحداث، وتعاقب الزمن تعاقبًا يخالف ما هو مألوف من دورته على وفق دورة عقارب الساعة. لأن القراء من هذه الفئة العُمرية لا يأنسون للسرديات الحداثية التي تطغى على الكثير الجم من الروايات، والقصص القصيرة. وقد غلبَ على فادي البتيري استخدامه للمستوى اللساني السائد في لغة الجرائد، والإذاعات، والفضائيّات: الفصحى السليمة، من غير تقعُّر، ولا إسْفاف، أو ابتذال، بالانحدار إلى المستوى العامي، الذي يقال له الدارجة. ولو أن هذا لا يُعد عيبًا لو لجأ إليه في الحوار خاصة، ولا تقصيرًا في حق الكتابة السردية. لكنه، بحرصه على هذا المستوى، حقق، عن غير قصد، هدفا من أهداف الكتابة للفئات العمرية المستهدفة في أدب الأطفال، وهو الارتقاءُ بمستواهم اللغوي، وتنمية ملكاتهم اللسانية بالفصحى؛ لغة العلوم، ولغة الكتابة، والتدْريس. وهذا يحسب للرواية لا عليها. مع أنّ إدارة النشر في وزارة الثقافة عُنيت بنشر هذه الرواية عناية منقوصة، غير تامة، ولا كافية. وهي بلا ريب تعرف معرفة جيّدة أنّ كتب الأطفال تحتاج لعناية تفوقُ عنايتها بالمستوى الفني للنص، ونعني بهذا العناية بالطباعة، والإخراج الفني .
فهذه الرواية كان ينبغي لها أنْ تطبع في حجم أكبر من هذا الحجم المتوسّط. على الأقل في قطع 17×24 إن لم يكن في حجم كحجْم المجلات. وأن تضاف إلى الفصول مشاهدُ مصورة بالألوان، يسهر على تصميمها فنان متمرس ذو خبرة بإعداد كتب الأطفال، والمنشورات الخاصة بهم. لأن كتابا، كهذا يفتقر لتلك الصور، والرسوم، والمشاهد، ولذلك النوع من الطباعة الأنيقة، التي تجذب اهتمام الطفل، يخسَرُ من قيمته الكثير، حتى وإن كان النصّ جيدًا في غاية الجودة. ومع ذلك لا يفوتنا أنْ نوجّه الشكر لوزارة الثقافة لنشرها الكتاب، ولمؤلفها الفاضل على هذه التُحفة النادرة.
1.يذكر أن للكاتب رواية لغير الأطفال بعنوان: المنحوس، دار صفحات، عمان، 2021