الغد - ديما محبوبه - تطبق عائلة أم خلدون مفهوم التعاون والتشارك خلال الشهر الفضيل من خلال العمل على إعداد وجبتي الإفطار والسحور وترتيب السفرة بشكل جماعي.
وتشير أم خلدون إلى أن أبناءها يقومون قبل الإفطار بمساعدتها كل حسب إمكانياته وقدراته، وبعد الانتهاء من تناول الوجبة يقومون بترتيب السفرة وتنظيف الأواني وفق الجدول اليومي المعد لهم، موضحة “كل منهم يعرف دوره في التنظيف أو الشراء أو الإعداد لوجبة الإفطار أو السحور”.
ويتكاتف أبناء أم خلدون ويتعاونون كذلك في حال كان لدى العائلة في ذلك اليوم وليمة على الإفطار، وتتضاعف جهودهم لإنجاز العمل بشكل سريع ومنظم.
وتلفت أم خلدون إلى أن هذه السلوكيات من تعاون وحب المساعدة، تمكنت من تعليمها للأبناء خلال الشهر الفضيل، وهم بذلك يصبحون قادرين على تحمل المسؤولية مبكرا وإنجاز أعمالهم الصغيرة والأعمال المنزلية المختلفة.
وفي شهر رمضان تزيد متطلبات الأسرة وأعباؤها المنزلية، ويحتاج الوالدان إلى من يساندهما في التحضير لوجبة الإفطار، وبخاصة إذا كانت هنالك دعوة لمجموعة من الأشخاص.
وتتبع الكثير من الأسر أسلوبا خاصا خلال شهر رمضان تضمن فيه توزيع المهام والأدوار بشكل يخدم الأسرة ويوفر الأجواء المناسبة لكل منهم طيلة رمضان.
وفي هذا السياق، يشير الاختصاصي الأسري والاجتماعي مفيد سرحان، إلى أن شهر رمضان مدرسة يتلقى المنتسبون إليها دورة مكثفة يتعلمون خلالها صفات عديدة كالانضباط والطاعة والتعاون.
ويضيف “رمضان بالنسبة للأسرة شهر فرح وسرور، لأنها تلتقي في مواعيد محددة كالإفطار والسحور والصلاة، وهو مناسبة لترسيخ قيم فاضلة لدى أفرادها وفي مقدمتها التعاون”.
وهذا ما يؤكده أيضا التربوي د.محمد أبوالسعود، الذي يعتبر رمضان مدرسة تربوية يستطيع الآباء والمربون تربية أبنائهم فيها على معاني الخير والفضيلة والمشاركة والتعاون المثمر البناء وتعليمهم المفهوم الحقيقي للأسرة.
ويحتاج بناء وتعزيز مفهوم المشاركة والتعاون في نفوس الأبناء داخل الأسرة الواحدة في رمضان، وفق أبو السعود، إلى توفير مجموعة من العوامل ومن بينها “فهم الفلسفة التي يقوم عليها الشهر الفضيل، السعي الجاد من قبل المربين لترجمة معاني الخير التربوية في مدرسة رمضان وإكسابها للأبناء كي تصبح جزءا من ذاتهم وسلوكا وممارسة عملية في حياتهم، ومن ثم تأكيد مبدأ القدوة الحسنة من قبل الآباء والمربين حتى لا يكون هنالك شرخ تربوي”.
وحتى تتم تربية الأبناء على هذا المفهوم وتعزيزه داخل النفوس، وفق أبوالسعود، لا بد للأسرة أن تعد أبناءها لاستقبال هذا الشهر وتغتنمه لبث القيم التربوية في نفوسهم، وأن تدربهم بشكل عملي على الأخلاق الحميدة وفعل الخير وإطعام الفقراء.
ربة المنزل علياء محمد، تؤكد أنها تقوم وزوجها بعقد اجتماع عائلي قبل شهر رمضان الكريم، للحديث عن أطيب الأطعمة التي يفضلونها، وما يريدون أن يفعلوه في شهر رمضان، والمواعيد المناسبة للولائم وما سيقومون به.
وتقول “نقوم أنا وزوجي بإعداد قائمة بالمهام الملقاة على عاتقنا خلال شهر رمضان، ونوضح طبيعة هذه الأعباء للأولاد ليساعدوننا في تحمل المسؤولية، ومن ثم نقوم بتحديد المهام المطلوبة وتوزيعها ضمن شروط وإمكانيات كل فرد من أعضاء الأسرة، على أن ينوب أحدنا عن الآخر في حالة التقصير لسبب خارج على الإرادة”.
وتلفت إلى أنها تستفيد كثيرا من الملاحظات التي يكتبها الأبناء عن شهر رمضان، وما المأكولات التي يرغبون بها، والجو المناسب والمريح الذي يطمحون للوصول إليه داخل الأسرة، مؤكدة أن شهر رمضان بالنسبة لعائلتها هو شهر المحبة والألفة، ويسهم في تمكين أفرادها من القيام بواجباتهم الدينية.
اختصاصي علم الاجتماع د.محمد جريبيع، يرى أن زحام الحياة والتطور التكنولوجي أكسبا الأسرة الحديثة العديد من العادات الاجتماعية التي تقلل من اجتماع الأسرة، فأصبح من المستبعد جلوس فردين من أفراد الأسرة الواحدة معا في مكان واحد أكثر من ساعة، فإما الجميع بالخارج، أو موزعين بين التلفزيون والكمبيوتر والموبايلات وعالم الإنترنت أو الخروج مع الأصدقاء، أو حتى يعيشون مع دوامة العمل التي لا تنتهي أبدا.
ويضيف “كل هذه الأشياء كان الحل الوحيد لها تجمع الأسرة لتناول الطعام، وحتى أعوام قليلة مضت كان هذا ما يحدث، بالفعل، فكان التجمع مصدرا لحل الكثير من المشاكل، ولتصحيح الكثير من المعلومات المغلوطة عند الصغار، فتنتقل الخبرات بشكل كبير بين الجيلين ولا يحدث تصادم في الأفكار.
ويؤكد جريبيع أنه ومع مرور الزمن فقدت الأسرة الكثير من المعاني والقيم، لكن مع حلول شهر رمضان كل عام تجتمع الأسرة مرة أخرى كالتزام وحيد متبق لدى أفرادها نحو بعضهم، ما يخلق جوا جديدا من الترابط والتراحم، ومع الاحتكاك المستمر طوال الشهر تنتج أنواع مختلفة من الأحاديث والمناقشات والتي تساعد أفراد الأسرة على التجمع مرة أخرى والتقرب لبعضهم.
ويدعو جريبيع إلى تقريب وجهات النظر، واستثمار شهر رمضان للم شمل الأسرة ثانية، كما أن على الأهل الاستماع الجيد لأبنائهم، لمعرفة طريقة تفكيرهم، ومحاولة مجاراتهم حتى يلتفوا حولهم، ويصبحوا بمأمن عن أي شر يحيط بهم في المجتمع الخارجي.