Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jul-2017

التعليم الأساسي النوعي - د. سلامه يوسف طناش
 
الراي - ضمن الدستور الأردني وفي المادة العشرين حق التعليم الأساسي ومجانيته لجميع الأفراد ممن أعمارهم في هذا المستوى من التعليم. كما أن هذا الحق ضمنته كل دساتير العالم، والمؤسسات الدولية لحقوق الإنسان.
 
وتطور هذا الحق بحيث أصبح لا يتمثل في الجانب الشكلي من توفير مقعد دراسي ضمن غرفة صفية، بل أصبح يتصل بتقديم تعليم ذي نوعية عالية؛ ليصل بالفرد مع نهاية هذه المرحلة إلى أقصى درجة من امكانياته الجسدية، والعقلية والنفسية وتشكيل بنيته شموليا ووفقا لمعايير يمكن من خلالها أن يصبح قادرا على المساهمة في بناء مجتمعه، ووطنه بفاعلية.
 
وقد أكدت المنظمة الدولية لحقوق الانسان على أحقية كل فرد في الحصول على تعليم نوعي، وبغض النظر عن جنسه، أو عرقه، أو دينه، أو مستواه الاقتصادي الاجتماعي، أو مكان سكنه. وهذا المفهوم ليس ثابتا؛ بل هو متغير، ويتطور وفقا للمستجدات العالمية ونموها المتعدد وفي جوانبها المتنوعة. كل ذلك لرؤية المستجدات ومواكبتها، ولتلبية التطلعات بغية تحقيق السياسات المرسومة، والأهداف الموضوعة ووفقا لقانون التربية والتعليم.
 
والتعليم النوعي هو قلب التعليم الاساسي؛ لما يمكن أن يحققه للفرد، ولما ما يمكن أن يكون عليه كنتاج لهذا التعليم إذ ينعكس هذا التعليم على حياة الفرد، ورفاهيته، والعيش بسلام وفاعلية في خدمة نفسه، ومجتمعه، والارتقاء بقدراته ومستواه القيمي والتفاعل الانساني للعيش بسلام.
 
ووفقا للأطر القانونية الدولية، فإنه من واجب كل دولة في العالم أن توفر تعليما نوعيا قادرا على الوصول بالافراد إلى تأطير شخصياتهم ومواهبهم، من خلال تمكينهم معرفيا، ومهارتيا، وسلوكيا للتفاعل بإيجابية ليتمكنوا من العيش مع الآخرين بسلام.
 
وللتعليم النوعي مكونات أساسية ترتبط بالفرد المتعلم وبمن يعلمه ضمن بيئة آمنة، تتوفر فيها المستلزمات المادية المتكاملة، والتجهيزات المناسبة، ووفق اجراءات مبنية على أسس علمية بمنظور واقعي إنساني. كل ذلك يتم تحديده وتضمينه بأطر تشريعية واضحة ومكتوبة بلغة سليمة، لا تخرج إلى التفسير ضمن سياقات متعددة؛ وتأكيد معايير مبتغاة يرتكز عليها ضمن مؤشرات قيمية مقاسة. كل ذلك للوصول إلى مخرجات مرتبطة بالأهداف الوطنية والعالمية التي تنعكس على شكل سلوكيات ايجابية، ومشاركة فاعلة في بناء المجتمع الأردني.
 
والوصول إلى التعليم النوعي أمر ليس سهلا خاصة عندما تكون الموارد المالية محدودة. لذا يظهر هنا مفهوم آخر يرتبط بتحديد أولويات الإنفاق على التعليم وحسن إدارة هذه الموارد، مع التركيز على اشراك مؤسسات المجتمع الأخرى، وخاصة الأسرة لتدعم التعليم من خلال ما يعرف بإشراك أولياء أمور الطلبة في تعليم أبنائهم وهذا الأمر يتطلب إدارة واعية للعمليات التعليمية وعلى المستوى الإجرائي.
 
إن البرامج التي يتم تفعيلها في التعليم النوعي لمرحلة التعليم الأساسي لا ترتكز فقط على المعارف بشتى ضروبها، بل لا بد من التركيز على مهارات الحياة؛ كمهارات الرعاية الصحية، والأمن، والاتصال، والحوار، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين وقبولهم للعيش بسلام.
 
كل ذلك يحتاج إلى اتقان القراءة والكتابة والحساب مع نهاية الصف الرابع الأساسي (جوهرة التعليم)، لكي يتمكن الفرد الطالب من الاستمرار بنجاح للوصول إلى نهاية هذه المرحلة؛ وقد أعد إعدادا جيدا للحياة، وممتلكا للمعارف والمهارات والسلوكيات التي تؤهله للقيام بأدواره في مجتمعه بأمانة وانتماء ووفقا لقدراته التي تم الارتقاء بها لأعلى درجة ممكنة ووفقا للتعليم النوعي الذي تلقاه.
 
وتعتبر الألفية الثالثة محور هذا التعليم. إذ بدونه لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم للأمام خطوة واحدة باعتبارها ألفية التقنات التكنولوجية، والاقتصاد التقني؛ فلا مكان لمجتمع لا يوظف التقنيات المطورة والمستحدثة وفق حاجاته هو، وليس وفق حاجات مجتمعات أخرى فالاقتصاد المعرفي يدار عادة بأثمان باهظة لا تقدر عليها اقتصاديات تتسم بالأمية الانتاجية.
 
إن أولئك الذين يدعون لإصلاح التعليم من خلال قص الشعرة في أعلى الرأس باعتبارها سببا لتردي التعليم الأساسي، إنما يحاولون إعطاء صورة مظهرية لشكل متعرج، وبعمل يبتعد كثيرا عن موقع المرض المزمن في الجسد الواهن. فهل ندرك أن التعليم يحتاج إلى تشخيص علمي، وأن لا نستمع لمن يريدنا أن نركز على التاريخ المزور، وان لا نعلم الكيمياء والرياضيات، وأن يبعدنا عن الحوارات العلمية التي تقرب الفكر وتطيل العمر الإنساني والتعاون البناء.