Monday 29th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Mar-2024

الصورة الشعرية في ديوان «أهش بها على ألمي» للشاعر علي الفاعوري

 الدستور-صفاء الحطاب

علي الفاعوري شاعر أردني امتلك ناصية اللغة ورهافة الحس وعمق الفكرة، وأبحر بعيدا في تجليات الوجود الفلسفية، وقدم في تجربة شعرية معتقة، أربعة دواوين؛ كان أولها «مقام الضباب» ثم «آيل للصعود» و»أزرق مما أظن» وآخرها ديوان «أهش بها على ألمي» المصنف كأفضل إصدار شعري في الأردن، والفائز بجائزة رابطة الكتاب الأردنيين ومهرجان جرش لعام 2023.
تبلورت تجربة علي الفاعوري الشعرية على مهل، واستغرقت وقتها داخل محارة في عمق محيط الحياة، حتى تكونت واكتملت؛ ثم لمعت قصيدته «دانة» مكتملة براقة؛ تأسر المتلقين، وتدعوهم لكشف أسرارها.
وإذا كان الشعر ابن المجاز وشقيق الخيال، ويكمن في أسرار الأشياء لا في الأشياء ذاتها، فقد امتازت قريحة الفاعوري الشعرية بقدرتها على خلق الألوان النفسية، التي تصبغ الأشياء وتلونها لإظهار حقائقها ودقائقها، وتحولها من حقيقتها الصامتة إلى صورتها المكتملة، وقد قدم الفاعوري مواضيعه بنفس شاعرة عظيمة، نافذة إلى أسرار اللغة الشعرية بمظهرها اللغوي، وقدم بحذاقة فنية صاعدة بالأحاسيس الجمالية؛ منظومة من المعاني المبتكرة والصور البلاغية الفاتنة، المحفزة لذهن المتلقي على التخيل، واستشعار المعاني التي أحسها الشاعر حين انتزع شعره منها، وما كان يخالجه وقتئذ من الفكر، وما يتمثل له من الصور المعنوية التي ألهمته ما جادت به قريحته الشعرية.
وعند البحث في عناصر الأداء الفني في ديوان الفاعوري الأخير «أهش بها على ألمي» لاكتشاف أساليب البث الجمالي، نجد بأن الصورة الشعرية في هذا الديوان تشكلت من وسائل مختلفة ومتنوعة، وكشفت عن قدرة الشاعر ومهارته في التشكيل الفني لشعره، وتميزه بخصوصية شعرية جعلته محط أنظار النقاد والدارسين.
وقد جاء عنوان الديوان لافتا ومثيرا للتأمل «أهش بها على ألمي»، فلا قصيدة في الديوان معنونة به، بل هي عبارة قد وردت في مقطوعة من «خماسيات» للشاعر الفاعوري، ستصدر قريبا في ديوان منفصل، يقول فيها:
كما قد قلت يا أماه لما خانني قلمي
وحين استأجروا ذئبا لكي يسطو على غنمي
ولم أقصص على الناجين من سجانهم حلمي
وكنت يدي يا أماه كنت خطاي للقمم
ودون الناس كنت عصا أهش بها على ألمي
وكأن الشاعر أراد أن يخبر القارئ بسر من أسرار بوحه، في عبارة فلسفية قد تحتمل التأويل بأنها وصف لتجربة الفاعوري الشعرية الذاتية، وإشارة إلى الغوص في بواعث شاعريته ورقته وعمقه، وارتباطها الوثيق بالمرأة والمتمثلة هنا بأمه رحمها الله، وعلاقته بها التي صنعت جانبا مهما من وجدان علي الفاعوري الشاعر، والتي منحته وألهمته بصورة ما قدرته على معالجة الألم بنظم الشعر الفلسفي العميق، والتأكيد على امتداد تجليات هذه العلاقة في كل تجربته الشعرية، وقد يدعم هذا التأويل قول الشاعر في قصيدة «رسائل شكر متأخرة جدا» ص89، والموجهة لأمه بعد أن غيبها الموت:
شكرا لصوتك
فهو موسقني لأصبح شاعرا تؤوي الطيور
صغارها في كف
حنجرتي بلا خوف...وتطعمها قصيدي
كما أسهم الذهن في تشكيل الصورة في شعر علي الفاعوري والوصول بخطابه نحو الشعرية بوساطة رسم المشاهد واللوحات، وقد استثمر الشاعر مدركات العالم من حوله، وصورها عن طريق الإحساس الشعوري بها بوساطة حواسه كحاسة السمع أو الذوق أو الشم أو الحدس؛ إذ منح الشاعر صفات كل حاسة لأخرى في عملية تفاعلية تبادلية عن طريق تبادل الحواس، فضلا عن أثر الخيال بوسائله المختلفة في تشكيل صور طغت على معظم شعره، كما في قصيدة «مدينة بلا شفتين» ص47:
ليل بأول بوحه
ومقاعد بلهاء تمضي يومها مستلقية
باب الحكاية مغلق
والعاطلون عن الكلام تناثروا تعبا وغابوا
في زحام الأبنية
صوت المصابيح التي ما غادرت يوما زجاج بيوتها
يدنو ليفتح أمسية
كما حظي التناص الديني والتراثي بنصيب وافر في تشكيل الصورة الرمزية في ديوان الشاعر، والتعبير عن معاناته بصور رمزية أثرت تجربته الشعرية، وارتقت بخطابه الشعري إلى مصاف الشعرية والإبداع، كما قال في قصيدة «الرفيق» ص63
أنا يا بحر
لم أقتل غلامي
ولكن الحكاية لم تطعني
أقمت جدار من مروا
بجوعي
مرور الجاحدين
ولم يرعني
فلا تتعب مياهك
في اعتقادي
وفارقني
إذا لم تستطعني
هكذا تتشكل الصورة في شعر الفاعوري، من وسائل فنية متنوعة، تتفاعل مع غيرها من العناصر في نسيج واحد من العلاقات الخفية التي ينشئها خيال الشاعر، ويشكل بها الشكل الفني الكلي لشعره، بما يمتلكه من ثقافة واسعة وقدرة سحرية على خلق الصور الجديدة ومزج عناصرها المتباعدة والمتنافرة والجمع بين أجزائها المتناثرة؛ لتصبح مجموعا متآلفا يعبر عن تجربته الشعرية وخصوصيتها المتميزة.