الغد-معاريف
بقلم: آنا برسكي
في بحر من التصريحات، الإحاطات، المنشورات والتقديرات بالنسبة لاحتمالات صفقة مخطوفين – من الصعب الإشارة إلى النقطة التي تمر فيها الحدود بين التصريحات والواقع، وبين المرغوب فيه والممكن.
محافل عديدة، في الداخل وفي الخارج، تحاول دفعنا إلى أن نكون متفائلين. بعد سنة من الاتصالات، الجهود، التسريبات عن "نحو صفقة" و "بعد قليل صفقة" – تفجرت كالبالون المليء بالهواء الساخن – من الصعب أن نشتري مرة أخرى البضاعة التي يحاولون بيعها لنا، والتقديرات بأنه في ضوء آخر الأوضاع، بعد التسوية في الشمال، (إذا ما صمدت) ستكون حماس مستعدة لأن تلين.
هذه التقديرات منطقية وواجبة – لو كان الحديث يدور عن جسم ليس منظمة (مقاومة)، متزمتة كل جوهرها هو السعي إلى إبادة إسرائيل، إلى الجهاد كفكرة وإلى البقاء من أجل هذا الهدف السامي.
وما يزال، بالتأكيد يحصل شيء ما من خلف الكواليس. ربما في نظر مسؤولي حماس الصورة لم تتغير حقا بهذا الشكل الدراماتيكي، مثلما يحاول المتفائلون عرضها. لكن موضوعيا، الظروف بالفعل نضجت – على الأقل لجهد إضافي بتحقيق تسوية في غزة.
إدارتان أميركيتان تريدان ذلك جدا: إدارة بايدن الراحلة، التواقة إلى إنهاء الولاية بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وإدارة ترامب الوافدة، التواقة إلى إنهاء الحروب على يدي آخرين وعدم الاستثمار فيها بالوقت، الطاقة والجهد. الدول العربية والدول الغربية أيضا، كل العرابين، معنيون بالوساطة، لكن السؤال الكبير هو إذا ما كان الطرفان معنيين بها.
من حيث الوقائع، الأجواء تغيرت. الشروط تغيرت. ما لم يتغير هو حماس وجوهرها. أمور كثيرة يريد مسؤولو تلك المنظمة الحصول عليها في إطار الصفقة الممكنة: تحرير (مقاومين)، إعمار غزة على يدي الراعين، وغيرها مما يمكن الحصول عليه. من جهة أخرى، مسؤولو حماس مستعدون للتنازل عن كل هذا إذا ما حصلوا على الأمر الأهم لهم: النجاة والبقاء في غزة. لهذا الغرض، قبل كل باقي الشروط والمطالب – هي ملزمة بأن تبقى في الصورة وفي الأرض.
أحد ليس غبيا ولا يعيش في الأوهام، لا الإسرائيليين ولا الوسطاء، واضح للجميع بأن حماس سترغب في إعادة بناء نفسها والعودة، بالضبط مثلما يريد حزب الله ويخطط لإعادة بناء نفسه والعودة إلى اعمال (المقاومة)، كون هذا هو لباب وجوده.
وعليه، ففي ليل إقرار التسوية في الشمال، في إسرائيل أوضحوا بأن ليس الاتفاق هو المهم، بل الاتفاق الجانبي بيننا وبين الولايات المتحدة. ليست الورقة هي المهمة، إذ إن حزب الله لا يعتزم إجراء تحويل مهني ليصبح منظمة خيرية. المهم هو الوعد بحرية العمل في تنفيذ التسوية التي طلبتها إسرائيل وحصلت عليها، في إطار الاتفاق الجانبي الذي أتاح التسوية.
معقول الافتراض بأن هذه هي الصيغة المظفرة، وهي ذاتها يعرضها الوسطاء على إسرائيل بالنسبة لحماس أيضا. والمعنى هو أنه لا يهم ماذا سيكون على الورق – أنتم يمكنكم أن تعودوا. أمر إضافي يحتمل أن يقنع إسرائيل هو فكرة إدخال قوة دولية من دول عربية عدة، بإشراف غربي.
من ناحية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذا لم تكن السلطة الفلسطينية في الصورة وما يحل محل حكم حماس هو قوة أجنبية وليس أبو مازن ورجاله – فعندها يمكن الحديث في هذا. هنا أيضا، أحد لا يوهم نفسه. واضح للجميع أنه إذا وافقت حماس على الفكرة، فإنها ستفعل هذا فقط لأنها ستكون واثقة من أنها ستبقى في القطاع، ستعيد بناء نفسها وتتعزز من خلف الزينة والاستعراض الباعث لهذا الحكم أو ذاك، من جهات أجنبية كهذه وتلك. النجاة والبقاء في الأرض – هما الأساس.
معقول أيضا الافتراض بأن نتنياهو سيكون مستعدا لـهذه المسلمة الهادئة، إذا كان لإسرائيل اتفاق جانبي يضمن لها حرية العمل. يحتمل أن تكون هذه الصيغة هي ما ستتيح ما لم يتحه أي منحى حتى الآن.