Thursday 6th of November 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Nov-2025

مستقبل الدماغ| د. صالح سليم الحموري

عمون-

 

منذ أن بدأ الإنسان يُفكّر، ظلّ الدماغ سيّدًا غير منازَع في مملكة الذكاء. هو الذي صنع الأدوات، وابتكر اللغة، وشكّل الحضارة، وأرسى أسس العلم. لكن في العقود الأخيرة، بدأ المشهد يتغيّر؛ إذ دخل منافس جديد إلى الحلبة: الذكاء الاصطناعي التوليدي.
 
لم يعد العقل البشري وحده القادر على الفهم والإبداع والتأليف؛ فقد ظهر كيان رقمي ينافسه في مجالاتٍ كان يُظنّها حكرًا عليه.
يكتب ويحلّل، يرسم ويبتكر، بل وينظم الشعر والغزل أيضًا.
 
ومع كل تحديثٍ يزداد ذكاؤه اتساعًا، وتتعمق قدراته حتى بات يثير السؤال الكبير: هل سيكتفي الدماغ البشري بالمراقبة؟ أم سيتطور ليبلغ مستوى جديدًا من الإدراك؟
 
في عصر الإنترنت والشبكات الاجتماعية، غُمر الدماغ البشري بفيضٍ غير مسبوق من المعلومات.
 
هذا الطوفان المعلوماتي غيّر طريقة تفكيرنا، وقلّص قدرتنا على التركيز، وأعاد تشكيل أنماط الانتباه والذاكرة .أصبح الدماغ يعمل تحت ضغطٍ دائم من الإشعارات والمحفّزات، مما جعله أكثر سرعة واستجابة، لكنه أيضًا أكثر سطحية في المعالجة.
 
ومع ذلك، قد لا يكون الصراع بين الإنسان والآلة كما يتصوّره البعض، بل هو تفاعل تكاملي.
 
فالدماغ البشري قد يتطور بيولوجيًا وفكريًا في مواجهة هذا التحدي، عبر تعزيز قدراته الإبداعية والعاطفية، تلك الجوانب التي لا تزال عصيّة على الاستنساخ الآلي. ربما يدفع الذكاء الاصطناعي الإنسان إلى إعادة اكتشاف جوهر وعيه، وحدود ذاته، ومعنى الإبداع نفسه.
 
في هذه الأيام، أجد نفسي غارقًا في دراسة آلية عمل الدماغ؛ أتنقّل بين الأوراق العلمية والمقاطع العصبية الدقيقة، محاولًا فهم هذه الآلة العجيبة التي تسكن داخل جماجمنا.
 
وأجد متعةً خاصة في النقاشات العميقة مع صديقي البروفيسور هيثم العقيلي، جراح الدماغ الذي جال في دهاليزه مرارًا، وعرف مساراته بمشرطه، وازداد شغفًا بفهمه ونشاطه العصبي الفريد.
 
نتحدث عن أكثر من مئة مليار عصبون متراصّة في مساحة لا تتجاوز حجم قبضة اليد، ومع ذلك تُنتج الفكر، واللغة، والخيال، والذكريات، وحتى هذا الحوار نفسه عن ماهيتها.
 
في المستقبل القريب، قد لا يُقاس الذكاء بعدد المعلومات التي نعرفها، بل بقدرتنا على طرح الأسئلة الصحيحة، وخلق المعنى من وسط الفوضى. فالدماغ الذي قاوم ملايين السنين من التطور، لن يتراجع أمام منافسه الجديد، بل سيتعلّم منه، ويُعيد تعريف ذاته، ويتجاوز حدوده نحو مرحلة جديدة من الوعي الإنساني.