Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Jun-2019

كيف تتجنب أميركا نشوب حرب غير مقصودة مع إيران؟

 الغد-ستيفن سايمون؛ وريتشارد سوكولسكي – (فورين بوليسي) 21/5/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
مع ارتفاع مخاطر سوء الحسابات أو سوء الفهم، يجب أن يعمل ترامب الآن على التأكد من أن تكون الحروب الوحيدة التي تدخلها الولايات المتحدة هي تلك التي تريد أن تخوضها حقاً.
في الوقت الحالي، يبدو خطر تسبب حادث عرَضي في إشعال فتيل مواجهة عسكرية أميركية-إيرانية أوسع نطاقاً عالياً إلى حد لا يمكن التسامح معه. وسوف يكون اتخاذ تدابير لإدارة الأزمات ومنع نشوب الصراع على المستوى العملياتي طريقة منخفضة المخاطر للتحدث إلى الإيرانيين وتخفيف حدة التوترات. وإذا كان من الممكن أخذ عواطف ترامب المناهضة للحرب بقيمتها الظاهرية –وهو ما ينبغي الاعتراف بأنه لا يكون دائماً افتراضاً آمناً- فإنه يجب أن يوجه مرؤوسيه إلى الشروع في إجراء هذه المناقشات الآن.
 
* *
على الرغم من عدم الوضوح الذي يسِمُ البيت الأبيض، أصبح من الواضح بشكل مُطرد في الأيام الأخيرة أن إدارة ترامب منقسمة حول أهداف سياستها الإيرانية، والدور الذي يجب أن تلعبه التهديدات العسكرية أو استخدام القوة في تحقيق هذه الأهداف. ويبدو أن مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية يسعيان إلى خوض قتال ووضع الطعم لطهران لدفعها إلى اتخاذ إجراء يمكن أن يوفر ذريعة لتوجيه ضربة عسكرية إليها. لكن الرئيس يستمر في قول أنه يريد أن يتحدث مع الإيرانيين وأن يجعلهم يعودون إلى طاولة المفاوضات لإبرام صفقة نووية أفضل، ولانتزاع تنازلات من إيران حول سلوكها الإقليمي وبرنامجها للصواريخ البالستية. وفي الأثناء، يبدو وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة قلِقَين من أن تكون الولايات المتحدة سائرة في الطريق نحو خوض حرب مع إيران، ويشكان في أن يكون للمزيد من نشر القوات الأميركية في منطقة الخليج ما يبرره.
كما هو الحال في معظم قضايا السياسة الخارجية الأميركية، من الصعب معرفة ما هي السياسة بالضبط ومن هو المسؤول عن إدارتها. ومن الممكن، بطبيعة الحال، أن يكون الخطاب الحربي وتحركات القوة التي سادت في الأسابيع الماضية مصممة إما لردع الاستفزازات الإيرانية أو للضغط على البلد ودفعه إلى الخضوع للمطالب الأميركية.
مهما يكن ما تريد الإدارة حقاً، فإن هناك شيئاً واحداً يجب أن يكون كارهو الحرب والمولعون بإشعالها على حد سواء قادرين على الاتفاق عليه: الحاجة إلى منع نشوب صراع عرَضي غير مقصود بين الولايات المتحدة وإيران. لكن تصرفات الإدارة تزيد من مخاطر تورط البلدين –أكثر مما تخفضها- في صراع ينشب نتيجة لسوء حسابات، أو سوء فهم، أو فشل في التواصل. وهذا الوضع خطير للغاية، خاصة بما أنه ليس لدى الولايات المتحدة وإيران قنوات للاتصال المباشر والمتنظم أو آليات لنزع فتيل أزمة أو السيطرة على تصعيد بمجرد وقوع حادثة.
لا يبدو أن لدى ترامب شهية لخوض حرب مع إيران، ويقال إنه سخر من أن مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، ووزير خارجيته، مايك بومبيو، تقدما عليه في التخطيط لصراع عسكري مع إيران. لكن خيار الحرب ليس بعيداً عن الطاولة. والرئيس الأميركي معروف بمزاجيته وزئبقيته. وقد وافق على كافة الخطوات التي اتخذها مستشاروه الصقريون والتي جلبت الولايات المتحدة وإيران أقرب إلى شفا الحرب، وهو يرأس عملية اتخاذ قرار فيها انقطاع تام للتواصل بين الوكالات، والتي لا تضع أمامه وجهات نظر وخيارات بديلة. وفي الأثناء، يبدو أن السعوديين يحثونه على توجيه ضربات جراحية ضد إيران.
وبذلك، يكون من السهل تخيل بولتون، مقاتل الشوارع البيروقراطي المولع بالقتل، وهو يتمكن من إقناع ترامب مشتت الذهن والذي تعوزه المعلومات، بأن الولايات المتحدة يمكن أن تشن عمليات عسكرية محدودة ضد إيران، والتي ستحقق أهداف الولايات المتحدة من دون تكلفة وبلا مخاطرة.
بالإضافة إلى ذلك، وحتى لو لم تكن لدى الإدارة رغبة في الحرب، مع وصول التوترات إلى درجة عالية، فإن عدم اليقين الإيراني وارتباك إيران إزاء الدوافع الأميركية، ووجود القوات الأميركية على مثل هذا القرب من القوات الإيرانية ووكلاء إيران، لن يتطلب الأمر الكثير لإشعال فتيل صراع، والذي سيأتي بتداعيات كارثية على أميركا والمنطقة.
إذا كانت الإدارة تخطط لاستفزاز حرب مع إيران، فإن عليها أن ترغب في فعل ذلك في وقت ومكان من اختيارها هي، وفقط بعد أن تكون قد شكلت ميدان المعركة –دبلوماسياً، وسياسياً، وعسكرياً- ليعمل لصالحها. ولن يفيد الولايات المتحدة بأي حال أن تذهب متعثرة إلى صراع. وحتى لو كان رئيسها يريد أن يتجنب حرباً مع إيران، وإنما يريد أن يواصل الضغط العسكري، فإنه يجب أن يرغب مع ذلك في العثور على طرق لتقليل فرص نشوب صراع غير مقصود مع ذلك البلد.
هناك العديد من الطرق للقيام بذلك. في سورية، استطاعت الولايات المتحدة أن تشدد قواعد الاشتباك التي تمنح القوات الأميركية التفويض بإطلاق النار على قوات إيران ووكلائها. ويمكن أن تساعد هذه التغيرات في القواعد في منع حدوث اصطدام غير مقصود يمكن أن تتسبب به مشكلات في القيادة والسيطرة، أو عمليات مارقة يتم تنفيذها خارج تسلسل القيادة الإيرانية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يقوم البلدان بتحسين إجراءات فك الارتباط بين جيشيهما ونزع التصعيد. وعلى سبيل المثال، في جنوب غرب سورية، يمكن توسيع المنطقة العازلة الحالية بين القوات الأميركية والقوات المدعومة من إيران، ولو أن مثل هذه الخطوة ستتطلب موافقة روسيا وحكومة بشار الأسد. كما يجب على إدارة ترامب أيضاً أن تضغط على موسكو لكي تواصل تشجيع إيران على تجنب الاحتكاك مع القوات الأميركية في سورية، ويجب عليها أن تعزز المصلحة الروسية في وضع آلية ثلاثية الأطراف، أميركية-روسية-إيرانية، لتجنب وقوع حادثة. وأخيراً، يستطيع القادة العسكريون الأميركيون والإيرانيون في الميدان أن يقيموا قنوات في الزمن الحقيقي للتواصل بشأن النوايا في حال هددت حادثة محلية بالخروج عن نطاق السيطرة.
في العراق، سيكون من الأكثر منطقية أن تؤسس الولايات المتحدة إجراءات للاتصال وإدارة الأزمات، والتي تتوسط فيها قوات الأمن العراقية مع القوات العسكرية الإيرانية والميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران. وسيكون من المفيد أيضاً أن تسكتشف الولايات المتحدة إمكانية تشكيل لجنة ثلاثية الأطراف من الولايات المتحدة، والعراق وإيران لحل النزاعات، والتي يمكن أن تحتوي وتخفف أي حادثة تهدد بالخروج عن السيطرة.
كما أن هناك أيضاً عدة نقاط اشتعال محتملة في شبه الجزيرة العربية وما حولها. وتشمل هذه النقاط: قيام قوات الحرس الثوري الإيرانية بمضايقة سفن البحرية أو حرس السواحل الأميركية، بما يؤدي إلى تبادل لإطلاق النار؛ محاولة تقوم بها قوات البحرية الأميركية لاعتلاء سفينة تجارية إيرانية مشتبه بحملها مُهرَّبات إلى الثوار الحوثيين في اليمن، والتي تسفر عن سقوط ضحايا؛ أو دخول غير مقصود لسفينة من البحرية الأميركية في المياه الإقليمية الإيرانية، والتي ينجم عنها اعتقال أفراد الطاقم واحتجازهم (كما حدث في العام 2016). وبالإضافة إلى ذلك، أطلق الحوثيون صواريخ زودتهم بها إيران وأرسلوا طائرات من دون طيار لتدخل عميقاً في الأراضي السعودية. وفي حال دمرت إحدى الضربات أحد الأصول السعودية المهمة أو ضربت مدينة رئيسية، فإن من شبه المؤكد أن تقوم السعودية بتصعيد هجماتها في اليمن، وربما تضرب إيران مباشرة، وتجر بذلك الولايات المتحدة إلى الصراع.
بالإضافة إلى استخدام الولايات المتحدة وإيران الروتيني للاتصالات اللاسلكية “من جسر إلى جسر” لضمان السلوك الآمن للسفن، ليست هناك أي آليات قائمة –رسمية أو غير رسمية- لمنع حدوث تصادم بين السفن الأميركية والإيرانية. ويمكن تأسيس مثل هذه الترتيبات في زمن سريع نسبياً إذا كان الإيرانيون مستعدين للتعاون. وللحيلولة دون خطر التصعيد في اليمن بين السعوديين والحوثيين، تستطيع الولايات المتحدة –إلى جانب شركائها الأوروبيين- تشجيع المملكة العربية السعودية وإيران على فتح قناة للتفاوض وفرض قواعد الطريق –أو في الحد الأدنى، التواصل في حالة حدوث أزمة.
بالمثل، تستطيع الولايات المتحدة والدول التي لها نفوذ على طهران أن تبذل جهداً متجدداً لوضع تدابير لبناء الثقة البحرية. وفي العام 2014، توافقت أكثر من 20 دولة على إجراءات في غرب المحيط الهادئ لمنع حدوث مواجهات بين السفن والطائرات. وقد فشلت الجهود لتطبيق إجراءات مماثلة في الخليج الفارسي -بشكل أساسي بسبب معارضة مؤسسة الحرس الثوري الإيراني. ويمكن أن تطلب الولايات المتحدة من حلفائها الأوروبيين وروسيا أن يضغطوا على إيران لدفعها إلى إعادة النظر في معارضتها لهذه التدابير وغيرها.
ربما يأتي الخطر الأكبر لنشوب صراع أميركي-إيراني غير مقصود من أعمال حلفاء ووكلاء كلا الجانبين. ولن يكون كبح هذه القوى سهلاً؛ فلديهم أجنداتهم الخاصة وهم ليسوا تحت السيطرة الكاملة لرعاتهم. وإذا استطاعت إدارة ترامب أن ترتب شؤونها، فسيكون عليها أن توضح لأعلى مستوى من الحكومتين الإسرائيلية والسعودية أنه في حين أن واشنطن قد تقبل بردود متناسبة على هجمات إيرانية مباشرة ضدهما، فإنها لن تتسامح مع أي سلوك غير مسؤول، والذي يمكن أن يتسبب في أعمال عدائية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. وسيكون على الإيرانيين أن يفعلوا الشيء نفسه مع وكلائهم. (حذرت الحكومة العراقية مسبقاً الميليشيات الشيعية في العراق من ضرورة عدم القيام بأعمال يمكن أن تعطي الولايات المتحدة ذريعة لمهاجمة إيران).
يفترض أن تكون لدى الحكومة الإيرانية مصلحة في تجنب خوض حرب مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن احتمال موافقة طهران على أي من هذه الإجراءات –أو حتى مجرد التحدث مع الولايات المتحدة- يبقى غير قابل للتخمين. وكان وزير الخارجية الإيراني قد صرح مؤخراً بأنه “ليست هناك أي احتمالية” لإجراء مناقشات مع الإدارة لتخفيف التوترات، لكنه ربما كان يقصد إجراء مناقشات دبلوماسية لحل القضايا البارزة بين البلدين. وعلى أي حال، لن تعرف الإدارة حتى تبذل جهداً جدياً، وليست هناك أي سلبيات سياسية في المحاولة.
في الوقت الحالي، يبدو خطر تسبب حادث في إشعال مواجهة عسكرية أميركية-إيرانية أكبر عالياً إلى حد لا يمكن التسامح معه. وسوف يكون وضع تدابير لإدارة الأزمات ومنع نشوب الصراع على المستوى العملياتي طريقة منخفضة المخاطر للتحدث إلى الإيرانيين وتخفيف حدة التوترات. وإذا كان من الممكن أخذ عواطف ترامب المناهضة للحرب بقيمتها الظاهرية –وهو ما ينبغي الاعتراف بأنه لا يكون دائماً افتراضاً آمناً- فإنه يجب أن يوجه مرؤوسيه إلى الشروع في هذه المناقشات الآن.
*ستيفن سايمون: أستاذ في كلية أمهيرست، عمل في مجلس الأمن القومي في إدارتي كلينتون وأوباما.
*ريتشارد سوكولسكي: هو حالياً زميل رفيع في منحة كارنيغي للسلام العالمي. عمل في وزارة الخارجية الأميركية لمدة 37 عاماً، بما فيها 10 أعوام كعضو لمكتب وزير الخارجية لتخطيط السياسات في الفترة ما بين العامين 2005 و2015.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How to Prevent an Accidental War With Iran