الغد
يديعوت أحرونوت
بقلم: ميخائيل ميلشتاين 30/11/2025
منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) كانت الجبهة السورية هي الأقل تعقيداً من ناحية إسرائيل. بخلاف المعارك القاسية في غزة وفي لبنان وضد إيران والحوثيين، فإن الجهد في سورية لم يجنِ أثماناً ذات مغزى.
فسقوط نظام الأسد – العدو القديم والحليف المركزي لطهران – أتاح لإسرائيل قبل نحو سنة اتخاذ خطوات دراماتيكية دون أن تصطدم بتحديات ذات مغزى: فقد سيطرت على أرض بجوار الحدود وفيها سكان لغرض الدفاع ضد محافل معادية (درس من أحداث 7 أكتوبر)، ودمرت البنى التحتية للجيش السوري خوفاً من أن تقع في أيدي منظمات إرهاب، ومنذئذ وهي تحافظ على حرية عمل شبه تامة في سورية.
تخلق الأجواء المريحة مشاهد مشابهة لتلك التي بدت في المناطق التي احتلت في 1967: إسرائيليون يحاولون إجراء رحلات إلى المنطقة المحتلة، وآخرون يسعون لإقامة بلدات فيها ("طلائع الباشان") في ظل الإعلان عن أنه فقهياً يدور الحديث عن منطقة هي جزء من بلاد إسرائيل، وصحفيون يحررون تقارير بطريقة شاعرية "عما يجري في سورية".
وفي الخلفية يحرص رئيس الوزراء مرة كل بضعة أشهر على أن يجري زيارات مغطاة إعلامياً في الأراضي التي احتلت، ويشدد فيها كم هي حيوية للدفاع عنها وأننا لن نخليها. الحادثة القاسية في بلدة بيت جن في نهاية الأسبوع تشكل رصاصة إيقاظ لإسرائيل.
يدور الحديث عن محاولة لاعتقال نشطاء من منظمة "الجماعة الإسلامية" خططوا لعمليات ضد إسرائيل، حادثة تطورت إلى اشتباك أُصيب فيه ستة جنود من الجيش الإسرائيلي وقُتل نحو 15 سورياً. من شأن الحدث أن يشكل نهاية الفترة التي كان يمكن فيها التحكم بالمنطقة وسكانها بلا مشاكل.
وقعت الحادثة في اليوم الذي يحيي فيها السوريون سقوط نظام الأسد، ما تسبب في أن تتحول مسيرات التضامن مع النظام إلى مظاهرات عاصفة ضد "الاحتلال الإسرائيلي". إذا ما قرر الرئيس السوري أحمد الشرع البدء بتشجيع أو دعم الأعمال ضد الاحتلال الجديد، ستقف إسرائيل أمام تحد آخر إضافة إلى القضاء على المقاومة في المنطقة المحتلة.
في مثل هذا السيناريو من شأن أيدي إسرائيل أن تكون مُكبلة كون الشرع يُعد كالـ "أمل" لنظام جديد ومستقر في سورية في نظر ترامب الذي استقبله بشرف عظيم في البيت الأبيض، وكذا في العالم العربي والغربي – وهذه على ما يبدو لن تسمح لإسرائيل العمل ضد دمشق بحرية. مؤشر أول على ذلك جاء عندما هاجمت إسرائيل في تموز (يوليو) الماضي منشآت للنظام في دمشق كرد على أعمال ضد الدروز في جنوب الدولة، ما أثار نقدًا دوليًا بما في ذلك من جانب واشنطن وتسبب بوقف تلك الهجمات. إلى جانب الاحتكاكات، تُجرى في الأشهر الأخيرة – برعاية واشنطن – محادثات سياسية بين إسرائيل وسورية في محاولة لبلورة تسوية أمنية تشكل نوعًا من التحديث أو رفع المستوى لاتفاق "القوات" بين الدولتين في العام 1974 (بعد حرب يوم الغفران).
في الخلفية يوضح الشرع بأن السلام والانضمام إلى اتفاقات إبراهيم لن تُبحث طالما تسيطر إسرائيل في هضبة الجولان. وهكذا، بينما يُعرف وزراء في الحكومة الشرع بـ "داعش في بدلة" بل ويطالبون بتصفيته، آخرون يبحثون مع وزير الخارجية السوري في اتفاق سياسي.
بعد نحو سنة هادئة نسبيًا، تقف إسرائيل أمام معضلة تستوجب الصياغة بشكل واعٍ: ما هي المصالح تجاه الساحة السورية؟ وفحص إمكانية فعل نشط قبل أن تفرض خطوات خارجية، مثلما كان في القطاع. من جهة أخرى، واضح أن سورية بعد الأسد مليئة بالتهديدات: الحكم غير عاطفي وغير مستقر، وتحته تعمل جملة متنوعة من الجهات المحلية المعادية التي تخطط للعمليات المضادة، بما في ذلك في مجال الحدود؛ تركيا – التي تمنح الرعاية للشرع – تثبت أقدامها في سورية؛ وإيران تحاول ترميم قوتها في الدولة. كل هذه الأمور تبرر تواجدًا في القاطع الأمني الجديد، فما بالك بحرية العمل لأجل قطع دابر كل تهديد ينشأ في الساحة السورية.
من جهة أخرى، من شأن حادثة بيت جن، كما أسلفنا، أن تبشر بتطور تحديات في الزمن القريب القادم يتوجب الاعتراف بها والاستعداد لها: تهديدات حرب عصابات بل واحتكاكات مع السكان المحليين في المنطقة المحتلة، وإمكانية أن يشجع نظام الشرع انتفاضة شعبية، بل ويحتمل ضغط دولي متزايد على إسرائيل للانسحاب منها والتقدم بسرعة نحو التسوية.
مثلما في ساحات وحالات أخرى منذ 7 أكتوبر، ستقف إسرائيل في سورية أيضًا أمام بضعة بدائل سيئة، وسيتعين عليها أن تختار الأقل سوءًا. اتفاق – حتى لو ترافق وانسحاب إسرائيلي من الأرض المحتلة – كفيل بأن يكون أهون الشرور. هذا شريطة أن يترافق وعدة شروط استراتيجية ضرورية: حفظ حرية عمل كاملة ضد تهديدات أمنية (إقامة بنى تحتية للمقاومة وتهريب وسائل قتالية – بما في ذلك من إيران وحزب الله – وبالطبع التخطيط لعمليات مضادة)، مثلما يجري في لبنان؛ ووعد ألا تحوز سورية قدرات عسكرية مهددة وتجريد جنوب الدولة من السلاح؛ وتقييد التواجد الأمني التركي؛ وتعميق التواجد الأميركي.
في ضوء الاحتمال العالي لتطور معركة واسعة قريبًا ضد حزب الله والحاجة لجولة جديدة مع إيران بهدف ضمان الضربة العميقة لبرنامجها النووي، من الحيوي ألا تنجر إسرائيل إلى ساحة مواجهة جديدة تقتطع من قدرتها على التركيز على التحديات الاستراتيجية الأهم.
بين هذا وذاك من الحيوي أن ينفض الإسرائيليون عنهم المفهوم الذي ثبت بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) ويقضي بأن استخدام القوة والسيطرة على الأرض يوفر أمنًا، وكذا الخيالات حول اختفاء أعداء وتحقيق انتصارات مطلقة.