سوشيال ميديا
طروب العارف
لماذا نكذب (حتى على أنفسنا)؟ هذا سؤال قد تجدونه غريبًا ويستحق التفكير. طرحته الدكتورة ليندسي جودوين، وهي أستاذة وتشغل حاليًا منصب رئيس قسم الإدارة في كلية ستيلر لإدارة الأعمال في كلية شامبلين (فيرمونت، الولايات المتحدة الأمريكية).
ولمناقشته، استعانت بما ذكره عالم النفس دانييل جيلبرت، بإن أدمغتنا مصممة لتفضيل الراحة على المدى القصير على الوضوح على المدى الطويل. وفي بحثه حول التنبؤ العاطفي، لاحظ جيلبرت كيف أننا غالبًا ما نتوقع أن المشاعر السلبية سوف تستمر لفترة أطول أو نشعر بأنها أسوأ مما هي عليه في الواقع، لذلك نتجنب الانزعاج تمامًا.
لكن التجنب له ثمن، فقد أشارت دراسات أجراها جروس وليفنسون، 1997 حول القمع العاطفي إلى أنه عندما ندفع المشاعر إلى الأسفل ونحاول كبتها، فإنها لا تختفي، بل يتم إعادة توجيهها فقط، غالبًا إلى القلق، أو الإرهاق، أو الانفصال.
إن الأكاذيب الصغيرة التي نرويها لأنفسنا وللآخرين قد تمنحنا راحة قصيرة الأمد، ولكنها تحرمنا أيضاً من الوصول إلى شيء أقوى كثيراً: الحقيقة، والوضوح، والتغيير الهادف.
ما هي الأكاذيب الأكثر شيوعًا وما قد يحدث عندما نحجم عنها
الكذبة رقم 1: "الأمور ستعود إلى طبيعتها"
عندما تواجهنا مصاعب أو مشاكل تتعبنا، فنحن نتوق إلى" الراحة التي كنا نتمتع بها". لكن علينا ان نعلم أن التشبث بنسخة سابقة من الوضع الطبيعي غالبا ما يمنعنا من تخيل شيء أفضل وعندما نتخلى عن فكرة أن الأمور يجب أن تعود كما كانت عليه، فإننا نٌفسِح المجال للنمو وإعادة الابتكار والتكيف ومن ثم نبدأ بطرح أسئلة مباشرة وصريحة: كيف نرغب أن يكون وضعنا الطبيعي الجديد وما الذي أغفلنا عن اتباعه وهل هو ممكن الآن؟
ووفقا لأحد المفكرين الذي كتب “إذا كنت تريد أن تفعل شيئًا جديدًا، عليك أن تتوقف عن فعل شيء قديم".
الحقيقة: الكذبة ما هي إلا قصة نرويها لنشعر بالأمان. وإعادة كتابتها يمكن أن تكون واحدة من أكثر أعمال الشجاعة إبداعًا.
الكذبة رقم 2: "أنا بخير"
المشكلة ليست أننا نقول أحيانًا إننا بخير عندما لا نكون كذلك، بل أننا غالبًا ما نعتقد أننا يجب أن نكون بخير. نحن نعتبر انزعاجنا حالة نفسية بدلاً من الاعتراف به كاستجابة طبيعية لعالم فوضوي ومعقد.
ووفقا لبحث أجرته الدكتورة كريستين نيف، الأستاذة المشاركة في قسم علم النفس التربوي بجامعة تكساس في أوستن، حول التعاطف مع الذات، أن التظاهر بأننا بخير عندما لا نكون كذلك لا يجعلنا أقوياء — بل يجعلنا عرضة للكسر بسهولة.
الحقيقة: لا بأس ألا نكون بخير، بل إنه أمر صحي أيضًا. إن تسمية مشاعرنا تمنحنا القدرة على الوصول إلى الأدوات التي نحتاجها للتغلب عليها.
الكذبة رقم 3: " لا يمكن لشخص واحد أن يحدث فرقًا"
هذه الكذبة تبدو عملية. وحتى منطقية. في مواجهة المشاكل النظامية التي تعصف بنا وتغير المناخ، وعدم المساواة، والظلم، فمن المغري الاعتقاد بأن الأفعال الفردية الصغيرة لا معنى لها.
لكن العلوم السلوكية تشير إلى خلاف ذلك فإن سلوكياتنا تؤثر على الآخرين بطرق لا نستطيع رؤيتها في كثير من الأحيان. يمكن لشخص واحد يحسن التصرف والتحدث، أن يقدم ما قد لا نتخيله.
الحقيقة: يمكن لشخص واحد أن يحدث فرقًا خاصةً عندما يعتقد أنه قادر على ذلك.
إطار للتخلي عن الأكاذيب
قدمت جودوين إطارًا لعمل بسيط مكون من 3 أجزاء ليساعدنا على التوقف عن التشبث بوسائل الراحة الزائفة هذه ونبدأ في التصرف في ظل الحقيقة؟
1-نفكر باختيار قصة
نحكي لأنفسنا قصة أو ندونها ونُسَمِّها ما شئنا ويجب أن نكون صادقين وبدون خجل وبدون اتخاذ أي حكم، بل مجرد وعي كأن نقول أو نكتب:
"استمر بالقول لنفسي أن كل هذا سينتهي لكنني لا أصدق ذلك" ونسخة أخرى "أستمر بالقول إني بخير لكني لست كذلك".
اعلموا أن تسمية الكذبة بصوت عالٍ أو كتابتها فإننا نبدأ في تخفيف قبضتها علينا.
2- نسأل أنفسنا ما الذي سيحدث لو قلنا الحقيقة؟
كل كذبة تحمي شيئا ما. الخوف من خيبة الأمل. الخوف من أن نبدو حمقى. الخوف من فشل المحاولة.
وهنا، لنسأل أنفسنا: ما الذي نخشى أن يحدث لو قلنا الحقيقة بدلاً من الكذب؟
هذه الخطوة لا تتعلق بإصلاح الخوف فحسب، بل تتعلق بفهمه. الوعي يبني التعاطف.
3- اختيار الحقيقة
بمجرد كشف الكذبة وتسمية الخوف، لنسأل أنفسنا: ما هي الحقيقة التي نريد نقولها لأنفسنا وللغير وما هو الإجراء الصغير الذي يمكننا اتخاذه لتطبيق قرارنا؟
وهنا نقول لأنفسنا "اليوم لسنا بخير، لكن لا باس في ذلك"، "وقد لا تعود الأمور إلى ما كانت عليه، لكن يمكننا بناء شيء جديد قد يكون أفضل".
خَلٌصَت جودوين للقول إن التخلي عن الأكاذيب المريحة لا يعني التخلي عن الأمل لأنه بمجرد أن نتوقف عن التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، نبدأ في بناء شيء موجود بالفعل.
نعم، الحقيقة قد تكون غير مريحة. لكنها أيضًا مُحَرِّرَة وقد تكون هذه مجرد الخطوة الأولى نحو شيء أفضل.