وتاليا ما قاله ابو نوار:

 

قبل اثنين وخمسين عاما أرسلني سلاح الجو الملكي الأردني الى اكاديمية سلاح الجو الباكستاني لكي أصبح طيارا مقاتلا وخلال إحدى رحلاتي التدريبية كنا نحلق بتشكيل مكون من طائرتين قريبا من مدينة بيشاور الباكستانية القريبة من الحدود الأفغانية.

 

كنت أتعلم فيها التشكيل القريب من طائرة أخرى حيث تكون المسافة بين الطائرتين مترين إلى ثلاثة أمتار وبينما كنت أتدرب على ذلك انتابني شعور بأن شيئا ما سيحدث.

 

ودون الدخول في الأمور التفصيلية والفنية بدأت بالابتعاد عن طائرة المدرب قائد التشكيل مترين اخرين نتيجة لهذا الشعور وفجأة قام المدرب بالاستدارة نحوي دورانا حادا جدا ادى الى ضرب طائرتي في البطن ادي الي اصطدام جوي عنيف جدا وكان من الصعب تفادي مثل هذا الاصطدام نظرا للمسافة القريبة بيننا.

 

فقدت وعي الجوي نتيجة الضربة لعدة ثوان وعندما استعدت وعي وجدت ان الطائرة هاوية نحو الأرض وكان الدخان يملأ غرفة القيادة وشبت النيران واذكر انني بدأت بالصراخ ساعدني يالله ويالها من لحظات صعبة جدا ولا يمكن وصف الألم الذي يمر به الإنسان في تلك اللحظة بأنك سوف تموت بعيدا عن وطنك واهلك واحبتك وتشاهد ذلك من خلال فيلم قصير وبثوان معدودة.

 

لم يكن لدي خيار إلا مغادرة الطائرة وفعلت بواسطة كرسي النجاة والذي قذفني خارج الطائرة نحو الأرض وبعدها سمعت دوي انفجار كبير طائرتي قد تفجرت بعد خروجي منها.

 

فتحت مظلتي على ارتفاع عشرة آلاف قدم ونظرت إلى الأعلى وشاهدت هذه المظلة الرائعة ولونها البرتقالي وقلت بنفسي ما أجمل من اختراعك وكرسي النجاة فهو عبقري لم يكن لدي الوقت لأعلام الرادار بأنني سوف اغادر الطائرة.

 

عند اقترابي من الأرض وعلى ارتفاع 1000 قدم شاهدت سكان المنطقة يتجهون نحو منطقة هبوطي وعندما هبطت حاصروني وكان بحوزتهم الرشاشات الصغيرة والمعاول والعصي الخ.

 

كان هناك صمت رهيب وكنت ارتجف رفعت يدي للتحية وقلت لهم أنى تلميذ طيران من أكاديمية الطيران (رسال بور) وارجو ان تأخذوني الي أقرب مركز شرطة استمروا بالنظر اللي قلت لهم انني من الأردن أردن أردن كنت اعرف فقط قليل من اللغة الأردية عندها قال لي أحدهم تعال واتجهوا نحوي وقال (أردن زنداباد) وتعني تحيا الأردن تعيش الأردن لم يكن معهم واسطة نقل وقالوا لي ايضا (شاه حسين زنداباد) يعيش الملك حسين قلت لهم نعم ونحن في الأردن نحب الباكستان أيضا.

 

عند وصولنا الي مخفر الشرطة قاموا بالاتصال بالأكاديمية وبعد فترة من الوقت جاء مدربي الى مخفر الشرطة الذي غادر طائرته أيضا وظننت انه قد مات فلقد شاهدت خوذة طيرانه تحت بطن طائرتي قبل الاصطدام وقال اشكر الله أنك حي كان وضعك صعب جدا لإنسان بخبراتك.

 

قام هذا المدرب الذي أصبح بعد سنين مارشال سلاح الجو الباكستاني فهو من ابطال الحروب الهندية الباكستانية قال لهيئة التحقيق انه كان هو السبب لهذه الحادثة خطئي وعكس بذلك قيم وشرف والأخلاق العسكرية لطياري سلاح الجو الباكستاني الذين هم من أمهر الطيارين المقاتلين في العالم.

 

كان ينتابني الكوابيس ليلا بان الطائرة تنفجر وانا في داخلها وابدأ بالصراخ وكان يقطن معي بالغرفة اخي المرحوم فايز الفانك كان ينهض من سريره ويصرخ ياعدرا ياعدرا قوم مأمون بسم الله عليك يلعن؟؟؟ وكان معنا بالدورة ايضا اخي المرحوم محمد الشريدة الذين دعموني في تلك الفترة.

 

بعد فحصي طبيا وفي اليوم التالي بعد الحادثة تم برمجتي للطيران مع أحد المدربين الذي كان عضوا في فريق العاب سلاح الجو الباكستاني. وهذا اجراء وعرف متبع في جميع أسلحة الطيران في العالم عندما يحصل حادث طيران كبير مع الطيارين وهو اجراء مهم لاستعادة الثقة بالنفس والاستمرار بالطيران.

 

أدعو الله تعالى بالشفاء العاجل والصحة والعافية لدولة معروف البخيت الذي كان يعمل ضابط ارتباط في الباكستان آنذاك الذي قام بزيارتنا للاطمئنان عنا ورفع معنوياتنا وامضى يوما كاملا معنا وسررنا برؤيته وتحية لأخوتي بالسلاح.