الغد
هآرتس
بقلم: نمرود الوني 2/12/2025
هل يمكن لشخص الإشارة إلى مذابح ارتكبتها دول أخرى ضد شعبه، وفي الوقت نفسه يرتكبها بتفاخر ضد شعب دولة أخرى؟ هل يمكن لشخص تمجيد أشخاص هبوا للدفاع عن أبناء شعبهم من أنظمة ظلامية وجماهير تم تحريضها في دول أجنبية، وفي الوقت نفسه يقوم بملاحقة أفراد مميزين هبوا للدفاع عن سلامة آخرين من طغيان النظام ومن الجماهير التي تم تحريضها في دولته؟
هل يعقل إدانة بازدراء الجماعات الأصولية التي تستمد من عقيدتها المتعصبة الحق في قتل وقمع الآخرين غير الخاضعين لها، وفي الوقت نفسه تتبنى التعصب وتعطي نفسها امتيازات باسمه وتنكر على الآخرين حقوق الإنسان الأساسية؟
يمكنني مواصلة طرح الأسئلة البلاغية والإشارة إلى مجالات أخرى معروفة، لكن الإجابة عن جميعها كانت واحدة بالطبع. هذه هي أنماط السلوك التي تميز الإسرائيليين المعاصرين. الإسرائيليون الذين يتعالون على أنفسهم إلى درجة أن وعيهم يفقد أي صلة بهويتهم وسلوكهم على الأرض. الإسرائيليون الذين احتل تسويقهم للتفوق اليهودي كل شبر في أرواحهم، ودفع إلى الهامش أصوات المساءلة الشاملة لـ"الأنا" العليا.
يبدو أن وزراء وأعضاء كنيست من المعسكر الذي يدعي امتلاك تراث اليهودية، قد انقلبوا على أنفسهم وعزلوها عن هويتهم، ومن فوق كل منبر ينبذون أي قيم ومثل تتماهى مع مجد اليهودية على مدى ألفي سنة. وبالتالي، هم متساوون في الإنسانية -وإن سفك الدماء خطيئة لا تكفير عنها، ومرورا بسيادة العدالة والقانون على السياسة وانتهاء بحب الناس والآخر وأسلوب اللطف والسلام. وكل ذلك يتعارض مع اليهودية الكهانية التي يحكمها الائتلاف ويبجلها الجزء في الشعب الذي يؤيدها.
هذا الخطاب الكهاني الذي يذكر بالجهاد الإسلامي أكثر من الخطاب الأخلاقي التوراتي والنقاش التلمودي، لا يترك أي مجال للأصوات المعتدلة للضمير والوعي الذاتي. الأمر لا يقتصر على أن الضجة الشعبوية تمنع الاستماع إلى الفظائع التي ترتكبها "الأنا" الإسرائيلية، بل إن أكثر من نصف الجمهور يعلن مسبقا معارضته لمعرفة الفظائع التي ترتكب باسمه. فهو لا يهتم بآلاف الأطفال الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في غزة (لأنه من وجهة نظرهم لا يوجد أي طفل بريء في غزة)، أو بقتل بدم بارد العاملين في المجال الطبي ودفنهم تحت الرمال لإخفاء هذا الفعل، أو عشرات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ولا يحصلون على العلاج الصحي الأولي، أو القسوة التي يتعرض لها السجناء الفلسطينيون (بينما نشعر بالصدمة من المعاملة التي يتلقاها أسرانا من الأعداء)، أو الاستيلاء اليومي على الأراضي أو المذابح، بما في ذلك العنف ضد النساء والشيوخ وقتل الحيوانات وتدمير الحقول، التي يرتكبها المستوطنون اليهود ضد القرويين الفلسطينيين في الضفة الغربية بحماية الشرطة والجيش.
يصعب فهم كيف يطبق الذين يدعون تمثيل المعسكر الوطني، الوطنيون العظماء، باستمرار، سياسة تخريب البنية التحتية لإسرائيل، وتعريض مستقبل الدولة والأجيال المقبلة للخطر، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية. هنا أيضا أصبحت الأخلاق والضمير والوعي الذاتي من الماضي. يجب على كل من لم ينفصل عن وعيه وضميره إدراك أن أمن الدولة وازدهارها ومستقبل الأجيال المقبلة يعتمد على الاستثمار في محركات النمو -التعليم، التنور، العلم والتكنولوجيا، الديمقراطية والتكافل الاجتماعي. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تعزز القيادة الإسرائيلية بالذات محركات التخريب الداخلية -الجهل، التهرب من الخدمة، الاستبداد، التحريض والانقسام؟