Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Jul-2019

الأديب محمد جمال عمرو: أدب الطفل العربي يواجه تحديات جسامًا

 الدستور-حاوره: نضال برقان

يؤكد أديب الأطفال الأردني محمد جمال عمرو ضرورة التوقف عند ذلك الأثر الذي تخلّفه مصادر المعرفة المختلفة، التي فرضت على ثقافة الطفل ولغته وهويته وحاضنته الحضارية، في العالم العربي، إذ ثمّة «خطورة كامنة في برامج التلفاز والبرامج المبثوثة عبر المواقع الإلكترونية، وتلك الكامنة في الأجهزة اللوحية، والموجهة للأطفال وفي مسلسلاتهم الكرتونية والبشرية، المنقولة عن اللغات الأخرى دون مراعاة لخصوصية أطفالنا».
ويلفت الأديب عمرو النظر إلى أن كاتب أدب الطفل العربي يواجه «تحديات جساما لا تقل أثرا وخطورة عن تلك التي يواجهها الطفل العربي ذاته».
عمرو نفسه كان في الأردن سنة 1959. عمل في عدة دور نشر منها مديرا في دار البشير للنشر في عمان، وعمل في مجلات اطفال عربية منها رئيس تحرير لمجلة أروى للأطفال، ورئيس تحرير لمجلة وسام للأطفال بوزارة الثقافة، ومدير تحرير لمجلة حكيم للأطفال في الاردن، ومدرب فريق زها الإذاعي والتلفزيوني في مركز زها الثقافي، ورئيس لجنة أدب الطفل في رابطة الكتاب الأردنيين. صدر للشاعر محمد جمال عمرو أكثر من 200 كتاب للأطفال بين الشعر والقصة والمسرح. وللشاعر محمد جمال عمرو قصائد شعرية يدرسها الاطفال في مناهج اللغة العربية في عدة دول عربية. وقد فاز بعدة جوائز في ادب الاطفال منها جائزة أنجال الشيخ هزاع بن زايد لثقافة الطفل العربي، وجائزة عبد الحميد شومان، وجائزة الملك عبد الله الثاني للإبداع، وبالجائزتين الذهبية والفضية في مهرجان الأردن الثاني للإعلام العربي.
ولإلقاء المزيد من الضوء حول راهن أدب الطفل العربي، وتحدياته، كان لنا معه الحوار الآتي..
انطلاقًا من رؤيتك للهُويّة واللغة، ما هي أهمّ تحدّيات ثقافة الطّفل في العالم العربي؟
- السؤال على قدر كبير من الأهمية، إلى جانب أنه مؤلم لكل غيور على أطفال الأمة، الذين يتعرضون للتغريب ومحاولات محو الهوية بشتى وسائل العصر ووسائط الثقافة وأدوات الإعلام، ولا يخفى على المشتغلين في ميدان الطفولة العربية، الأثر الذي تخلّفه مصادر المعرفة المختلفة، التي فرضت على ثقافة الطفل ولغته وهويته وحاضنته الحضارية، ومن ذلك ما نلمسه من خطورة كامنة في برامج التلفاز والبرامج المبثوثة عبر المواقع الإلكترونية، وتلك الكامنة في الأجهزة اللوحية، والموجهة للأطفال وفي مسلسلاتهم الكرتونية والبشرية، المنقولة عن اللغات الأخرى دون مراعاة لخصوصية أطفالنا، من حيث البيئة واللغة وما إلى ذلك من ثوابت باتت تهدد عقول أطفالنا ووجدانهم، وعلينا أن ندق نواقيس الخطر لمواجهتها وتقديم البدائل المناسبة لأطفالنا شكلا ومضمونا، مع الأخذ بالاعتبار التطور الذي وصلت إليه تلك الأعمال الغربية. 
ولا ننسى أن نعبر عن قلقنا إزاء القطيعة التي أخذت تتزايد في أيامنا هذه بين الطفل العربي ولغته الأم، حتى صار أولياء الأمور والمدرسون يتفاخرون بإتقان أطفالهم للغات الأجنبية، ويتواصلون معهم بتلك اللغات في شؤون الحياة كلها، فإن كان هؤلاء هم القدوة لأطفالهم فأيّ مستقبل نتوقع لعلاقة أطفالنا بلغتنا العربية؟  
ولعلّ من الأخطار التي تهدد ثقافة الطفل العربي غياب الاستراتيجيات والخطط والسياسات الثابتة الحكيمة، التي من شأنها توفير مخرجات ثقافية معتبرة تسهم في بناء جيل عربي قادر على عبور القرن الواحد والعشرين بسعادة واقتدار.
 ينهلُ الطفل العربي، اليوم، من مصادر معرفية عدة، تأخذه إلى ثقافات وقيم قد تكون بعيدة عن ثقافتنا، وهي مصادر تمتلك من أدوات الإبهار والجذب ما تفتقده ثقافة الطفل العربي الآن، والحالة كذلك، ما الذي يترتب على الأدباء العرب الذين يكتبون للأطفال؟
- يواجه كاتب أدب الطفل العربي تحديات جسام لا تقل أثرا وخطورة عن تلك التي يواجهها الطفل العربي ذاته، وتلك التحديات تجعل أديب الأطفال في حيرة وتضعه أمام مسؤوليات جسام، ذلك أن أدب الطفل العربي يعاني من التركيز والإهمال، التركيز على قيم وإهمال أخرى، وقد يعجز الكاتب عن تصويب هذه الحالة، فهو يكتب أحيانا ما تطلبه منه مؤسسات النشر، التي تسعى – في الغالب- إلى تقديم الأعمال التي تحقق انتشارا وأرباحا دون الالتفات إلى الرسالة التي ينبغي أن تحملها، وهذا يثير جدلية العلاقة بين الكاتب والناشر.
وكاتب أدب الطفل العربي اليوم يواجه منافسة شرسة بطلها الوسيط الأدبي المستورد من الآخر، والذي بلغ مبلغه من الجودة والإتقان وتحققت فيه شروط الأدب الجيد، فأقبل عليه أطفالنا بشغف ونهم كبيرين، كيف لا وهو يلبي حاجتهم ويمتع أبصارهم وعقولهم، ويمتلك سحرا جاذبا، لذلك لابد لكاتب أدب الطفل العربي أن يبحث في نفسه ليتأكد هل تتحقق فيه شروط الكتابة للطفل؟ وما مدى معرفته بجمهوره من الأطفال القراء من حيث خصائص نموهم وقاموسهم اللغوي المناسب لكل مرحلة عمرية؟ وهل يعرف خصائص الوسيط الذي يقدم للطفل الأدب من خلاله كتابا مطبوعا أم إلكترونيا، أم برنامجا مسموعا أم مرئيا أم سواها.. وقبل ذلك كله لا بد من مواكبة الكاتب لما يصدر في ميدان ثقافة الطفل محليا وعربيا وعالميا، وعليه - إن كان صاحب رسالة - أن ينطلق في كتابته من إيمانه المطلق بأنتمائه إلى أمة مؤهلة للارتقاء بأجيالها بناة الغد العربي المشرق. 
 ثمّة علامات استفهام وأسئلة كثيرة تحيط بالعلاقة بين أطراف صناعة النشر من جهة والمتلقي المتمثل بالطفل العربي من جهة أخرى، كيف تقيّم تلك العلاقة؟ وكيف يمكن تطويرها، بما ينعكس إيجابيًا على ثقافة الطفل العربي؟
- لعل ضبابية مدخلات العلاقة بين الكاتب والناشر من أهم العوامل المسببة لمخرجات تلك العلاقة، والمتمثلة في إحجام المؤلف عموما ومؤلف أدب الطفل على وجه الخصوص عن النشر، إذ يشكو كثير من مؤلفي كتب الأطفال من بنود عقود النشر، والتي يراها الكتّاب عقود إذعان تسلب الكاتب حقوقه المادية المؤملة وربما حقوقه المعنوية أو معظمها، تلك العقود التي قد يضطر الكاتب إلى الانصياع إليها والتوقيع عليها لقاء نسخ محدودة تمثل ثمن التنازل القطعي من المؤلف عن كتابه، بل تعدى الأمر ببعض الناشرين إلى إلزام المؤلف – المبتدىء خصوصًا - بالإسهام في تمويل طباعة كتابه، ويضطر كثير من هؤلاء إلى القبول بهدف رؤية كتابه مطبوعا!
في المقابل يشكو الناشر من ارتفاع كلفة تنفيذ الكتاب وطباعته، كما يشكو من ضعف إقبال الأطفال على شراء كتبهم، وتراجع بعض المؤسسات الثقافية عن الدعم الذي كانت تقدمه للناشر والكاتب بشراء نسخ من الكتب الصادرة حديثا، وما يواجهه الكتاب الورقي من منافسة شديدة من الوسائطالإلكترونية الحديثة، ومواقع النشر الإلكتروني،..
 ما سبق كله يضاف إلى تراجع وعي المربين وأولياء الأمور بأهمية الكتاب في تنشئة الطفل، الأمر الذي يضعنا مجتمعين أمام مسؤولياتنا في إعادة الاعتبار للكتاب عموما وكتاب الطفل على وجه الخصوص، وإنني هنا أهيب بالمعنيين بثقافة الطفل وأدبه إلى إطلاق حوار يفضي إلى تنظيم العلاقة بين أطراف صناعة كتاب الطفل من جهة، وبين الجهات والمؤسسات التي يمكنها أن تخصص من موازناتها مبالغ من شأنها الارثقاء بصناعة كتاب الطفل ونشره وتعميمه على نطاق واسع، ونعرف جميعنا أن مثل هذه المبالغ المقتطعة تخصم من الضرائب التي تستوفى من المؤسسات في معظم الدول العربية، وقد أتجرأ وأطالب بأن تفرض مبالغ بسيطة على فواتير الخدمات من ماء وكهرباء تحت بند يسمى «فلس ثقافة الطفل» مثلا، وترصد تلك المبالغ لمشروعات ثقافية منها طباعة كتب الأطفال.
 
 مقارنة بكتب الأطفال الأجنبية، كيف تنظر إلى كتاب الطفل العربي على صعيد الشكل؟ وهل تراه قادرًا على تلبية طموحات الطفل العربي واحتياجاته من الناحية الجمالية والبصرية؟
- قبل أن أجيب عن هذا السؤال أود الإشارة إلى أن أدب الطفل العربي بمفهومه الدقيق لم يبرز عندنا ولم تؤسس له المؤسسات إلا في سبعينيات القرن الماضي، وقد سبقنا الغرب إليه بسنوات كثيرة، لذلك ليس من الإنصاف أن نقارن الأدب الوليد في بلادنا بأدب الطفل الغربي، الذي يحظى باهتمام كبير على المستويات كافة، ويعد وسيلة لا غنى عنها في تربية الأطفال، أضف إلى ذلك الوعي الكبير والحصيلة الثقافية المتكونة في ذوات المربين وأولياء الأمور، وهم الذين يضعون الكتاب غذاء العقل بمستوى غذاء الجسم تماما، فهو يصبح بذلك جرعة يومية أساسية يتناولها الطفل لينمو عقله وينضج فكره وتتحقق في نفسه المتعة والفائدة.
وبناء على ما تقدم فإننا نجد كتاب الطفل في الغرب باذخا في شكله، يسر الناظر إليه، ونجد مدى عناية القائمين على صناعته بإتقان تنفيذه رسما وتصميما وطباعة، ونجد أن مواصفاته من حيث الورق الداخلي والغلاف والتجليد وما إلى ذلك هي أرقى المواصفات، فالطفل عندهم كائن محترم، لذلك يقدمون إليه الكتاب المحترم شكلا ومضمونا.
وكما أسلفت فليس من الإنصاف مقارنة كتب هؤلاء بكتبنا، فصناعة نشر كتب الأطفال في عالمنا العربي تحكمها عوامل عدة، أهمها ارتفاع كلفة التنفيذ من رسم وطباعة وتجليد وتغليف، كذلك قلة عدد الرسامين المبدعين الذين يقترب مستواهم الفني من مستوى الرسامين الأجانب، ناهيك عن الجوانيب الفنية الأخرى في العملية الإنتاجية لكتاب الطفل العربي.
نتفق جميعا أن شكل الكتاب هو الشرارة التي تقدح بينه وبين عين الطفل، فإما أن يعجبه الشكل فيقبل على الكتاب ويدخل في مضمونه، وإما أن تنفر منه عينه فينصرف عنه، لذلك يذهب المتخصصون إلى أن الشكل أهم من المضمون في أدب الطفل.
 
 في رأيك هل من وسيلة للارتقاء بأدباء الطفل في عالمنا العربي؟
- هذا سؤال يفضي إلى فيض من الشجون، لكن فيه فرصة سانحة أشكركم عليها، وأتمنى من خلال منبركم أن أبثها نيابة عن زملائي كتاب أدب الطفل العربي، وتتمثل أمنيتنا في حلم إنشاء: «الهيئة العربية لأدباء الطفل»، لتضم تحت مظلتها الزميلات والزملاء العرب، بهدف التخطيط للارتقاء بمهنة الكتابة للطفل، وتشكيل كيان يضمن للكاتب أن يؤدي رسالته على نحو يسهم في صناعة أدب عربي للطفل يتطور ويرتقي إلى المكانة التي نحب جميعا، ولعل في تحقيق هذا الحلم وانطلاقه خير وسيلة للارتقاء بأدباء الطفل في عالمنا العربي. »