Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Sep-2020

أزمة المركز القومي للترجمة… الطريق إلى كوريا الشمالية

 القدس العربي-محمد عبد الرحيم

 منذ أيام وبعد إعلان شروط النشر (الجديدة) الخاصة بإصدارات المركز القومي للترجمة في القاهرة، أقام المثقفون القيامة ولم يقعدوها، حتى بعد إقالة علا عادل ــ أستاذة الأدب الألماني في كلية الألسن، والمترجمة الفورية في مؤسسة الرئاسة ــ رئيسة المركز القومي للترجمة ــ قيل بعد ذلك إن القرار متفق عليه منذ عدة أشهر، وليس بسبب الأزمة الأخيرة ـ وقد حلت محلها كرمة محمد سامي الرئيسة السابقة لقسم اللغة الإنكليزية في كلية الألسن، إلا أن الأمر لم يهدأ، بل وقف البعض منتظراً ما سيحدث وفق هذه الشروط، التي كان على رأسها.. «أن يكون الكتاب حديثًاً، ولم يمر على نشره أكثر من خمس سنوات، مع مراعاة ألا يتعارض الكتاب مع الأديان، وألا يتعارض الكتاب مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف».
 
ونظراً لهذه العبارات المطاطة التي تشبه نصوص القوانين، حتى تزيد فرصة مَن يقع تحت طائلتها، خرجت عادل ـ قبل مغادرتها منصبها ـ لتؤكد في مداخلة على إحدى القنوات الفضائية، قائلة إن «هذا الشرط يخص الأعمال الصارخة والخارجة عن الأعراف، فهناك بعض الكتب تروّج لبعض المظاهر الخارجة عن المجتمع مثل المثلية الجنسية». بالمناسبة، الوظيفة الجديدة التي ستشغلها السيدة عادل هي ملحق ثقافي لمكتب البعثة التعليمية في النمسا.
 
تصريحات منفردة
 
انفجر الأمر، وتواصل جابر عصفور مؤسس المركز القومي للترجمة ووزير الثقافة الأسبق، والراعي الخفي للثقافة المصرية، مع السيدة الفنانة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة الحالي، التي أوضحت له «أن الوزارة تعكف الآن على إصدار بيان توضح فيه موقفها من الخطة التي أعلنتها مديرة المركز منفردة». يُفهم من ذلك أن الوزارة لا تعلم شيئاً عن البيان وصاحبته. إلا أن السيدة عادل أفصحت قائلة، «إن حالة الجدل، التى أُثيرت مؤخراً، بشأن إعلان المركز القومي للترجمة، عن ضوابط وآليات جديدة للأعمال المترجمة، لم تكن جديدة، بل هي الضوابط التي كان يعمل بها المركز بالفعل، مع إضافة بنود معيار الزمن، وعدم التعاقد مع مترجم واحد في أكثر من عمل خلال فترة زمنية واحدة». فالمشكلة إذن إنه فقط تم التصريح بمثل هذه الشروط، التي كان يتم العمل من خلالها في الخفاء أو بالتواطؤ. ولنستعين بآراء كل من المترجمين السيد إمام وحسن حجازي تعليقاً على ما حدث.
 
قيم الصحراء
 
بداية يقول الناقد والمترجم السيد إمام.. بيان المركز القومي للترجمة الذي صدر مؤخراً في مصر، والذي يوضح خطة عمل المركز ومعايير النشر، يعد مهزلة بكل مقياس، والسكوت عليه من قِبل جماعة المثقفين، أو الرأي العام مهزلة أكبر. إنه يعود بنا إلى الوراء مئات الأعوام، ويطعن في الصميم كل ما بناه رواد الاستنارة وضحوا من أجله على مدى عقود وعهود، وعلى رأسهم رفاعة الطهطاوي، الذي يتصدر تمثاله البرونزي النصفي واجهة المركز ومدخله الرئيسي. يتخفي أنصار التيار السلفي عادة هذه الأيام وراء المناصب الجامعية، وواجهات الاستنارة والعلمانية، حتى إذا جدّ الجد، وحانت لحظة الاختبار، خلعوا أروابهم الجامعية وطرحوا أقنعتهم العلمانية جانباً، وكشفوا عن حقيقة توجهاتهم، على هيئة بيانات وقرارات، وإجراءات تعري حقيقة انتماءاتهم. هذا بالضبط ما كشف عنه بيان السيدة علا عادل مديرة المركز القومي للترجمة، التي كافأتها الحكومة أخيراً بأن عينتها ملحقاً ثقافياً في إحدى سفاراتنا في الخارج، جزاء تخريبها للصرح الثقافي العظيم، والتي دافع عنها مريدوها ودراويشها بأنها أكثر الناس استنارة وتشدداً مع المتشددين الإسلاميين. أكثر الناس سعادة وتأييداً للإجراءات المتزمتة التى حواها بيانها الكارثي، كانت جماعة الإخوان المسلمين وأعوانهم من السلفيين، التي كشفت عنها ردود أفعالهم وتعليقاتهم على البيان. حوى البيان عبارات وألفاظاً قصد منها اكتساب تأييد هؤلاء. عبارات تستميلهم وتستعديهم على المعترضين المفترضين، مقدماً على البيان، عبارات مثل «ألا يتعارض الكتاب المترجم مع الأديان» وكلمات وألفاظ تمثل ألغاماً مثل «الإلحاد» و«قيم المجتمع وأعرافه» وهي كلمات تنسف ببساطة كل التراث الفلسفي والعلمي منذ طاليس وبارمنييس وهرقليطس، مروراً بنيوتن وكوبرنيكوس ولوك وإينشتين وديكارت ونيتشة وحتى الآن فماذا بقى؟
 
هل هناك من يدبر في الخفاء لصالح فكر معين، تتم صياغته وتوجيهه لصالح أفكار معينة، تعود بنا للوراء وتفرض وصايتها وفكرها على العقل المصري خاصة، والعربي بصفة عامة؟
 
وفي الوقت الذي يدعو فيه معسكر الاستنارة، إلى إعادة تقييم القيم وغربلتها وإسقاط أوراقها الذابلة، أو اجتثاثها، إذا اقتضت الضرورة من الأساس، بحثاً عن قيم جديدة أكثر صلاحية وملاءمة للواقع المادي ومتغيرات الحياة، يدعو فقهاء المركز إلى الدفاع عن هذه القيم وتثبيتها، باعتبارها منتجاً مطلقاً متعالياً على قوانين الزمان والمكان. وفي الوقت الذي ندعو فيه لفتح الأبواب على مصراعيها أمام كل التيارات شرقاً وغرباً على حد سواء، يدعو فيه هؤلاء لإغلاقها، خوفاً على أعرافنا وتقاليدنا، التي ورثناها عن أسلافنا الأمجاد من الاهتزاز أو الزوال. والسؤال الواجب طرحه يجب أن يكون حول ماهية هذه القيم، ما كنهها، ما هي حقيقة السلطة التي قامت بصياغتها وتكريسها، لصالح مَنْ وفي أي اتجاه؟ قيم الصحراء وعالم الخلاء المنغلق على نفسه؟ أم قيم المدينة المنفتحة المرتبطة بعالم الحداثة وانفجار المعارف والعلوم في كل لحظة وفي كل مكان؟ قيم البدوي الذي يسكن الفيافي والشعاب؟ أم قيم البورجوازي الذي يسكن المدينة بكل صخبها وجدلها اليومي مع المتغيرات والمستجدات في شتى مجالات الحياة؟ قيم الإقطاع التي لا تزال تحكم سلوكنا وتصرفاتنا حتى الآن؟ قيم المجتمع الذكوري الذي لا يزال يضع المرأة في أحط منزلة، ويطمس هويتها تحت ركام من الخرق البالية السوداء؟ قيم ازدراء الآخر المختلف في العقيدة أو الجنس أو الثقافة أو اللون؟ قيم التعالي على الأغيار بوصفنا خير أمة أخرجت للناس؟ قيم التداوي ببول البعير وإرضاع الكبير وأكل لحم الأسير عند الاقتضاء؟ التواكل والتكاسل والاعتماد على الآخر في المأكل والمشرب والملبس، ووسائل النقل والاتصال؟ أي قيم تلك التي يدافعون عنها وأي تقاليد؟ القيم والتقاليد التي غرسها فينا شيوخ القبائل ورؤوس العشائر وفقهاء السلطة على مرّ العصور والأزمان؟ قيم التنابذ والمعايرة والتفاخر بالأصول والأنساب والتصارع والاحتراب؟ والشرط الذي لا يقل قسوة وسخفاً هو شرط السنوات الخمس الأخيرة، ما يعني ببساطة استبعاد الأفكار التأسيسية التي انبنت عليها الحضارة الحديثة منذ عصر النهضة وحتى عام 2015، والاكتفاء بما لدينا من علوم الفقهاء، أي عبث وأي هراء؟
 
ضرورة الآخر
 
ومن ناحيته يضيف الشاعر والمترجم حسن حجازي قائلاً.. عندما أصدر المركز القومي للترجمة قراره بتحديد آليات جديدة لتعاقد المترجمين مع المكتب الفني الخاص به، وما نتج عنه أثار جدلا واسعا في الأوساط الثقافية عامة، وبين جموع المترجمين خاصة، خاصة الشرط الذي يستوجب مراعاة ألا يتعارض الكتاب مع الأديان، وألا يتعارض مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف، فالخوف هنا من أنه حال تطبيق اللائحة التي صدرت قد يصبح العديد من الموضوعات محرمة من التناول، خاصة التي تتعلق بمفهوم الدين والإلحاد، وغيرها التي تتعلق بالعلمانية والاستنساخ البشري والفلسفة والمسرح والفنون والعلوم الاجتماعية المختلفة والكثير غيرها، وبالتالي تكون تحت رحمة سيف المراقب ومقصلته، وبالتالي يتم منعها من النشر.
بصفة عامة كمترجم نحن في الغالب ضد التطاول على الأديان، وكذلك ضد فكرة دس السم في العسل، لكن لا بد من طرح تلك الرؤى، وإن كانت مختلفة عن معتقداتنا وقيمنا، فالفكر كله يجب أن يُطرَح لكي يتم الرد عليه، فطرح فكر الآخر ضروري، وكذلك لا يمكن في أي حال اقتطاع جزء أو مشهد من رواية أو مسرحية، فهناك فارق بين ذلك، وفكرة الترويج لهذه الأفكار في كتاب، وهذا ما نقف عنده ونعارضه، فأهمية دور الترجمة يتمثل في نقل الثقافات الأخرى المختلفة إلى القارئ العربي، ومن واقع احترام الأديان كافة، وثوابت المجتمع خاصة، ومن واقع ما نعرفه، فنحن ضد طرح مثل تلك الأفكار الشاذة، ولكننا أيضاً مع كل ما هو فكر وتنوير وثقافة تتعلق بالآخر، التي لا يمكن أن نحجر عليها. فهذا الشرط سيعطل بدرجة كبيرة حركة الترجمة، خصوصاً أن أغلب الآفاق التي تتحرك فيها الفلسفة والعلوم المعاصرة، خرجت من مجتمعات وكتاب ومفكرين خلفياتهم الدينية والأخلاقية تختلف عنا كثيراً.
هل هناك من يدبر في الخفاء لصالح فكر معين، تتم صياغته وتوجيهه لصالح أفكار معينة، تعود بنا للوراء وتفرض وصايتها وفكرها على العقل المصري خاصة، والعربي بصفة عامة؟
 
يا ترى مين؟
 
من خلال التصريحات والآراء السابقة، يمكن استنتاج عدة نقاط .. أولها أن سياسة النشر هذه كان معمولاً بها، بدون تصريح مباشر، حسب تصريح السيدة رئيسة المركز سابقاً والمستشارة الثقافية الآن، وربما يكمن ما ارتكبته من خطأ في إعلان هذه السياسة. وهو ما نستطيع اكتشافه من خلال إصدارات المركز خلال السنوات الماضية. ثانياً اقتصار الأمر على فكر جماعة أو تيار ديني، من الممكن أن يكون سبباً وجيهاً، لكنه ليس بكاف، فالأمر يتجاوز ذلك، فككل مشروع مصري تبدو أهميته وتأثيره، يتم فوراً إجهاضه وتشويهه، سيظل موجوداً، ولكن بلا قيمة، حتى يفقد مكانته. إضافة إلى الخطة المُمَنهجة حتى تفقد مصر وعيها وثقلها الثقافي، وهو أمر لا يحدث إلا بمباركة السلطة الحاكمة نفسها، وما موظفوها إلا أدوات تستشعر فقط بوصلة هواها ـ السلطة ـ وتزيد من تقديم فروض الطاعة، بدون نسيان الثقافة المتواضعة لرجال السلطة، التي لا تتجازو الأحاديث الأسبوعية للشعراوي.