الغد-هآرتس
بقلم: جدعون ليفي
الحروب الاختيارية لإسرائيل يوجد لها نموذج ثابت؛ فهي دائما تبدأ بالقول إن إسرائيل غير معنية بها، في كل الحالات لا، أو ليس الآن.. هذا هو النداء الأول للإسراع وإعداد الملاجئ. بعد أن تعلن إسرائيل بأنها غير معنية بالحرب، تبدأ في إشعالها.
الطرف الثاني، الذي يقولون عنه بأنه هو أيضا غير معني بالحرب، يؤججها ويقوم بالاستفزاز، كي لا يظهر وكأنه ضعيف؛ الغباء يتقاسمونه بالتساوي. في هذه الأثناء يتم إجراء مفاوضات دبلوماسية مستعجلة تهدف إلى منع الحرب. التقارير متفائلة. إسرائيل مبدئيا لا تؤمن بالدبلوماسية، وهي تتعاون مع الوسطاء وتلقي بالتهمة على الطرف الثاني. هي أعطت فرصة للدبلوماسية.
النيران تزداد. إسرائيل لا يمكنها ضبط نفسها. هناك اتفاق بالاجماع في إسرائيل على أن ذلك لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل. سلاح الجو يبدأ بالهجوم. اللون يعود الى وجوه الإسرائيليين، حتى آخر اليساريين الصهاينة. أجهزة بيجر، قيادات، خلايا، منصات اطلاق وشخصيات رفيعة، كلها تشتعل. الرأس يصاب بالدوار من القدرات المدهشة. النصر يبدو أقرب من أي وقت مضى ومعه الحل المطلق، الذي لم يكن في أي يوم أكثر قربا من ذلك. أخيرا جعلناهم يرون، وأيضا جعلنا شعبنا يرى. شعور مسكر. بعد أسابيع من الخوف والإحباط يوجد بصيص أمل. رئيس منظومة الصواريخ تمت تصفيته. ايضا الرقم 3 لم يعد موجودا.
في هذا الاسبوع كنا في هذه المرحلة. مفاجآت سلاح الجو وصلت الى عنان السماء، القامة انتصبت مرة اخرى. في القناة 14 طلب مقدما البرنامج من الضيف بأن يأتي في المرة القادمة إلى الاستوديو ومعه كيس بلاستيكي تقطر منه الدماء. ليس الجميع برابرة، لكن الجميع يؤيدون عمليات القصف لسلاح الجو. لأنه ماذا أردت أن نفعل؟ عمليات القصف هي حرب بثمن زهيد. في ظل عدم وجود دفاعات جوية، سواء في لبنان أو في غزة، فان هذه حرب نظيفة من وجود ضحايا إسرائيليين. يحلقون، يقصفون، يقتلون، يدمرون ويعودون بسلام الى القاعدة.
الأضرار الجانبية، التي هي ليست جانبية على الإطلاق، لا تهم أي أحد. لأنه من الذي سيتجرأ على الوقوف ضد هدم ثلاثة طوابق فوق رؤوس ساكنيها مقابل رأس رئيس منظومة الصواريخ؟ ومن الذي سيتجرأ على قول أي شيء ضد عملية مثيرة جدا، مثل تفجير اجهزة البيجر؟ حتى قتل 500 شخص مثلما حدث في أحد أيام الأسبوع، كانت عملية قتل مبررة جدا. النشوة قصيرة، لكنها كثيرة الدماء، بالاساس في الطرف الثاني. الجثث، المعاقون، الدمار والمهجرون، تراكموا الى درجة الوصول الى كارثة كاملة. إسرائيل تقول بأنها لا تريد عملية برية بأي شكل من الأشكال، أو أنها لا تريد ذلك في الوقت الحالي. ضغط القصف سيفعل فعله في نهاية المطاف والعدو سيستسلم من الجو. بعد بضع طلعات كيبوتس المنارة سيبعث للحياة.
بعد ذلك يصل صاروخ إلى تل أبيب الكبرى. وبعده صاروخ آخر وآخر، رغم النجاح الكبير لسلاح الجو والبيانات المثيرة للانطباع عن "تدمير القدرات" (أي حرب لها التجديد اللغوي الخاص بها. في غزة "المناورة"، في لبنان "تدمير القدرات"). إسرائيل حتى الآن لم تفحص القيام بعملية برية.
الأصوات سترتفع بسرعة في ذروة إطلاق الصواريخ من قبل العدو المهزوم. المراسلون العسكريون سيحرضون على القيام بعملية برية. يجب إنهاء المهمة. لا يوجد أي خيار. ربما فقط عملية محدودة. بضعة كيلومترات ونعود. ربما حزام أمني صغير ومؤقت.
الدبابات ستنطلق في الفجر. وكل أخدود تشقه الجنازير في الأرض يعمق التورط الذي لا رجعة عنه. من هنا هم لن يخرجوا لسنوات، سواء من غزة أو من لبنان. لبنان سيصبح غزة، وبالطبع الضفة الغربية، وجميعها ستتحول إلى جهنم.
الجيش الإسرائيلي سيغرق عميقا أكثر فأكثر. سكان المطلة يمكنهم مشاهدة أنقاض بيوتهم فقط في يوم صاف وبواسطة المنظار لسنوات كثيرة. ها هي حرب أخرى ستنجح وتجلب لنا نصرا آخر. وهي أيضا كانت حتمية فرضها علينا مصيرنا القاسي. حرب لا يمكن تجنبها.