استخدام بعض الاشخاص ليدهم اليسرى في تناول الاطعمة أو الكتابة يلفت انتباه البعض وقد يستغربه آخرون، لأنه خارج عن المألوف لدى الأغلبية، لكن القضية هنا تخرج عن مجرد استخدام اليد اليسرى وتكبر لتصبح لدى بعض الأطفال أمرا نفسيا يؤثر في مسيرة حياتهم وسلوكهم ويعزز لدى بعضهم النزعة العصبية أو السلوك العنيف والعناد لدى البعض الآخر ممن لا تتقبل شخصياتهم الضغط والإكراه.

وهذا الأثر النفسي ناتج من انزعاج الأهل من استخدام الطفل يده اليسرى ومحاولة تعويده على استخدام اليمنى من دون ادراك منهم ان الامر خارج نطاق ارادته وانه خلقي بالدرجة الاولى، إلى حد يجعل البعض من الاهل يمارس سلوكا تعنيفا كالضرب والإهانة لمن يصر من الأطفال على استخدام يده اليسرى .

 

الأهم الطعام

 

تبين شيماء خالد ان ابنتها تستخدم اليد اليسرى في الكتابة الا أنها تأكل باليمنى، ولم يضغط عليها والداها في هذا الأمر لعلمهما أنه سيترك أثرا نفسيا.

قائلة :» لم أجد اي اشكالية في التعامل مع ابنتي عندما وجدتها حال دخولها المدرسة تستخدم اليد اليسرى في الكتابة، فهي تأكل وتنجز اعمالها باليد اليمنى، وألاحظ انها متفوقة عن ذويها وتملك من الذكاء ما لايملكه اخوتها، إلا انني كنت احثها منذ الصغر على ان تستخدم يدها اليمنى في الأكل لأسباب دينية من دون أن اضغط عليها أو ارهقها بالأمر.

 

لا استجابة

 

عيسى معاذ أب لطفل أعسر لكنه يشكو من سوء خط ابنه (علي) في الكتابة، ويؤكد أنه يحاول أن يفهم الابن أن استخدام اليد اليمنى أفضل من اليسرى لأن هذا الامر هو الطبيعي من وجهة نظره، الا انه لا يجد استجابة، يروي عيسى تجربته مع ابنه قائلا:» لقد كنت ومنذ صغره احاول ان اقنعه بأن استخدام اليد اليمنى في الأكل هو الافضل لأننا كلنا نستخدمها ووفقت في ان اجعله يأكل بها، إلا انني اجده في بعض الاحيان يغافلني ويأكل باليسرى، لكنه حين اللعب واستخدام الاشياء اجده يستخدم كلتا اليدين، أما الآن في المدرسة فهو يستخدم اليد اليسرى في الكتابة وهذا لايهمني كثيرا مادام يأكل باليد اليمنى وهو أكثر ما يهمني في الامر، لكن المشكلة أنه يعاني من سوء الخط والتأخر في الكتابة رغم ذكائه واعتقد انه بحاجة لبعض الضغط والمتابعة لكي يتحسن مستواه الدراسي.

 

عنيدة

 

يقول مازن ناصر، ان ابنته تستخدم اليد اليمنى لتناول الطعام واليسرى للكتابة، مضيفا انها تعودت ابنته ان تأكل باليد اليمنى وتكتب باليسرى، وبلغت الآن عشر سنوات، ونحاول ان نعودها على ان تستخدم اليد اليمنى في الكتابة الا انها تتألم لهذا الامر وتمارس عنادها الذي اعتدنا عليه، كما نحاول أن نجعلها دائما تأكل باليد اليمنى، مشيرا الى انه كثيرا ما يخفف من ضغطهم عليها لكونها عنيدة وغالبا ما تمتعض حينما يصرون عليها، اما في المدرسة فمستواها الدراسي جيد.

فادية ديب أم لثلاثة توائم توضح ان اثنين منهم يستخدمان اليد اليمنى في تناول الطعام والكتابة، والثالث يستخدم يده اليسرى في المأكل والكتابة. تقول منذ انه بدأ ابنها يتعلم مسك الأشياء ومحاولة تناول الطعام يستخدم اليد اليسرى، وحاول والده مرارا وتكرارا الضغط عليه وتعويده على استخدام اليمنى ولم ينجح، الا ان لاحظت ان ولدها متميز عن اخوته بخطه المنظم وسرعة بديهته في الامور الحسابية، والطريف في الأمر انه حتى عندما يلعب الكرة يستخدم قدمه اليسرى.

 

ليس مجرد اختلاف

 

تجد حلا وائل ان استخدام الطفل لليد اليسرى ازداد أو ظهر في الفترة الاخيرة نظرا لازدياد وعي الاهل ان استخدامها ليس عيبا بل هو مجرد اختلاف. مؤكدة أن الاختلاف ليس اشكالية لا صحيا ولا جسديا فلا فرق بين الكتابة مثلا باليد اليمنى أو اليسرى الا انها تحتاج عادة إلى التوجيه وتضيف الطفل في بداية عمره وفي المراحل الاولى من الدراسة لا يميز ما اذا كان يستخدم اليد اليمنى أو اليسرى في الكتابة وعادة ما يستخدم اليدين بنفس المقدار، وهذا ما يجعل من الطفل ان يميز ما يستخدمه وأن ينمي لديه هذه العادة، خاصة أن مجتمعنا الاسلامي يشجع الطفل على استخدام يده اليمنى في المأكل والمشرب واستخدام الأشياء من حوله والكتابة. واستخدام اليد اليسرى أمر طبيعي ولا ضير فيه لذلك نسعى إلى ان نكتشف هذا الامر وتعويد الطفل على الاستخدام الصحيح لليد من خلال بعض الأساليب.

 

نصف الدماغ

يقول الدكتور محمد الدباس اختصاص علم النفس، إن الطفل الأعسر لا يعاني من أي مشكلة لأن الاوامر التي تحثه على استخدام اليد اليسرى دون اليمنى تأتيه من نصف الدماغ الأيمن، أما الطفل الذي يستخدم اليد اليمنى فهو يستخدم الأوامر من نصف الدماغ الأيسر، وهذا مايشير إلى انه خلق بهذا الشكل أو هذه التركيبة في الاستجابات.

ويؤكد الدباس أن اية ضغوط من الأهل توجه للطفل الأعسر لاستخدام يده اليمنى تعني اجباره على شيء خارج ارادته لأنه خلقي بالأصل وهذا ما اثبته العلم لأن استخدام اليد اليسرى قضية دماغية عصبية وليست سلوكية يمكن التعود عليها. ويقول: «إن العادات كثيرا ما تحكمنا بأمور قد تؤدي إلى ابعاد تؤثر في حياتنا الاجتماعية والنفسية، اذ ان مسألة نبذ بعض الأشخاص في المجتمع لمن يأكل بيده اليسرى أو يستخدمها للكتابة تعود إلى افكار ترسخت من خلال العادات لديهم، لكننا يجب ان نميز ان العادات شيء قابل للتغيير، وهو ما ينطبق على النظرة إلى الشخص الأعسر باعتباره لاينقصه شيء ولايختلف عن المحيطين ويندمج معهم بشكل طبيعي من دون النظر اليه على انه مختلف.