Thursday 26th of December 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Aug-2011

ملهمات فاتحة مرشيد * موسى حوامدة

الدستور - الرواية التي كتبتها الشاعرة والروائية المغربية فاتحة مرشيد تكشف خبايا الكتابة، وأحد أسرار الإبداع، وتحاول أن تعطي الكتابة معنى ودافعاً وهدفاً تطهيرياً لها، ذلك أن إدريس، وهو بطل الرواية، وهو كاتب قصة قصيرة وروائي مشهور، لا يستطيع الكتابة إلا بعد الالتقاء بالمرأة التي يحبها، أو يتعرف إليها، وقد نجح في كتابة قصص كثيرة نتيجة لهذه العلاقات، وحتى لو كانت علاقة غير مرئية، مثل علاقته بالسوبرانو الصينية التي سمع صوتها ولم يرها شخصياً.

لا بد من سر وراء الإبداع، لا بد من دافع قوي للكتابة، لا بد من قصة أو حدث دفع الكاتب إلى هذا البوح وهذا العناء الجميل، وقد كان دافع إدريس للكتابة تلك العلاقة المحرمة بين والدته وصديقتها، هذه العلاقة التي لا يكشفها إدريس إلا قبل توقف قلمه نهائياً، وكتابته اعترافاته الأخيرة، بعد أن تعرض صديقه الناشر إلى حادث سير أدى إلى فقدانه الوعي، واستلام زوجته إدارة دار النشر.

البوح والتذكر هو البناء الذي اعتمدته الروائية في معمارها، وقد ساعدتها ثقافتها الطبية، أولاً، كونها طبيبة أطفال، وقدمت برنامجاً عن الصحة العامة، في التلفزيون المغربي، مدة سبع سنوات، وقد تطرقت إلى مرض الزهايمر، وأعراضه، ووقوع الإنسان في حالة الكوما الأبدية، وتأثير الحديث معه في عقله شبه المتوقف، أضف إلى ذلك تلك العقد النفسية لدى شخوص الرواية، والتي قدمتها فاتحة كانها عينات مرضية حقيقة يمكن دراستها من خلال الرواية وتطبيقها على أرض الواقع.

الخيبات؛ الصدمات؛ الفقر؛ العوز؛ الفشل.. كلها ثيمات تعرضت لها المؤلفة، بشكل دقيق وذكي، وفي جمل شاعرية مختصرة.

 حتى الخيانة، والحب، والعلاقات المثلية، وعلاقة إدريس بالمرأة، وعلاقة عمر بالنساء وبزوجته والتي تختلف عن علاقة صديقه معهن ـ رغم أنهما كانا صديقين حميميمن ـ بل كانا يمارسان تلك العلاقات في مكتب عمر السري، ورغم أن أمينة زوجة عمر كانت تعرف عن علاقات زوجها السرية، بعد أن وضعت من يكشف لها تلك الأسرار، لكن كرامتها منعتها من كشف ذلك أمامه، وظلت تكتفي بمراقبته حتى جاء الوقت الذي تنتقم منه بعلاقتها مع مصور فلسطيني يعيش في النرويج، لكنها لم تظهر تلك العلاقة، على اعتبارها إثماً أو انتقاماً من زوجها، بل جاءت نتيجة قصة حب حقيقية، ومع ذلك لم تقامر أمينة بزوجها خشية من حدوث ما حدث لها بعد انفصال والديها، وفي اللحظة الحاسمة تقرر أمينة عدم اللحاق بالمصور، والبقاء إلى جانب عمر الذي يرقد في حالة غيبوية في المستشفى.

لم تتفق أمينة مع زوجها عمر إلا في حالة واحدة، فقط، بعد موت عمر صارت تنظر إلى إدريس الكاتب، وللمرة الأولى، نظرة جديدة بعد أن عانقها نتيجة موت عمر، وحين وصلها مخطوط إدريس الذي اختفى منذ ستة أشهر، وبعد أن أصيب هو الآخر بمرض سرطان البروستات، والذي تسبب بانقطاع محرك الإبداع لديه، تتصرف أمينة كانها زوجها عمر حين تقرر إرسال المخطوط فوراً إلى المطبعة.

الرواية تقوم على اللعبة النفسية للشخوص، واللعب فيها جائز ومفهوم، وكل شيء يمكن اللعب عليه وبه، حتى تلك الموهبة، والعلاقات الإنسانية كافة بين الناس يمكن اللعب بها وفق لعبة التذكر، التي تجيز ما تريده المؤلفة، وما يخدم غرضها. إن كل شيء ـ في النهاية ـ وهم وسراب، فالعلاقات بين البشر علاقات زائفة مبينة على احتمالات مرعبة.

رواية نفسية تخطت الحاجز التقليدي للنص الروائي العربي، لكنها لم تترك الحرية لشخوصها للتصرف على وفق طبيعتها، وسعت إلى لَيّ عنق هذه الشخصيات في الطريق المحتم لها، ولو أنها تركت أبطالها يتصرفون وفق إنسانيتهم، وليس وفق نظريات نسوية، من جهة، وبحثية، من جهة ثانية، لرأينا مسار الأحداث يتجه إلى طريق مغاير، وربما مختلف كلياً، وبعيداً عن النتائج، فالرواية ليست وصفة طبية أو سحرية نقدمها للكتاب والمحبين والقراء.

بقي القول: إن هناك أخطاءً لغوية ما كان ينبغي أن تكون في رواية جميلة مطبوعة بخط بارز، وعن المركز الثقافي العربي، وهو المطلب الذي ما زلنا نناشد دوراً لنشر العربية بوضع محرر ومدقق للكتب، وليس طباعتها، كما ترد من المؤلفين.

تظل رواية معقولة، ونتمنى أن تدخل المنافسة على البوكر هذا العام، وهي تضيف إلى رصيد فاتحة مرشيد الشعري والروائي إنجازاً جديداً، فرغم ملاحظاتنا، تكشف الكاتبة عن ثقافة ومعرفة ضروريتين لكل مبدع.