Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Feb-2017

بين رذيلتين: دَفْع لمقولةِ أرسطو - ابراهيم العجلوني
 
الراي - قال له صاحبه وهو يحاوره: ما الذي تأخذه على تعريف الاغريق للفضيلة بأنها «وَسَطٌ» بين رذيلتين؟.
 
قال: إن هذا التعريف متوارث، القرون بعد القرون، دون ان يستوقفه احد ليتساءل عن حق معناه او صدق فحواه، فهو اليوم مُسَلّمة راسخة في العقول. وقد تقادم عهد الغفلة والذهول بها، حتى ليمكن القول إن الحفر المعرفي حولها، وتحرير أصلها، اكثر شيء اعناتا لمن يجرؤ عليه.
 
قال له صاحبه: هل لك، بموجز من القول، بيان ذلك؟.
 
قال: إن مما نراه في الحياة أن «الوسط» بين رذيلتين لا يكون الا رذيلة ثالثة تتبوأ مكانها معهما على محور واحد. وان للفضيلة على اختلاف درجاتها محورا مختلفا، وان التسليم بالمقولة اليونانية هو ركون الى نظرية لا تصدقها وقائع الحياة.
 
قال له صاحبه: هذا كلام مجمل يحتاج الى تفصيل، ثم الى تحقق من دلالاته، والا فان من اصعب الصعب على الناس ان يلتفتوا به عما توارثوه واعتبروه حكمة بالغة في الاخلاق او قولا فصلا فيها.
 
قال: تعال ننظر في المثل المضروب، تقليدياً، على المقولة الارسطية وهو ان «الشجاعة» وسط بين رذيلتي «الجُبن» و»التهور». فان الشجاعة فيه محمولة على معنى «كيفية استبقاء الحياة» بما هي استمرار البقاء حيث يكون الجبن والشجاعة والتهور ثلاث درجات على محور واحد، او ثلاث كيفيات في خط الحرص على «حياة» هكذا بالتنكير، دون نظر الى مبلغها من كرامة او الى تحقق قيمة فيها من اي نوع، فاذا نحن غادرنا هذا المعنى على نحو تكون الشجاعة فيه موقفا في الدفاع عن شرف الانسان او عن وطنه او عن عقيدته، او وقوفا الى جانب الضعيف المستجير، او نُصرةً للخير، او استجابة – بوجه عام – لدواعي المروءة، فان حديث التوسط بين رذيلتين لا يعود واردا هنا بحال، فثمة محورٌ مختلف اختلافا بيّنا، وعلى ذلك يكون القياس في كل «فضيلة» أُخرى من فضائل البشر ومحاسن اخلاقهم.
 
قال له صاحبه: اذا كان صحيحا هذا الذي تقوله فكيف لم ينتبه اليه احد من قبل؟.
 
قال: الذين انتبهوا اليه كثيرون، وفي سياقات مختلفة، ولعل بحثا مستأنيا ان يظهرنا على ذلك، ولا سيما في معرض رفض او نقض المنطق الارسطي الصوري الذي نادى بفكرة «الوسط الذهبي» بين متناقضين، والذي كان له اثر مشهود في العقائد والفلسفات والايديولوجيات الغربية، منذ مجمع ينقيه اوائل القرن الرابع الميلادي، وانتهاء بالدعوى ونقيضها في ديالكتيك الفكرة عند الفليسوف الالماني هيجل، وما يكون متوسطا بينهما، ثم بالمادية الديالكتيكية عند ماركس ومن هُرع على اثره.
 
قال له صاحبه: اصدقك القول انك هنا ترمي بحجر ثقيل في بركة راكدة يجد كثير من الخَلقْ عند حوافها راحة واطمئناناً يصعب اخراجهم منهما.
 
قال: بل قل يغيبون في ذهول اي ذهول، وعسى ان لا يطول عليهم الأمد فيه، وان لا يستغرقهم التثاؤب، كما يقول المعري:
 
تثاءَب عمرو إذ تثاءبَ خالدٌ
 
بعدوى فما أعَدْتِنيَ الثُّؤباءُ.
 
قال له صاحبه وهو يحاوره: إنك لتقتحم رمالا وعساءَ فيما تذهب اليه، ولعلك ان تكون مخطئا فيه او متخبطا.
 
قال: تلك بداية لا بُدّ منها واذا كان الهاجس المعرفي في المرء اصيلا كان هول اول من يتدارك ما يقول بالتصويب، وقولي هنا رأي يحتمل الصواب.. ولأجل هذا الاحتمال كان.