Wednesday 1st of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Jan-2020

تناقضات الساحة السياسية في تونس وتعثر تشكيل الحكومة* لطفي العبيدي

 القدس العربي

بعد مشاورات سياسية دامت شهرين، بحثا عن توافقات لحكومته، لم يوفق الحبيب الجملي الذي كلفته حركة النهضة بتشكيل فريق حكومي، في نيل ثقة البرلمان. ولم تسعفه المهلة الدستورية الثانية في إنجاح مهمته. ووجد نفسه أمام أغلبية برلمانية معارضة لخيارات سياسية، ترى فيها مراكمة للفشل الذي تواصل منذ 2011، في واقع اقتصادي هش ووضع اجتماعي تفاقمت فيه نسب البطالة والتضخم وعجز الميزانية، ولا تزال الأحزاب السياسية تراوح مكانها، ولا تدرك خطورة الأوضاع الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية.
وبعد إخفاق حركة النهضة ومرشحها في تشكيل الحكومة، تتجه الأنظار إلى رئيس الجمهورية، لاختيار شخصية توافقية بإمكانها حسم الموقف، وتجاوز الوضع الراهن، والانتقال إلى الاستقرار عبر فريق حكومي قادر على الإنجاز والتغيير ومحاربة الفساد.
رهانات من هذا القبيل تؤكد، أن ما آل من مسؤولية أمام الرئيس قيس سعيد ليس بالأمر الهين، بالنظر لحجم أفق الانتظار، وطبيعة اختياره المرتقب للشخصية الأقدر، كما ينص الدستور، ستكون نقطة فارقة في تصحيح المسار والمرور الفعلي لجمهورية ثانية، بمؤسسات سياسية تشريعية وتنفيذية فاعلة، وقضاء مستقل، وحكومة خاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية، بما يعنيه الإصلاح السياسي من خطوات فعالة وجدية، تتظافر فيها جهود المؤسسات التنفيذية والمجتمع المدني، نحو ترسيخ نظام ديمقراطي حقيقي، أساسه الحرية والتعددية السياسية، التي تمتن فكرة تداول السلطات، وتهدف في النهاية إلى احترام حقوق الإنسان، وتكريس العدالة الاجتماعية.
ويسود الاعتقاد أن تكون اختيارات الرجل في حجم ما استطاع أن يستقطب من فئات واسعة، اعتبرت أنه يمثلها بصدق ويستبطن معاناتها وحرمانها، ويعبر عن أمانيها وتطلعاتها لنمط حكم مغاير، متجاوز لدولة الحزب الواحد، التي اهترأت ولم تعد قادرة على الاستمرار، ويقطع نهائيا مع الاستبداد والتغول، ويفكك منظومة الفساد من باب الإصلاح السياسي، ومناشدة التغيير بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية الذي لم تستطع حكومات ما بعد الثورة تحقيقه، فحسم الشعب أمره في الانتخابات الرئاسية الماضية، واختار من دافع عن الديمقراطية التمثيلية والحكم المحلي، وانتقد استقالة الدولة اجتماعيا، ودعا لتأسيس جديد يعيد الاعتبار للقانون غير التمييزي، ويحرر القضاء من سلطة السياسة ويراهن على أن تستعيد الدولة دورها الاجتماعي. المرحلة تقتضي التسريع بتشكيل حكومة ثورة تعيد ترتيب البيت الوطني وتحصينه لمواجهة الاستحقاقات المستقبلية. وتدشن عصر تغيير يحظى بصفة الاستمرارية لا يتم التراجع عنه تحت أي ظرف أو تبرير مخاتل، فالإصلاح بالمعنى الحقيقي لا يكمن في التحول من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي هش، يمكن أن يزول بسرعة. وهو فهم يفترض الرؤية والمشروع الحضاري الذي يستثني من كان مسؤولا عن التردي والفساد، والتخلف البنيوي في مؤسسات الدولة، ويستدعي أصحاب الحلول والنفس التحديثي، القادرين على رسم آفاق جديدة لإصلاح ما أفسده العابثون. وأمام ما يحدث من توتر إقليمي واستمرار حالة الفوضى في القطر الليبي المجاور لتونس، تتضاعف الرهانات الوطنية أمام الفاعلين السياسيين، خاصة مؤسسة الرئاسة، بالنظر لتناقضات المؤسسات السياسية الأخرى، وجمودها الحالي، وفشلها في حسم توافق سياسي بالمعنى الذي يجعلها لا تعمل، رغم أنها دستوريا تحظى بالنصيب الأكبر من الصلاحيات.
 
المرحلة تقتضي التسريع بتشكيل حكومة ثورة تعيد ترتيب البيت الوطني وتحصينه لمواجهة الاستحقاقات المستقبلية
 
ويحسب للتجربة التونسية أنها لم تأول إلى سلطوية جديدة، كما هو شأن بعض تجارب دول الربيع العربي التي أعادت تكبيل الفضاء العام وحاصرته بالقيود، وفرضت الخوف والاستبداد مجددا، بعد فترة قصيرة من الحرية النسبية، إبان الحراك الثوري سنة 2011، بشكل يثبت الاعتقاد أنه بدون النظام السياسي الديمقراطي لا يمكن للتطوير الاقتصادي والاجتماعي أن يمضيا بنجاح، ومن الضروري أن تحصل مكونات التحديث بطريقة متتابعة، على أن لا يتم الأمر من خلال «نزعة سلطوية» تقدم نفسها تحديثية، فهي طريق مفتوحة لعودة الاستبداد الذي يتخفى وراء نظرية التحديث التمويهية.
وعلى وقع بعث الأمل في نفوس التونسيين بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة والتناحر الأيديولوجي المقيت، تقتضي اللحظة السياسية الحاسمة اختيار حكومة قادرة على ارساء أسباب الأمن والسلام، في ظل النزاعات الإقليمية والتجاذبات الداخلية والخارجية، ضامنة لاستقلالية القرار والسيادة الوطنية لدولة تحترم الإنسان وتنفتح على العالم. ففي التمثيل الديمقراطي والالتزام بحقوق الإنسان والترابط العابر للحدود الوطنية، تكمن العناصر الأساسية المفسرة لاتجاه «الميل للسلام» الذي يميز الدول الديمقراطية، أما اهتزاز الأمن فهو مرتبط بغياب الصفات والقيم الديمقراطية، التي من دونها يحل منطق القوة والإقصاء محل منطق التوفيق والتجانس الوطني. ويبقى التحدي الأبرز أمام الثورة التونسية التخلص من تأثيرات ما يعرف بالدولة العميقة، وما تعنيه من لوبيات سياسية ومالية، لا تقبل التغيير الديمقراطي، وتستفيد من مناخ الفساد والسلطوية السياسية، التي تدين بالولاء لمصالحها الفئوية، وهي مسؤولة من جهة ما عن بقاء الأزمة السياسية. والمطلوب من رئيس الجمهورية في هذه الأيام التي تتزامن مع مرور تسع سنوات على ذكرى الثورة، اختيار شخصية وطنية تكون حكومة إنقاذ محدودة العدد، تحمل رؤية استراتيجية شاملة لضمان التناغم بين المؤسستين التنفيذيتين، بما يسهل العمل على وضع خطة لمجابهة الوضع الراهن، وتجاوز مكبلات نجاح الحالة الثورية اقتصاديا واجتماعيا، والتصدي للتحديات الخارجية، وترسيخ التحول الديمقراطي، وتثبيت أسس الدولة المدنية.
 
كاتب تونسي