Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Jun-2015

امتحانات الكفاءة… كفاءة من؟!*رشيد علي

العرب اليوم-صورة صادقة، تحقيق العدالة بين الطلبة، وامتحان كفاءة، قياس وتقويم، وغير ذلك الكثير من الكلام المعسول ذي المضمون التطبيقي الفارغ الذي يراد به سحر ولفت انظار الرأي العام حول شكل هذه الكلمات والمصطلحات البراق وعذوبة تذبذبه لأذن سامعه، تأتي فكرة امتحانات الكفاءة (للصف السادس والتاسع) كسابقتها الاخيرة التي تمثلت بوضع الامتحانات التجريبية من قبل الوزارة لطلبة الثانوية العامة "التوجيهي" في سنته 2011\2012، فكرة مجتزأة في ظاهرها وباطنها، فما الخطة التعليمية التي وبالاستناد إليها تم اقرار هذه الامتحانات؟ بمعنى آخر، هل تم اجراء تغييرات على بنية المناهج التعليمية بما يحقق قدرة استيعابية للطالب؟، وهل تم الافصاح عن آلية علمية واضحة –غير امتحانات التعيين- لتنمية قدرات ومهارات المعلمين؟، الهدف هو تقويم سير العملية التعليمية التي يشكل الطلاب والمعلمون مادتها الكمية والنوعية، والتي لاتحظى باهتمام المؤسسة القائمة عليها (وهنا اخص المدارس الحكومية) ويظهر هذا في عدد يفوق المئة الف طالب وطالبة أميّ "لا يقرأ ولا يكتب" ،وذلك مع انتهاء "حقبة" خالد طوقان التي امتدت على مدار سبع سنوات، فهل تتوقع أجهزة الوزارة ان يتعلم هؤلاء الطلاب القراءة والكتابة من تلقاء انفسهم دون وجود توجه أكاديمي مدروس بعناية لمعالجة هذه المعضلة، وتزايد عدد المدارس التي لم ينجح منها أحد في الثانوية العامة الذي وصل إلى 58 مدرسة حكومية، 17 مدرسة منها في لواء البادية الشمالية (الذي ظهر في نتائج الدورة الشتوية)، ناهيك عن وضع المرافق العامة داخل هذه المدارس الذي لا بد وان يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في "كفاءة" المعطى التعليمي واستقباله، ومما يشير بقوة إلى ان المتحدثين باسم الوزارة لا يعون بماذا يتحدثون، الحديث – بحسب الجلاد – عن ان اللجوء لهذا الاختبار لتوحيد طريقة قياس مستوى الطلبة والمعلمين لأنها حاليا متفاوتة بين مدرسة واخرى ومديرية واخرى!!!
فكيف ممكن توحيد طريقة القياس بين المدارس الخاصة والحكومية، المختلفة في نوعية التعليم وهنا المقصود بآلية القائه وعرضه وزخمه، وتجهيزات العملية التعليمية كتحديد عدد الطلاب في كل صف على سبيل المثال، ويصل الاختلاف إلى اسس اختيار المعلم، ووجود مناهج هنا لا توجد هناك، وهنا نتوصل الى النتيجة التي تتضمن نجاحا للغالبية العظمى من طلاب المدارس الخاصة على حساب طلاب المدارس الحكومية – مع الإشارة إلى انه لا يجب أخذ المدارس الخاصة في مجموعها بانها على نفس سوية الكفاءة الاكاديمية، وأيضا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان مفهوم الكفاءة لا يتعدى المفهوم الرجعي السائد المتمثل في ابتكار أساليب متجددة في التلقين لا اكثر- وهنا يجب التأكيد على تعبير "على حساب" لأن اسلوب امتحانات الكفاءة وفحص المستوى هو ليس لتشخيص مشكلة في النظام التعليمي او لايجاد طريقة قياس سرمدية بين مكوناته، بل هو وسيلة لإقصاء أبناء الطبقة الفقيرة عن العملية التعليمية، بعد ان فرض الأخيرون أنفسهم في ميدان المؤسسات التعليمية بحكم كونها اطار وجودهم الاجتماعي الطبيعي، أيضا بسبب شكل التركيبة الديموغرافية، وهذا الذي يخلق التناقض الصارخ بين المخرجات الكمية للجامعات ومتطلبات السوق الذي يغلب عليه الطابع الخدماتي اكثر بكثير من الطابع الإنتاجي، فينافس ابناء الطبقة الفقيرة على المقاعد الجامعية (سواء في التخصصات الاجتماعية والإنسانية او في التخصصات العلمية)، فيضمن تهميش المدارس الحكومية وعدم ايلاء أهمية لعوامل انجاح العملية التعليمية في جانبها الإجرائي والمرافقي، وأيضا عدم المبالاة الشبه مطلقة بنوعية التعليم المقدم وكمه وشكله، اضف إلى ذلك إهمال اوضاع الكادر التعليمي وعوامل نجاحه للقيام في دوره (ظروف عمله، دخله ووضعه المعيشي، ومهاراته وأساليبه)، وهنا قد يظن القارئ ان عملية التهميش وإقصاء بشكل مخطط له بحذافيره، إلا ان مضمون هذه العملية التي تغذيها الطبيعة الطبقية للبروجوازيات الحاكمة هي التي تعطي شكلا اقصائيا ممنهجا لأبناء الطبقات الفقيرة من النظام التعليمي. ان وزارة التربية والتعليم تتعامل مع ازمة بنية النظام التعليمي كتعامل غيرها من اجهزة السلطة التنفيذية مع الميدان المختص به هذا الجهاز او ذاك، أي انه لا يتم التركيز على اصل الازمة واسبابها تاريخيا وأنها غير منفصلة عن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية في البلاد كافة، فيتم التعامل مع المؤسسات التعليمية (الحكومية منها على وجه التحديد) كأنها جسم منفصل عن المجتمع، بل كأنها سقطت على الوزارة من السماء بمعضلاتها المتعددة والمتغلغلة في موضوعها (الطلاب والكادر التعليمي والاكاديمي)، فتصبح هذه المؤسسات حقولا مخبرية لتجارب فطاحلة التربويين الرسميين، وكأنهم يتعاملون مع مرض عضال بيولوجي من نوع ما، مع غياب تام لخطة تربوية تعليمية ممتدة لسنوات طوال، فامتحان الكفاءة في جانبه النظري لا يتعدى كونه تجربة الهدف منها الاقصاء وليس المعالجة، وفي جانبه التطبيقي فهو معرض للفشل(من منظور واضعيه) في ظل تسريب العديد من أسئلته، ومطالبة العديد من مدراء المدارس بإعادة امتحانات معينة بسبب ذلك، بالإضافة إلى استنكار نقابة المعلمين لهذا التسريب، الذي يشير دون ادنى شك إلى تسيب وانعدام الرقابة الإدارية، لكن، وهنا يجب التاكيد بشدة، أنه لا يجب حصر انفسنا بفشل الجانب الاجرائي لهذا الامتحان، بل يجب ادراك طبيعة نسق التعامل الفوقي لوزارة التربية والتعليم مع مشاكل النظام التعليمي غير المنفصل بالتاكيد عن الأزمة الاقتصادية الراهنة.