Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2018

الانتخابات درب إلى الديمقراطيّة!! - د. عمر الحضرمي

 الراي - تعد مسألة اختيار النظام الانتخابي من أهم القرارات التي يتخذها أي نظام سياسي، حيث أنه غالباً ما يترتب على اختيار نظام انتخابي معيّن تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسيّة في الدولة، وبخاصة إذا ما أدركنا أن هذه الدولة تسعى إلى الركون إلى هذا النظام الانتخابي أو ذاك، بعد المرور بالعديد من التجارب.

إذ كثيراً ما يَعْمد «النظام السياسي الديمقراطي» إلى الانتقال بنظامه الانتخابي نحو الأفضل. وحتى في غياب ما يتعرض له النظام من أزمات، ربما يعمل مؤيدو الإصلاح السياسي إلى وضع مسألة تغيير النظام الانتخابي على الأجندة السياسيّة في بلد ما، وذلك في سياقين؛ إما أن الدوائر السياسية وقواها تفتقد الدراية الكافية بالنظم الانتخابيّة بشكل عام، أو في تفاصيلها، وأما، في السياق الثاني، فربما يكون على العكس من ذلك، أي أن تكون القوى السياسيّة على دراية تامة بتفاصيل النظم الانتخابيّة فتذهب إلى اعتماد أحد هذه النظم بما يلاءم هواها بقصد استغلاله لمصالحها وأهدافها.

وعليه فإن الدوافع والخلفيات التي تقف وراء اختيار النظام الانتخابي قد تكون، أو هي كذلك، بنفس أهميّة الخيار المعتمد ذاته، وذلك لأن عملية انتقاء النظام الانتخابي هي مسألة سياسية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون قضيّة فنيّة قانونيّة اجتماعيّة، وذلك ليس في النظم السياسية الديمقراطيّة الناشئة فحسب، ولكن أيضاً بالنسبة للديمقراطيّات الراسخة التي تُعنى بمواءمة مؤسساتها لتتماشى، بشكل أفضل، مع الواقع السياسي المتغيّر.
يقوم المفهوم الأساس للنظم الانتخابيّة على أنها عملية يتم من خلالها ترجمة الأصوات التي يُدلي بها الأفراد، إلى مقاعدَ نيابيّة، يُحْدِثُ تجمّعها قراراً تصدره الدولة، أو ضغطاً على مؤسسات رسمية لاتخاذ قرار ما أو الامتناع عن اتخاذه.
لعله من الضروري بمكان الأخذ بالحسبان بأن أي نظام انتخابي لن يعمل بنفس الطريقة في بلدان مختلفة، وذلك اعتماداً على اختلاف السياقات الاجتماعيّة والسياسيّة والفكرية والثقافيّة والعقائديّة والقيميّة، فبالرغم من تماثل نظري بين التجارب السياسيّة إلا أنها لا تصل إلى درجة التطابق أو التشابه الكبير بينها.
نسوق كل هذه الملاحظات في محاولة استقرائية لما دار هذه الأيام ويدور من عمليات انتخابيّة في كثير من دول العالم، وفي المنطقة العربية التي نعيش فيها كالعراق ولبنان وتونس ومصر وغيرها.
وحتى نستطيع مشاهدة المفاصل الأساسيّة لهذه المسألة المركزية في الحياة السياسية للدول، لا بد من الإقرار أن عملية الانتخابات البرلمانية هي مؤشر أساسي في جوهر توصيف النظم السياسية، فكلما اقتربت هذه الأنظمة من اختيار نظام انتخابي قادر على ترجمة إعداد المواطنين للمشاركة الفاعلة في العملية السياسية، وإتمام العملية التشاركية السياسيّة، كلما كانت نظماً صالحة راشدة، وكلما كان النظام السياسي فيها نظاماً ديمقراطياً. وعليه فإن كثيراً من فقهاء التوصيف السياسي والقانوني يأخذون أنظمة الانتخابات كمعيار رئيس في قراءة النظام السياسي، إنْ كان ديمقراطياً أم غير ذلك.
وإذا ما التفتنا إلى التجربة الأردنية في عملية الانتخاب، نرى أن الدولة الأردنية، ممثلة بنظامها السياسي أو مؤسساتها الرسمية أو سلطاتها الأساسيّة، تسعى إلى البحث عن نظام انتخابي يعكس الرضا الحر للناس الذي هو في أصله ترجمة أمينة لمعنى الديمقراطيّة والمشاركة السياسية.
وهنا لفت انتباهي ما جرى في لبنان في السادس من أيار، وهو يوم إجراء الانتخابات النيابية على أساس اعتماد نظام النسبيّة والصوت التفضيلي، وما استغربته هو إغفال مادة أظنها ضرورية في قانون الانتخابات والتي لا تعطي لأي من المرشحين «ميزة رسمية» عن غيره من الناس،إلا أننا رأينا أن رئيس الوزراء ووزراء منهم وزير الداخلية وموظفون لبنانيون رسميون قد رشحوا أنفسهم وهم على رأس عملهم وخاضوا الانتخابات وهم يتمتعون بمراكزهم الرسمية، مستفيدين من كل الإمكانات والمزايا والمكاسب التي تحققها لهم مناصبهم الرسميّة، بينما نرى أن نظام الانتخاب في الأردن، على سبيل المثال، يشترط على المرشح «الموظف» في الدولة أو «المتعاقد» معها أو مع أحد مؤسساتها أن يقدم استقالته قبل ستين يوماً من يوم الانتخاب، وهذا هو الأمر المنطقي، وغير ذلك يصبح الأمر مشوباً بعدم العدالة، إذ كيف يُسمح للموظف العام أن يستمر في وظيفته ويترشح للانتخابات، بل وأكثر من ذلك نراه يستخدم كل تسهيلات الدولة ووسائلها ووسائطها في سبيل خدمته، بينما لا يكون بمقدور غيره الإفادة من هذه الإمكانات.
لذا نقول: إن عملية الانتخابات هي جوهر عملية العدالة والمساواة وبالتالي هي من الممارسات المفضية إلى المشاركة السياسية، كما ذكرنا، التي تؤدي بدورها إلى قيام المجتمع الديمقراطي الرشيد والراشد.