Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Sep-2020

عن المشروع الثقافي الحضاري

 الدستور-د. مهند غازي الزامل

 تنامى الحديث في الآونة الأخيرة عن «المشروع الحضاري الثقافي» الذي تحلُم به الأمة ليُحقق لها نهضتها، وينتقل بها من مصافِّ العالم الثالث أو «النّامي» إلى الصُّفوف المتقدِّمة من رَكْبِ المجتمع الإنساني الحديث...
وكان من الطبيعي أن يكون «المشروع الثقافي» هو القاسم المشترك بين مُعظم الكتابات التي تتناولُ هذه القضية في واقعنا المعاصر، بحُكمِ الحضور الجماهيري والفكري واسِعِ النّطاق في مختلف ديار العرب والمسلمين، وما ولّدته مِنْ حَيَويّةٍ كبيرة في الجدَلِ والحوارِ الفكري النّهضويِّ؛ ما بين إثباتٍ ونفيٍ، ودِفاعٍ ورفضٍ، وقبولٍ وتحفُّظٍ.
وأوّل ما نبدأ بتبيانه في هذا المقال، هو ذلك الموقف «اللّاعقلاني» الذي يرفض الاعتراف بوجود «مشروع ثقافي حضاري» ! وأصحاب هذا الموقف – بطبيعة الحال – أصنافٍ عِدّة تربطهم منهجيّة الاغتراب الفكري، والخروج على «الأصالة» بمفهومها التاريخي والحضاري والعقدي.
إنّ «الحضارة» هي نتاج فِعلِ الإنسان في الكون، بغضِّ النّظر عن طبيعة هذا النتاج، وقيمته فكريّا (عقليّا) أو مادِّيّا، وبالتالي؛ فالمشروع «الحضاري الثقافي»؛ هو بمثابة الأصول الفكرية والروحيّة التي تمثِّل إطارًا يضبطُ ويُوجِّه فعالية الإنسان في الكون، ثمّ إنّ هذه الأصول لا تُصبح «مشروعا ثقافيّاً « إلا إذا تجسَّدتْ في «كيانٍ بشريٍ» يُؤمنُ بها ويجتهدُ وُفقها في مسيرته الحياتيّة، وبدون هذا « التجسيد» تصبح هذه الأصول مجرَّدَ خواطر فكريّة أو فلسفية تمثِّلُ صاحبها، ولكنها لا تمثلُ «مشروعًا ثقافيّاً»!
إنّ جوهر الحضارة هو «الفعلي التغييري»، فإذا غابَ ذلك الفعل غابَ البناء الحضاري، وبالتالي سَقطتْ صفة «المشروع الحضاري الثقافي» عن الأفكار التي فقدَتْ الشرط الجوهري...
ففي فكرنا المعاصر، نبتتْ نابتةٌ؛ لا تستطيع أن تُحدّد مكانها ودورها ورسالتها، إلا بالنِّسبة لمكانِ الآخرين، وهذا ناتجٌ من ضِمنَ نواتجِ ما أسماه مُفكرو الغرب أنفسهم « المركزية الأوروبية»، وهذه المركزيّة التي أفسدَتْ على أمم العالم – غير الأوروبي والأمريكي- محاولاتها للنُّهوضِ أو الاستقلال الفكري والتنظيمي والثقافي...إنّ التبعيّة والانجذاب في مجالِ : الفكر، و» الوَعْي الإنسانيّ « هي مِنَ الأمور الأكثر خفاءًا، والتباسًا، وذلك أنكَ تجدُ كثيرًا من أهلِ الفكرِ والأدبِ الذين يشنونَ الحربَ على منحى التبعيّة الثقافية والفكريّة للغربِ، تجدهم هم أنفسهم ممن يقعون – بلا وَعْيِ- فريسة لحالة الانجذاب الثقافيّ والحضاريّ تجاه المنظومة الحضارية الأوروبية الحديثة...
إنّ تميز الأمم في ثقافتها؛ هو أساسُ عنوانها الأدبيّ والحضاريّ في مجالاتها؛ فجديرٌ بنا أن نرفعَ من ثقافتنا، ونُحيي أصالتنا، بكُلّ ما فيها من إبداعٍ وإثراءٍ؛ أظنُّه مُنقطع النّظير...