Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Aug-2019

لماذا سقطت التفاحة على رأس نيوتن؟*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور-كنت واحدا من قوم؛ تتلظى قلوبهم وألسنتهم وهجا وحرائق، وتعمل عقولهم بطاقة كاملة 100 %، جدلا حول الموقف الانتخابي، في انتخابات لا مرشح للقوم فيها، وكانت الأصوات تتعالى، ولم نتفق في أية مناسبة انتخابية على شيء، ولم ننجز شيئا الا على صعيد لغوي، وخسائر نفسية ومادية واجتماعية فادحة..

وصرت اليوم؛ واحدا من قوم، تتلظى قلوبهم وألسنتهم وتعمل عقولهم بطاقة ضئيلة أقل من 10 %، بينما يحتدم الجدل بيزنطيا، حين نناقش قضايا كتطوير التعليم في الأردن، ولأنني أشعر بأنني أكثر من كتب في هذا الموضوع خلال السنوات العشر الماضية، فلن أعيد ما كتبت، ولن أدخل في المهاترات والحروب الملحمية الميثولوجية، ولن أقدم رأيا أو أنتظر بينلوبي أن تنهي فستان عرسها قبل وصول زوجها أوديسيوس المعذب التائه وراء البحار، باختصار: سأتجنب الاشتباك مع العارفين بكل شيء، الذين لا يعجبهم رأي إلا إن كان متوافقا مع طرحهم الخرافي العظيم..
قام المركز الوطني لتطوير المناهج بالخطوة الأولى على صعيد تطوير المناهج، وابتدأها بداية منطقية مطلوبة في مجتمع نامٍ أو مجتمع حديث أو حتى في مجتمع فضائي..العلوم والرياضيات للصفوف الأساسية، هما البنية التحتية لتوسيع المدارك والتنوير والبناء في عقل الطفل، الذي سيغدو إنسان المستقبل ومواطنا كونيا، مطلوب منه متابعة مسيرة العطاء والبناء الإنساني..
لأن تطوير التعليم، لا سيما المناهج، وبمجرد أن نطرق بابه ينفتح مزاد الكلام ممن يهرف بما يعرف ولا يعرف، فمن الطبيعي أن تتعالى الأصوات مشككة ومحذرة وتسلط «مخ مخها» على مناهج (تربية اسلامية وتاريخ ولغة عربية وثقافة وطنية..الخ) لم يقدم فيها المركز الوطني ولا اللجان الوطنية المختصة للرأي العام أية مبادرة أو محاولة حتى اللحظة، بينما لا يدركون بأنهم إنما يتصفحون كتابيّ العلوم والرياضيات للصفين الأول والرابع الأساسيين، فهما المبحثان اللذان قدم المركز فيهما إنجازا، ما انفك يتحدث عنه بشفافية مستفيضة، وقد يتمنطق بعضهم حين يكتشف الكتب أخيرا، ويخوض في الجدل «العظيم»، فيعترض على الألوان وعلى حجم الخط، ويؤلف فيهما روايات بوليسية وأمنية ثقافية وقصائد، يخاطب فيها جيوش المجرات جميعا للدفاع عن وجهة نظره.. فماذا نقول؛ بل لماذا نقول له إن الذي بين يديك كتب علوم ورياضيات، وليست كتبا عن التاريخ والجهاد وتحرير فلسطين والعروبة والإسلام وغزوات ابو زيد الهلالي سلامة؟.
الخطوة التي قام بها المركز الوطني لتطوير المناهج تعد إنجازا على طريقنا في تحقيق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، والتي انطلقت منتصف 2016، وتمخض عنها عدة تشريعات وكيانات قانونية، وقدمت انجازات أولية على هذه الطريق القصيرة نسبيا، ولأن تطوير التعليم يحتاج أولا لاعتماد اسلوب جديد في التدريس، يضاهي ويكافىء النماذج التعليمية المنتشرة في العالم الحديث والقديم، فإن أهم عناصر هذه العملية من التطوير هي المنهاج إضافة للمعلم الكفؤ والمدرسة المؤثثة تقنيا.
لم يكن نيوتن يحاول أن يحفظ قصيدة ولا يؤدي طقوسا عقائدية حين سقطت التفاحة على صباحه، بل كان بشريا عاديا يجلس تحت شجرة، فأطلق عقله وكل خبراته في الحياة واستخدم كل ما يعرف كي يفهم (ليش وقعت التفاحة على راسه!) فتمخض عن هذا التفكير كل هذه الفيزياء الميكانيكية وقوانين الحركة، التي يرسب فيها طلاب كثر، يأكل بعضهم كيلو تفاح يوميا..
إطلاق العقل وتحفيزه على الاكتشاف والتحليل سيؤدي الى ابداع أو إلى فهم أوسع على أقل تقدير، ولعل الخطوة التي أنجزها المركز الوطني لتطوير المناهج من أهم الخطوات التي تأخرت لكنها انطلقت، ويجب ان ندعمها ونطالب بالخطوة التالية، فنحن متقهقرون كثيرا على صعيد العلم والتعليم ونحتاج الى خطوات مبدئية على طريق التغيير والتطوير، ستكون صعبة في بدايتها، لكنها ستنطلق بعد هذا سلسة ونلمس أثرها في الأجيال التي نتحمل مسؤولية تربيتها وتجهيزها لتحمل المشعل الى ذرى الانجاز والبناء والعطاء..
لن نناقش إجراءات فنية يقوم بها المركز الوطني أو اللجان الوطنية الأخرى، لأننا نؤمن بأن الفكرة الأهم هي وجود منهاج مناسب ومعلم مؤهل ومدرسة لائقة، واسلوب تعليم سليم، يهدف الى تطوير العقل والروح والجسد وتهيئتها جميعا، لمستقبل سيكون مؤلما إن لم نتسلح معه بالعلم والمعرفة والمهارة والكفاءة والعقل الديناميكي المنفتح.