Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-May-2017

جماعة عمان لحوارات المستقبل في مواجهة التحديات الوطنية (2) - بلال حسن التل
 
الراي - تناولنا في مقال سابق بعض التحديات التي تواجه وطننا، وسعي جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى المساهمة في مواجهتها، وسنتحدث في هذا المقال عن تحد آخر مهم، هو تحدي الغياب الواضح للتماسك الاجتماعي والانصهار الوطني وبروز الانتماءات الفرعية الجهوية والعرقية والدينية، على حساب الهوية الوطنية الجامعة، وهذا الغياب للتماسك الاجتماعي ساهم في افراز الكثير من الأمراض التي نعاني منها, مثل العنف المجتمعي، والأنا, وروح الجشع, وهذا تحد علينا الاعتراف به والعمل على معالجته.
 
إن الاحساس بغياب التماسك الاجتماعي، هو الذي دفع جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى إصدار وثيقة التماسك الاجتماعي, وبرنامجها التنفيذي الذي تسعى إلى تطبيقه على أرض الواقع، أداء لدورها في خدمة وطننا, والمساهمة في التصدي للتحديات التي تواجهه، وصولاً إلى المساهمة في بناء جبهة داخلية متماسكة.
 
إن إعادة بناء التماسك الاجتماعي وفق الوثيقة التي أعدتها وأصدرتها جماعة عمان لحوارات المستقبل من شأنه ان يلعب دوراً رئيسيا في مواجهة تحدي بناء الثقة في كل مكونات الدولة ومؤسساتها، لأنه من خلال إعادة الاعتبار للكثير من أخلاقنا وسلوكنا الاجتماعي الذي كان يرى في غياب مبدأ تكافؤ الفرص لحساب انتشار المحسوبية والواسطة والرشوة رذيلة اجتماعية، فمن خلال إعادة الاعتبار لهذه المفاهيم مصحوبا بإعادة الاعتبار لمفهوم الانتاجية والتخلص من سلوك الاتكالية، كما تنص وثيقة التماسك الاجتماعي يمكننا تحسين أداء المؤسسات العامة وتصويب توجهاتها.
 
التحدي الآخر الذي لابد من الانتباه إليه يتمثل في الشكوى من غياب العقل الجمعي للدولة، القادر على وضع استراتيجيات وخطط عمل عابرة للحكومات، مما أوقعنا ضحايا للاجتهادات الشخصية التي تتغير بتغير الحكومات, والذي أفقدنا تراكم التجربة والإنجاز في كثير من الأحيان، وفرض علينا الدوران في حلقة مفرغة خاصة على صعيد الإصلاحين السياسي والاقتصادي. وهذا الغياب للاستراتيجيات والخطط العابرة للحكومات، ثم القدرة على الاستمرار في الكثير من البرامج والخطط والأجندات أفقدنا في كثير من الأحيان الثبات على الموقف وأفقدنا الثقة بمعظم ما يطرح.
 
يقودنا الحديث عن غياب العقل الجمعي للحديث عن تحد رئيسي نظن أنه مصدر للكثير من التحديات الوطنية التي تواجهنا والتي أشرنا إلى بعضها هو تحدي ملء الفراغ، الذي نلمسه جميعاً في كل المجالات سواءً على صعيد المؤسسات، أو على الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي، وأوضح صور هذا الفراغ هي غياب الأطر الجامعة للأردنيين، القادرة على تفعيل قدراتهم وإمكانياتهم وتوظيفها لشد عصبهم الوطني، في ظل سياسة تفكيك الأطر السائدة سواءً كانت أطراً سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وعدم إقامة أطر بديلة في معظم الحالات، أو تقديم بدائل هزيلة على مستوى الأشخاص والطروحات والأطر. دون الانتباه الى أن هذا الفراغ يشكل مدخلاً لاختراق الدولة والمجتمع الأردني، من كل الطامعين وفي مقدمتهم التنظيمات التكفيرية، لأن هذا الفراغ المؤسساتي المصحوب بفراغ فكري يخلق هشاشة في البنى الوطنية، تجعلها قابلةً للاختراق، وتزيد من حجم المخاطر والتحديات التي تواجه الدولة الأردنية، لأن هذه الهشاشة تشكل حاضنة لكل الأخطار ابتداء من الأخطار، الناجمة عن الفقر والبطالة وصولاً إلى خطر التكفير, وما بينهما من أخطار تبدأ من جرائم السرقات والمخدرات وتنتهي بالسعي للعبث بأمن واستقرار الوطن, وما يتخلل ذلك من الموبقات الاجتماعية والسياسية. خاصة أنه في ظل هذا الفراغ الذي نعاني منه، تغولت الثرثرة السياسية على الفكر السياسي، وتم تهميش المكونات الأخرى الصانعة لقوة الدولة ومتانتها، وأولها العمل السياسي المؤطر، الذي آن آوان استعادته من خلال ضرورة ادراك القوى السياسية أنه قد حان الوقت لكي تُؤمن بنفسها، وتسعى لبناء قدراتها وإمكانياتها من خلال نيلها لثقة الناس عبر برامج تتبنى هموم الناس، وتجعلهم يلتفون حولها, وقد صار على هذه القوى التخلص من السعي لطلب أسباب الحياة من الآخرين.
 
ومثل الفكر السياسي الذي صار من المهم ان يعبر عن نفسه بمؤسسات ناضجة كذلك حال الفكر الاجتماعي والتربوي الذي صار من المهم ان يتجسد في مؤسسات، تستطيع التعبيرعنه سلوكا إيجابيا يليق بالدولة العصرية، وصولاً إلى الفكر والممارسة الاقتصادية التي تنقذنا مما نحن عليه من واقع اقتصادي مترد نشكو جميعاً منه، يسهم إسهاماً كبيراً في إضعاف مناعة الدولة ومواقفها من مختلف القضايا. ولمواجهة هذا التحدي وللمساهمة في ملء الفراغ جاء تأسيس جماعة عمان لحوارات المستقبل، لتكون إطاراً تلتقي فيه العقول المستنيرة من اختصاصات علمية مختلفة، ومن خلفيات فكرية متنوعة، ومن محاضن اجتماعية تمثل كل فئات مجتمعنا وبالتالي فإن تناول الجماعة لأي قضية من قضايانا الوطنية يتصف بالتكامل والشمولية والموضوعية بهدف تحقيق هدف التنوير.
 
إن قيام جماعة عمان لحوارات المستقبل وطريقة عملها من خلال فرق العمل المتخصصة يشكل بحد ذاته مواجهة عملية مع تحدي غياب نمط التفكير الجماعي، الذي نأمل أن يتطور ليصبح سمة عامة للدولة الأردنية.
 
ما أريد أن أقوله إن المطلوب منا لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجهنا هو السعي لملء الفراغ بفكر مستنير وممارسات تبني الثقة بين كل مكونات الدولة على الصعيدين الرسمي والأهلي، ومن خلال السعي إلى بناء مقومات القوة الناعمة للدولة، والمتمثلة بالفكر والثقافة والتربية والإرشاد والإعلام، وسائر قنوات بناء الإنسان وقناعاته. لأن الإنسان المؤمن بوطنه ودولته هو القادر على التغلب على كل التحديات، بينما الإنسان المحبط فاقد الثقة بمحيطه هو من أخطر منافذ الخطر والتهديد الخارجي والداخلي للدولة وهذا تحد علينا مواجهته بتصور شامل لبناء الإنسان في وطننا. وهو ما تسعى جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى المساهمة في تحقيقه. وهذا هو اسهام الجماعة في مواجهة التحدي الثاني من التحديات التي تواجه وطننا.
 
Bilal.tall@yahoo.com