Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Nov-2020

تـــأمـــلات فــي ديـــوان «خطوت فوق الموج» لشهلا الكيالي

 الدستور-أحمد الكواملة

 
في إهدائها (كلمة وفاء إلى مدينتي اللد) ينطلق صوت الشاعرة شهلا الكيالي، يناديها، يسرح في شوارعها، لم يمض معها يوم الرحيل، بل بقي فيها يردد نداءاتها، تحن للعودة كما يحن الأطفال الذين يقفون على تخوم الوطن السليب، يصنعون طائراتهم الورقية، يطيلون خيوطها، علها تتجاوز الهضاب لتطل على ما ورائها من ارض فلسطين التي يتوقون إليها...
 
ويتجسد حلم الأطفال حقيقة عند انطلاق (خالد اكر) بطائرته الشراعية، مشعلا الأرض تحت أقدام الغزاة:
 
«.. وأفقنا فإذا الحلم حقيقة/ لعبة الأوراق صارت شراعا/ خيطها صار حزاما من أوار وشهب/ ها هو النسر المحلق شامخا فوق السحب/../ أرضك العطشى تلقتك غديرا/ فارتوت كل الدروب..».
 
تحلم بأعراس فلسطين، تلك الأعراس التي لا يعرفها إلا الشهداء، شهادتهم أنوار سماء القدس وتكبير المآذن، شدو الغناء وصورة الغد القادم، وهي وان لم تتحدث عن الشهيد مباشرة، فقد أشارت إلى سماته، انه الذي تناديه البلاد. من قصيدة (في عرس الشهيد): «قالوا أطلت من سماء القدس/ أنوار المصلى/ وتباهت في علاها/ هذه الصخرة نادت لفتاها/../ هذا هو الفاروق جاست راحتاه/../ جئناك يا قدس الشريف..».
 
والقصيدة تحفل بالإشارات لرموز شهادة وجهاد، عندما تورد أسماء كبيرة مثل صلاح الدين، الفاروق والقسام، وعبد القادر الحسيني حين أشارت إلى القسطل، رمزا للمقاومة والدفاع عن بيت المقدس.
 
ومن قصيدتها (ترانيم في يوم استشهاده) تعني أبو جهاد/ خليل الوزير، تظهر عبر ترنيمات ست، أن استشهاده غيلة على يد الموساد، ليس نهاية المرحلة، بل البداية لفجر جديد: «عندما انشق الصباح/ والتباشير تجلت/ نسجت أغلى وشاح/ وعلى اليرموك غنت/ إن قنديلا منيرا/ قد علا كل الجراح..».
 
وكأنها تخاطب الشهيد.. إنما موتك بداية حياة، بداية بركان يتفجر غضبا في وجه الطغاة: «ليس الرصاص نهايتك/ بل نزف جرحك يا أبي/ منه البداية ترتقي قمم الصلاة/../ والأم ما ذرفت دموعا عينها/ بل رددت/ إن الفدائي غدا/ تأتي بشائر عرسه..».
 
وإلى حارسة النار، المرأة الفلسطينية، الشهيدة، أم الشهيد، زوج الشهيد . ابنة الشهيد، أخت الشهيد، تلك التي تسير بين الناس إما للجميع: من قصيدة (كل الأولاد لها أبناء): «هذه المرأة لا ترضى أبدا/ أبدا لا ترضى بالقهر/ كل الأولاد لها أبناء/ بجدائل شعر لفتهم/ وحمتهم من صلية غدر/ جسد المرأة هذا/ كان لهم سدا..».
 
وعبر قصيدة (نشيد قولوا اشهدي)، الموجه للأطفال، تعلن أن أبطال الغد أطفال الوعد، هم من سيكمل مشوار الفداء: «حرب الحجارة فجرتها صبيتي/ في وجه شارون اللعين شظيتي/ وإذا سقطت على التراب وصيتي/ أن أكملوا المشوار عني إخوتي..».
 
وفي حالة وجد وخيبة وعتمة درب، وأحلام ضائعة مبعثرة أو تكاد، من قصيدة (لحظة وجد) تقول الشاعرة المرحومة شهلا الكيالي، في منولوج داخلي ممض، وإن لم تفقد بارقة أمل.
 
بتقنية جميلة تأتي قصيدة (طقوس العشق) لتعلي من مكان المرأة الفلسطينية، فهي التي تكبر فوق الجراح وتنهض مع فجر الأطفال، تزف الشهداء إلى معراجهم, يخرج من رحمها العالي من يحمل روح الرفض والمقاومة, وكأنها تهمس للمولود عند صرخته الأولى، أطلق حجارة روحك بوجه غطرسة القوة، حجرك أقوى من قذائفهم، لا حبا بالموت، وإنما ليكون لنا مكان للحياة:
 
«هل رأيتم سيدة تكبر فوق الوجع/../ وتقتحم الليل/ وتنهض مع فجر الأطفال
 
نشيد يعلو/ زفت عرس الأعراس (وكأنه عرس الشهداء)/ لتعلن أن مخاض الليلة
 
يخرج مولودا/ يحمل سكينا.. فأسا.. مقلاعا/ ينشر أغنية فوق التل/.. ليرف حمام الدوح..».
 
وفي بوح عاشقة مريمية، وبلغة معبرة مرهفة تقول شاعرتنا (شهلا الكيالي) من قصيدة (وطيفك يأتي):
 
«أفتش عنك خلايا الزمن/ وقد مر عقد ولم تكتحل/ بمرآك عيني ولما تزل/ أوسد صوتك كل مساء/ وطيفك يأتي يزور جفوني/ يبدد صمتي/ فيرقص قلبي لصوت الأمل..».
 
وفي تناص مؤثر تحيلنا الشاعرة شهلا الكيالي إلى قصة سيدنا يوسف، في حالة من إدانة واقعنا العربي، تشير لنا بإصبع الاتهام.. انتم جميعا إخوة يوسف، وانتم جميعا ترتدون قميصه، تتركون أهل فلسطين يذبحون ويهجرون، أيديكم ملطخة بدمائهم، وانتم في كذبكم وغفلتكم سادرون: «إنه العار قد عاث فينا يستبيح/ قميص يوسف عاش فينا.. عاش فينا/ والكل منا يرتدي ذاك القميص/ يوسف المقتول في وسط القبيلة/ ورجال حول يوسف/ يحفرون القبر تلو القبر تلو القبر/ يحفون المجاز/ ويسير يوسف/ يقرأ الإسراء فاتحة المعارج/ رافع الرأس يغني للمذابح للذبيح».
 
وفي تواضع ملهم، تحني الشاعرة هامتها بين يدي أطفال الحجارة، كأنها تقول: انتم القصيدة الأعظم في التاريخ، انتم ديوان الشعر العربي القديم والحديث، انتم ضوء اليوم وشمس المستقبل.
 
من قصيدة (معذرة) تقول: «أقزام نحن بغيبتنا/ والمارد وحدك والمغوار/ والأرض تميد بخطوتكم/ وتحاكي كل الأقمار/ هل تقبل منا يا نجما/ في زحمة شارعك الهدار/ أسفا نبديه لأوراق/ تتجول ضائعة الأخبار/ للحرف الضائع وسط النار/ فأمامك نحني قامتنا/ ولأنك وحدك ضوء نهار/ وللطفولة مكان القلب..».
 
شاعرتنا (شهلا الكيالي) وهي تتحدث عن ذاتها، إنما تستحضر عالم طفولتها المرح الجميل، هناك في ارض الزيتون والتين والبيارات, في اللد وفي كل فلسطين.
 
من مقدمة مجموعتها تقول: «ما زلت احمل ضمة حنون جمعتها ذات ربيع من سهولك وما زالت أقدامي الصغيرة تقف على باب الدر، ترقب مجيء الأحبة محملين بالحلوى والهدايا.. ما زال مزراب البيت العتيق، ينتظر مواسم المطر، ليحكي للأطفال المجتمعين حوله الحكايا التي تشعل الحنين».
 
و للطفل في مجموعتها حالات وصور، فهو الشبل المتوثب الحالم بالعودة، كما هو في قصيدة (عدنا نورا) وهم نبع ري لأرض فلسطين الظمأى، وهم المحرومون من عيدهم، وهم أول الحجر وأول الفداء، كما في قصيدة (عرس الشهيد). وليس غريبا اهتمام شاعرتنا بعالم الطفولة، وهي الشاعرة والكاتبة التي كرست جزء كبيرا من إبداعها لعالمهم الجميل.
 
و للمرأة مكاننها السامي في المجموعة، فهي حارسة النار وحاضنة الثور وصانعة أجيال الفجر القادم، هي كما وصفتها سابقا، الشهيدة ، وأم الشهيد، زوج الشهيد، أخت الشهيد، بنت الشهيد، ولا غرابة أن تتكرر لفظة امرأة بمرادفاتها المتنوعة قريبا من أربعين مرة, أما الرجل والرجال والأب والآباء، فلم ترد مباشرة وغير مباشرة أكثر من أربع مرات،في إسقاط نفسي يعلن عن خيبتها من تخاذلهم الذي أضاع فلسطين، وإن استحضرت بعض رموزنا مثل الفاروق والمعتصم وصلاح الدين والقسام، لما لهؤلاء من اثر في إذكاء روح الجهاد والمقاومة، وكأنها تقول لرجال هذا العصر.. ألا كنتم مثلهم في الرجولة؟!
 
هذه شهلا الكيالي، يفيض شعرها وهجا وثورة وعشقا لفلسطين، تشعل حروفها منارة تضيء للسارين سبيلا يقهر فيه الغاصب ويعيد القضية إلى مقدمة التاريخ والجغرافيا، يعيدنا ويعيدها للحياة.
 
* (خطوات فوق الموج، موال على خصر الحجر/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ 1992).