Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Jul-2020

“غبار نار الصاج” يفجر طاقات يوسف الفنية ليرسم بأنامله أجمل اللوحات

 

تغريد السعايدة
 
عمان-الغد-  حينما كان طفلا صغيرا “يحوم” حول والدته البدوية وهي تقلب أرغفة الخبز على الصاج، كان يشاهد بحب تناثر الدخان الأسود على الجدران ليشكل لوحة سوداء من “الشحبار”، فيتراكض يوسف عدينان عندها لتكون أصابعه هي فرشاته وتشكل لوحة فنية جميلة تبقى على ذلك الجدار حتى اليوم التالي.
عدينان الذي يدخل في عقده الخامس من العمر، كانت أمه جمهوره الوحيد، آنذاك، وحتى وقتٍ قريب؛ إذ تحاول جاهدة رغم عدم معرفتها بالفنون، أن تبقى لوحة ابنها في مكانها، لتقوم في اليوم التالي بتغيير موقع الخبز على الصاج، حتى لا تتشوه اللوحة من جديد.
ما كان يجذب نظر عدينان كذلك، أن العصافير في اليوم التالي كانت تقوم ببعض الحركات على الدخان الأسود “الشحبار” من خلال مخالبها الصغيرة، لتخرج برسومات عشوائية جميلة، وهو باليوم التالي يقوم بذات العمل، ولكن بأصابعه الطفولية الصغيرة.
أنامل عدينان وفكره المنير الفطري في الفن، رافقه في كل تفاصيل حياته، في الأرض التي يلعب بها، في المزارع، في المدرسة، على أسوار المنازل، لم يترك شيئاً إلا وأبدع في وضع لمسته الفنية عليها، في الوقت الذي كان فيها آنذاك يجهل أن ما يقوم به هو عبقرية فنية، ربما ساعدته البيئة المحيطة الصحراوية القروية بطبيعتها على أن يجد مدخلاً لتطبيق إبداعه الفني، إلا أن عدم وجود دعم لما يقوم به من فنون كان ربما سبباً في عزلته الفنية فيما بعد.
من التراب والطين صنع أشكالاً ظن الكثيرون أنها حقيقية من مدى إتقانها، على درجه المدرسي، حفر أجمل الأشكال والرسومات، كل ما وقع تحت عينيه كان عبارة عن عمل فني لديه، أبدع في الفن بواسطة انعكاس الضوء، إلا أنه في الوقت ذاته لم يكن عمله الفني ممنهج ومدروس، بل كان عشوائياً بريئاً، ما يزال يرى نظرات الحب والفرح والإعجاب في عيني والدته التي عاث “شحبار” نار الصاج في ثوبها، الذي ربما ما يزال عدينان يبحث عن طريقة ليرسم فيها حبه الكبير له.
 
 
 
بعد سنوات، تخللها بعض الانقطاع عن الفن، والظهور العلني بتلك الفنون، قرر عدينان أن يفجر ذلك الإبداع مرة أخرى، وبطريقة أكثر احترافية، بعد أن شعر ببعض الخذلان من الجهات الفنية التي من المفترض أنها تعمل على دعم الفن والفنانين، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاستمرار، بل عمل على منح نفسه قوة كبيرة في المجال اللغوي والتمكين من المصطلحات العربية الفصحى بطلاقة؛ إذ قرأ “المنجد” لتقوية اللغة لديه، وعمل على تصحيح أخطائه اللغوية والإعرابية، وحفظ ما يزيد على 3 آلاف بيت من الشعر العربي الفصيح.
كما قام عدينان بالبحث والقراءة الكبيرة في مجال المدارس الفنية، على اختلافها، وتطوير نفسه أكثر، إلا أنه رغب في أن ينفرد بالفن من خلال الرسم بالدخان على الورق، من خلال تسليط كمية كبيرة من الدخان الأسود على الورق، ومن ثم الرسم فيها بأصابعه فقط، بدون إدخال أي عناصر أخرى.
 
 
 
عدينان، يرى في ذلك أنه أكثر قدرة على التحكم بالرسم وبلونه المحايد، الأسود، ويبعثر سوادها أنامله، فوق رماد الدخان، لتكون لوحات جميلة نالت استحسان وإعجاب الكثيرين من متابعيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتصل مشاهدات بعض مقاطع الفيديو التي يقوم بنشرها لتوضيح طريقة الرسم إلى مئات الآلاف.
عدا عن ذلك، فقد كان عدينان يرسم الوجود بكل دقة وتفاصيل كبيرة مشابهة للواقع، منذ أن كان يافعاً وفي المرحلة الدراسية المتوسطة، والتي ترك بعدها المدرسة، لعدة أسباب، ولكنه لم يتوقف أبداً عن الرسم، وكان يسمع بعد كل رسمة يقوم بها سواء على الورق أو الجدران أو أي مادةٍ كانت، الكثير من عبارات الدهشة والإعجاب من الناس، مع الإشارة إلى أن عدينان فاز بالمركز الأول على مستوى المملكة في الرسم، من خلال قلم فحم مكسور رسم به لوحة على ورقة.
وفي المدرسة كذلك، يقوم عدينان بإذابة الألوان الشمعية ويقوم بتشكيلها بمجسمات مختلفة تثير الدهشة، نظراً لجمالها، بحسب عدينان. ولكونه طفلا صغيرا لديه القدرة على التشكيل بدون تدريب أو دراسة الفن، وهذا عزز من شعوره بأن لديه بركانا فنيا يجب أن يأتي يوم ويخرج للعلن.
يفضل عدينان الفن المجرد الخالي من الإضافات، والتي تعتمد على براعة الشخص وقدرته على التحكم بما يتوفر لديه لأن يخلق منه حالة فنية، وهو الآن، إضافة إلى الرسم بالدخان، يقوم بإعادة تدوير زيت المركبات المحروق، وبدلاً من التخلص منه، يقوم بتجميعه ومن ثم سكبه على الورق الأبيض، وتشكيل صور فنية غاية في الجمال والروعة، تعبر عن مدى قدرته الكبيرة على الغوص في المكونات لديه وتحويلها إلى لوحة.
 
 
 
يقول “أرغب بتكوين مدرسة فنية خاصة بي وأتمنى أن يصل فني إلى وطني في البداية وللعالم أجمع”، وهو الذي قام خلال زمن قياسي لا يزيد على 27 ثانية فقط برسم لوحة فنية برذاذ الدخان، ليكون مبتكراً في ذلك الفن، وهو الآن يقوم بعمل لوحات ويقدمها للناس ليرى العالم فنه الجديد في الأردن، ويرغب بتطوير نفسه أكثر فأكثر.
يقول عدينان “رغم مرور السنوات، إلا أن أمي ما تزال إلى الآن تتمعن في لوحاتي وتنبهر بها بذات الانبهار الذي قدمته لي في طفولتي على غبار دخان نار الصاج الذي أشعل حب الفن والابتكار والإبداع في قلبي وعقلي حتى أمسى أمرا مرتبطا بكل تفاصيل حياتي التي خرجت منها إلى الآن بفني الذي أسعى فيه لأن أصل إلى العالمية”.