Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Sep-2019

في حي في القدس الشرقية، العطلة الصيفية أصبحت منطقة حرب

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يوفال أبراهام – (مجلة 972+) 22/8/2019
بالنسبة للأطفال في حي العيسوية بالقدس الشرقية، تعني العطلة الصيفية محاولة تفادي الرصاص المطاطي ومشاهدة آبائهم وأشقائهم وهم يتعرضون للاعتقال والإهانة كل يوم.
* * *
عند مدخل العيسوية في القدس الشرقية، يضحك ثمانية أطفال بينما يطاردون بعضهم بعضا في دوائر. أستخرج كاميرا ويشرع بعضهم في التجمع حولي. أكبر طفل في المجموعة بنت تبلغ من العمر 13 عاماً، والتي تخبرني بأنهم يلعبون لعبة “يهود وعرب”. وتسأل: هل تعرفها؟ هناك فريقان: اليهود يطلقون النار على العرب، والعرب يرمون الحجارة. وتنتهي اللعبة عندما يفوز أحد الفريقين.
أنظر إليهم بينما يلعبون، ولكن لا يبدو أنني أفهم القواعد احقاً. إنها تشبه لعبة “العلامة” في الغرب بعض الشيء، سوى أنه بدلاً من وضع اللاعبين علامات على بعضهم بعضا، فإنهم يتظاهرون هنا بأنهم يطاردون ويحتجزون ويطلقون النار على بعضهم بعضا.
يقع منزل الأطفال على الجانب الآخر من الطريق، وهم يلعبون في الشارع خلال العطلة الصيفية. ولكن، منذ أن قُتل محمد عبيد البالغ من العمر 19 عاماً برصاص الشرطة الإسرائيلية هنا في تموز (يوليو)، لم تعد جدتهم تسمح لهم بالابتعاد عن الأنظار.
يشكل الواقع في العيسوية خطراً كبيراً على الأطفال. كل يوم، يدخل العشرات من رجال شرطة الحدود المسلحين الحي “لإثبات وجودهم”، كما يخبرني واحد منهم. ويقوم أفراد الشرطة بتوزيع مخالفات السير وإغلاق تقاطعات المرور الرئيسية، ويتحققون من بطاقات الهوية بشكل عشوائي ويذرعون الشوارع بلا سبب واضح -هكذا تبدأ الأمور على الأقل.
ويكرر الروتين التالي نفسه بشكل عام: يندلع جدال ما، ويرمي أحد المراهقين حجراً على سيارة جيب عابرة للشرطة، ويأتي مجموعة من الضباط للبحث عنه، ويقومون بإلقاء القنابل الصوتية وإطلاق الرصاص المطاطي أحياناً، ويُصاب السكان بجراح ويُعتقلون. ويحدث هذا كل يوم تقريباً.
يستطيع المرء أن يكتب بإسهاب عن هذا الواقع البائس، الذي ينبع من رغبة إسرائيل في مواصلة سيطرتها على القدس الشرقية من دون منح سكانها الفلسطينيين حقوقاً وطنية.
في الساحة الرئيسية بجانب مسجد أبيض أنيق، يطلب مني ثلاثة أطفال أن ألتقط لهم صورة. ويمر طفل آخر، محذراً إياهم ولافتاً إلى ضرورة التحقق من المكان الذي أتيت منه، للتأكد من أنني لست شرطياً سرياً، وأنني لا ألتقط صوراً لهم لكي أعتقلهم لاحقاً. ومن بين الثلاثة، يبدو أن عامر، البالغ من العمر 12، عاماً يستمتع برواية القصص بشكل خاص. عادة ما يكرر الأطفال عموماً عبارات يسمعونها من الذين أكبر منهم، لكن عامر مختلف. ويبدو أن ذكرياته له وحده، وهي مليئة بالتفاصيل الدقيقة.
يقول عامر أنه سمع، قبل أسبوعين، طرقاً على بابهم الأمامي في الساعة الثالثة صباحاً. كان يعاني من مشكلة في النوم منذ أن توفي جده بسبب سرطان البنكرياس قبل شهر، وكان قد أغفى أمام الكمبيوتر بينما يلعب “فورنتيت” في غرفة المعيشة. نهض عامر عن الأريكة وفتح الباب ورأى 10 رجال يقفون هناك وينظرون إليه بهدوء. ويقول وهو يبتسم بخجل: “اعتقدت أنهم جاؤوا لإصلاح الصرف الصحي”. عندما دخل الرجال، وهم جنود يرتدون ملابس مدنية، إلى المنزل لإلقاء القبض على شقيقه البالغ من العمر 16 عاماً، لم تكن لدى عامر أي فكرة عما يجب أن يفعل. أخرج هاتفه وبدأ بالتقاط الصور. وارتجفت يداه بشدة حتى أن الصور كانت مهزوزة وغير واضحة.
تستمع عرين بينما يروي عامر قصته. سوف تبدأ الصف الرابع في العام الدراسي المقبل. وقبل أن أقابلها ببضعة أيام، كانت تجلس مع والدها في متجر صغير عندما دخل ضابط شرطة وطلب الهويات. كان والدها قد ترك بطاقة هويته في المنزل، فأخذه الضابط إلى محطة الشرطة. لكن عرين، التي كانت تعرف أين يحتفظ والدها ببطاقته، قررت الركض إلى المنزل وجلب البطاقة إلى المتجر. وتقول أن جسدها كله كان يحترق وهي تركض. وفي الوقت الذي عادت فيه، كان والدها قد اختفى.
تستدير رؤوس الأطفال الصغيرة كلها مرة واحدة لدى مرور سيارة للشرطة في الجوار. ويقول عامر: “أعتقد أنهم وصلوا”، وبدا أن شيئاً في داخله يشرع في التوتر. وبعد بضع دقائق، يرسل والد عرين لها رسالة يطلب منها فيها العودة إلى المنزل.
“لا يوجد طفل واحد في الحي لم يُصب بالصدمة والروع خلال الأشهر القليلة الماضية”، يخبرني أبٌ آخر بينما يختبئ ابنه البالغ من العمر عامين، واسمه عامر أيضاً، خلف والده بخجل. أحاول أن أضرب كفي بكفه، لكنه لا يريد. ويقول والده إنه قبل شهر، أطلق ضباط الشرطة قنبلة صاعقة على مدخل منزلهم بالضبط بينما كان يخطو هو وعامر إلى الخارج. وما تزال علامات القنبلة ظاهرة على أرضية موقف السيارة.
ويقول الأب: “أغمي على عامر على الفور. وأخافني ذلك حتى الموت. أردت أن آخذه إلى المستشفى، لكن الضابط الذي أطلق القنبلة صعد إلينا، وأمسك الطفل من قدميه، ورش الماء عليه حتى استيقظ”. ومنذ ذلك الحين، كما يقول الأب، أصبح عامر يبكي كل مرة يرى فيها ضباط الشرطة أو يسمع الانفجارات. وحتى أصوات السيارات تجعله ينفجر في البكاء. وفي الآونة الأخيرة، بدأ الأب بأخذه إلى طبيب نفساني.
يقول عمر عطية، الذي يرأس منظمة غير حكومية تدعم أطفال الحي، إن حي العيسوية موطن لنحو 22.000 شخص، 6.420 منهم من الأطفال الذين يقضون الآن العطلة الصيفية. وكنتُ أتصل به وهو في طريقه إلى يافا مع عائلته لقضاء عطلةعيد الأضحى.
قال لي: “إنني أهرب من العيسوية، يا يوفال. لا يستطيع المرء أن يتواجد هناك خلال العطلة. إنه لأمر محزن للغاية. كانت هذه العطلة دائماً يومي المفضل في السنة منذ كنت طفلاً -كنت أرتدي ملابس جديدة، وأفردها على السرير في الليلة السابقة، وأشارك في تزيين الحي،وألهو في الشارع، وأشعر بالسعادة. ولكن هذا العام، كل من يملك القدرة يذهب إلى مكان آخر للاحتفال. لا يريد الآباء أن يكون أطفالهم في الشوارع. الناس في حالة حِداد. خلال الشهرين الماضيين، لم أر معظم الأطفال في الشارع. الجميع يظلون في الداخل. الطفل لا ينسى التجارب الصعبة، هل تفهمني؟ هذا الوضع يجعل الكراهية تنمو في قلوبهم”.
ويواصل: “لماذا لا توجد أرجوحة واحدة في العيسوية؟ لماذا لا يوجد مقعد واحد تحت الظل؟ لماذا لا تدعم البلدية أي أنشطة أو معسكرات صيفية؟ نحن لا نعرف إلى مَن ننتمي. من ناحية، يريدون منا أن نقبل بوجود الشرطة هنا كما لو أن كل شيء على ما يرام، ولكن من ناحية أخرى، نحن لا نهُمّ ولا نعني شيئاً في نظر القانون”.
بينما أتحدث مع الأطفال، يحدث انفجار. وتُسرِّع امرأة شابة تسير أمامي مع ابنتها من خطواتها. إنها قنابل صاعقة، كما تقول. أسير نحو مصدر الصوت، وتمتلئ الشوارع بالعشرات من رجال الشرطة شبه العسكرية الأكثر شبهاً بالجنود والمحاطين بعدد قليل من الأطفال. ويتبادل ضابطان القنابل الصاعقة صاعقة.
“إنهم يرمون الحجارة هنا، لا يمكنك الوقوف هنا”، يصرخ أحدهم عليَّ عندما أشرع في التقاط الصور. تنفجر قنبلة أخرى. يجفّ فمي كلما شاهدت العنف. أرفع الكاميرا وأتذكر كيف ارتجفت يد عامر عندما قام بنفس الحركة بالضبط عندما كان الجنود في بيته. التوثيق مهم. أخبرني عدد من السكان مسبقاً أن الشرطة تكون أقل عنفًاً عند وجود كاميرا. وقد شاهدت هذا بأم عيني.
يأخذني أحد السكان إلى منزله باستخدام طريق جانبي حتى أتمكن من متابعة تصوير رجال الشرطة من شرفته. أرى آباء يركضون مع أبنائهم من أمام أسلحة الشرطة المُشرعة. يضرب ضابط ببندقيته أحد السكان الذي يحاول الوصول إلى منزله. فوضى. من الشرفة أسمع صوت طفل رضيع يبكي من الداخل. يمشي الأب إلى الشرفة وهو يحمل ابنته التي اسمها جولي. وخلفها في الشارع في الأسفل، يقيم أحد الضباط نقطة تفتيش مؤقتة، بينما يطلق شرطي آخر رصاصتين مطاطيتين على المنزل الذي يتم إلقاء الحجارة منه. تشرُع جولي في البكاء مرة أخرى.
يهبط الليل وتغادر الشرطة. سوف يعودون قبل الصباح. أعود إلى الساحة الرئيسية وأرى عامر الذي يبدو سعيداً لرؤيتي ويسألني عما إذا كنت أود أن أسمع عن الأقبية السفلية حيث يستجوب الشاباك الفلسطينيين، أو عن اليوم الذي قُبضَ فيه على جده. كلا، أقول له. في وقت اخر.
“من أين أنت؟” يسألني.
“أنا يهودي”. أجيبُ. “ولدت في بئر السبع”.
تتسع حدقتاه. “إذن كيف تعرف اللغة العربية؟”.
أتردد، وأخبره أنني عربي يهودي.
“ما هو هذا”؟ يسأل، ويتدخل صبي آخر يستمع إلى حديثنا، ويقول: “إنهم يهود تعلموا اللغة العربية، وهم معنا”.
يحدّق عامر بي. “أوه، وإذن، هل أنت معنا أم معهم”؟ وأتردد، مرة أخرى.
“هل هناك خيار ثالث”؟ أسأل.
“لا أعرف”، يقول عامر. “لستُ متأكداً”. وهكذا، ألوذ أنا بالصمت.
 
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: In one East Jerusalem neighborhood, summer vacation has become a war zone