Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Apr-2021

في “الشعر الأردني المعاصر” للمؤلف محمد الحيصة.. رؤية إنسانية وقضايا اجتماعية

 الغد-عزيزة علي

 يقول د.محمد الحيصة، في مقدمة كتابه “الشعر الأردني المعاصر.. مضامينه الإنسانية، وتشكيلاته الفنية”، الذي طبع بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، وصدر عن دار المعتز للنشر والتوزيع، عمان، كل الدراسات عنيت بالنزعة الإنسانية في الشعر، إلا أن الشعر الأردني لم ينل حظا وفيرا من هذا الاهتمام، ولم يعثر الباحث على دراسة شاملة مستفيضة عنيت بالنزعة الإنسانية في الشعر الأردني المعاصر.
وقد تناول المؤلف، في كتابه الذي جاء في أربعة فصول، مع تمهيد، مفصلا عن الإنسانية والإطار والمفهوم، وآراء علماء الفلسفة والمنطق الذين حاولوا أن يضعوا إطارا لمفهوم الإنسان والإنسانية، كما تضمن التمهيد نماذج إنسانية من الشعر العربي القديم والشعر العربي الحديث.
ويتحدث الفصل الأول عن الرؤية الإنسانية في الشعر الأردني المعاصر، حيث تضمن الحديث عن القضايا الإنسانية الاجتماعية، التي عالجها الشعر الأردني من خلال وقوفه على الآفات التي تهدد المجتمع، كالفقر، والطبقية، ومحاربة الإقطاعية، كما يتحدث عن القضايا الإنسانية القومية، ووقف الشعراء على مشكلات الإنساني العربي، لا سيما معاناة اللاجئين وبؤسهم.
فيما يتناول الفصل الثاني القضايا الإنسانية العالمية، إذ سلط الشعراء الضوء على مشكلات الإنسان دون النظر للحدود والقطرية الضيقة، وتحدث أيضا عن معالجة القضايا الإنسانية الذاتية، التي تمثلت بموقف الشاعر من الموت والمصير، فضلا عن موقفه تجاه المدينة الضاغطة على حياة الإنسان، وقد ارتبطت تلك المضامين برؤية إنسانية شمولية وإن اختلفت مواضيعها، فيما يتناول الفصل الثالث التشكيلات الفنية في القصيدة الإنسانية الأردنية، والبنية اللغة الشعرية، وتوظيف التراث، بينما تحدث الفصل الرابع عن تشكيل الصورة الشعرية، والتشكيل الموسيقى للقصيدة التي اشتملت على النزعة الإنسانية.
وعن الهدف من هذه الدراسة، يقول الحيصة: “هو الوقوف على الرؤية الإنسانية في الشعر الأردني المعاصر، والكشف عن أبعادها، وذلك من خلال المضامين الإنسانية التي اشتملت على النزعة الإنسانية، كما تسعى الدراسة الى الكشف عن العلاقة بين المضامين الإنسانية، والتشكيلات الفنية والأسلوبية، التي عمد إليها الشارع في تشكل نصه الشعري”.
ويشير المؤلف الى أنه اعتمد في هذه الدراسة على منهجين هما المنهج الاجتماعي والمنهج النفسي في دارسة المضامين الإنسانية، لما لهذين المنهجين من أثر واضح في تحليل النماذج الشعرية، لاسيما أن الشعر الذي يعالج القضايا الاجتماعية يطلق عليه الأدب الاجتماعي، فضلا عن المنهج النفسي الذي يرتبط بالجانب الإنساني ارتباطا وثيقا، وبخاصة عند معالجة القضايا الأنانية الذاتية التي تقع داخل أنا الشاعر.
وعن الجانب الشكلي، يوضح الحيصة أنه اعتمد على المنهج الأسلوبي في تحليل النصوص الشعرية، والوقوف على تشكيلاتها الفنية وإبراز قيمها الجمالية، والكشف عن أبعادها الدلالية، وعن العلاقات القائمة بين التشكيلات الفنية والرؤية الإنسانية، التي تكشف عن حصافة الشاعر ووعيه عند كتابة نصه الشعري.
وفي خاتمة الدراسة، يرى المؤلف أن تسمية الأدب الإنساني لم تأت لأنه يصدر عن الإنسان فحسب، بل إن تلك التسمية تطلق على الأدب الذي يخاطب الوجدان الإنساني، ويسعى لنشر القيم والأخلاق النبيلة التي تدعو إلى نشر الحب والإخاء الإنساني، ونبذ كل مظاهر العنف والدمار الذي يخلف على الإنسان الويلات والنكبات، كما أنه يسير باتجاهين؛ اتجاه يقع خارج دائرة الأنا الشاعرة، حيث يسلط الضوء على المشكلات الإنسانية والقضايا العامة، كالقضايا السياسية والاجتماعية وغيرها، التي يتحدد فيها صوت الشاعر بصوت الجماعة، وذلك من خلال معالجة القضايا الذاتية كالموت والمصير والزمن والمدينة.
كما يشير الحيصة الى أن الشاعر الأردني كان مدركا لمخاطر الآفات الاجتماعية، لذلك سلط الضوء على تلك المشكلات التي تعصف بالمجتمع، وذلك نابع من إيمانه المطلق، أن تلك المشكلات تقف حائلا دون تقدم المجتمع وتطوره، وقد كان من أبرز القضايا الاجتماعية التي عالجها الشعراء، مشكلة الفقر وما ينتج عنها من مشكلات أخرى كالطبقية والإقطاعية.
ويؤكد المؤلف أن الشاعر الأردني لم يغفل عن القضايا القومية العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين، فكانت حقلا خصبا يستمد منها الشاعر ما يثري تجربته ويغنيها، وقد وقف الشعراء الأردنيون على المشكلات الإنسانية القومية، بمشاعر إنسانية تنصهر بعذابات المشردين والنازحين، كما سلطوا الضوء على صورة الآخر الذي يفتقد للقيم الإنسانية، وذلك من خلال ارتكاب أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وقد كانت القضية الفلسطينية المشكلة المحورية التي توالدت منها مشكلات الإنسان العربي، ووقف الشعراء على تلك المشكلات من خلال تصوير بؤس اللاجئين ومعاناة التشرد والضياع.
وينوه الى أن الشاعر الأردني لم يقف أيضا عند حدود معالجة القضايا الإنسانية القومية فسحب، بل وقف في صفوف الشعراء الإنسانيين الذين نددوا بالحروب التي لا تخلف إلا الدمار والويلات، ودعا المجتمع الإنساني لنشر المحبة والعيش بسلام. وقد جاء ذلك في معالجته القضايا الإنسانية العالمية، وذلك من خلال الوقوف على المشكلات التي تقع خارج الحدود العربية، كتدمير برلين، وغزو كوريا، والحرب الأميركية الفيتنامية.
ويؤكد الحيصة أن الشاعر الأردني لم يقع خارج دائرة الذات الإنسانية الشاعرة، وذلك في معالجة القضايا الإنسانية الذاتية التي تلامس وجدان الإنسان، بدا ذلك واضحا في معالجة ثنائية الحياة والموت، والمصير المؤرق المجهول، ومشاعر الاغتراب والضياع، من خلال موقفه تجاه المدينة، ذلك المركز الحضاري الذي فقد فيه الإنسان إنسانيته، وقد لامست القصيدة الأردنية التي اشتملت على النزعة الإنسانية وجدان القارئ، وذلك لما تشتمل عليه من رؤية إنسانية هي طموح كل إنسان حر نبيل، فالدعوة للعيش الكريم والحياة بحرية ونشر المحبة والسلام، مطلب فطري لكل ذي عقل سليم.
ويخلص المؤلف الى أن التشكيل الفني للقصيدة الإنسانية، غلب على القصيدة الأردنية لشعراء الجيل الأول، النبرة الخطابية والصفة التقريرية في معالجتها للقضايا الإنسانية، فجاءت قصائدهم أشبه ما تكون برسالة إنسانية، تدعو الى نبذ مظاهر العنف والدمار، وأشكال القهر والظلم والطغيان، أما الجيل الثاني وما بعده فقد حققوا رؤية إنسانية عميقة في نظرتهم للحياة والكون والإنسان، وابتعدت القصيدة عن الصفة التقريرية لتنفتح عن القراءة والتأويل.
وقد اتكأ على تشكيلات فنية تكشف عن رؤية إنسانية شاملة، وعن أبعاد دلالية في تعميق صورة الحاضر المنكسر، وجاءت التشكيلات الفنية والظواهر الأسلوبية منسجمة مع رؤية الشاعر الإنسانية، التي حملت عبء التجربة وأخرجت القصيدة من الآنية والمحدودية لتنفتح على الزمان المطلق، فظهرت جمالية التشكيل الشعري في القصيدة الإنسانية الأردنية من خلال اتكاء الشاعر على تشكيلات فنية ممثلة برموز الرفض والتمرد من التراث القديم والرموز المعاصرة، ما يشير الى اتساع التجارب الشعرية واتحادها.