الغد-يديعوت أحرونوت
عيناف شيف 19/1/2022
في العقد الأخير في إسرائيل، وبقوة أكبر في السنوات الأخيرة تحت الفوضى السياسية (في البلاد وفي العالم)، أصبح الخوف من “نهاية الديمقراطية”، رد فعل شرطيا. تصريحات قانون لا تجاز حتى بالقراءة العاجلة تعابير ضد حماة الحمى طليت بغطاء رقيق، تحقيقات تكشف مؤامرة في كل بريد الكتروني -تقريبا كل شيء يمكن أن يصنف تحت عنوان “عاصفة” يحدد بشكل عجيب كـ”لم يسبق لمثل هذا أن حصل” في الطريق الى تغيير وجه النظام كما عهدناه.
الخطر في هذا النص؛ أي فضلا عن فقدان سواء العقل الذي ينطوي عليه الاستخدام المهووس لمضامين معينة هو أننا لن ننجح في أن نشخص السياقات والأحداث التي تمس حقا بالحقوق وبالحريات. ليس في المستقبل البعيد وليس في ظروف غير معقولة. الآن، مثلا اللحظة التي استخدمت فيها دولة إسرائيل، بخلاف كل ديمقراطية أخرى في العالم، أداة متطرفة لمكافحة العنف من جانب جهاز الأمن العام لملاحقة مواطنيها. أو حين أيدت الحكومة كلها بأجنحتها اليمينية واليسارية، قانون وزير العدل الذي يسمح للشرطة بدخول المنازل من دون أمر قضائي. واضح تماما في أي جانب من المتراس آنف الذكر ينتمي كشف تومر غانون، أمس، في “كلكليست”، وبموجبه اشترت الشرطة بل واستخدمت برنامج “بيغاسوس” ضد مواطنين لم يكونوا مشبوهين في شيء (وبينهم متظاهرون سياسيون)، أو ممن اشتبه بهم ولكن ليس للمستوى الذي برر أعمال تحقيق شرعية. وكل شيء، ظاهرا، دون رقابة المحكمة.
وحتى قبل الشرعية الصحفية، كان معروفا أن NSO الدمية المفسدة التي طورتها لم تكن زرعا غريبا في الحاضر الإسرائيلي.
NSO، التي تشهد الآن انهيارا مدويا من النوع الذي يسهل جدا على الناس التنكر لها بسبب كونها حفنة غبار مزعجة وليس رأس حربة فخار السايبر، ليست عشبة ضارة نبتت جانبيا. NSO، بما في ذلك عبر خلفية رجالها والمؤسسات التي اكتسبوا فيها علمها، هي كائن عضوي يحمل الشحنة الجينية للمنظومة، وعليه فإنه يفهمها أفضل من الجميع. وحتى قبل أن يكون واضحا، لكل من وقف في الثغرة بأن محافل إنفاذ القانون المدنية تحوز قوة هائلة تستوجب رقابة متشددة وبالأساس شك لا نهاية له.
لكن حتى لو لم يكن هذا سيناريو غير معقول، فإن تداخل المصالح بين NSO والشرطة ما يزال تجسدا لكابوس هذه الأزمنة: من جهة، شركة تكنولوجية تبيع سلاح دمار شامل للخصوصية. من جهة أخرى مؤسسة تفويضها يسمح باستخدام العنف لأجل الحفاظ على النظام، ولكنها أيضا ضعيفة ومردوعة بعد سنوات من المهام المضنية، التعفن التنظيمي والخنق السياسي. وها هي، قدرات شركة غير مسؤولة وضائقة شرطة عديمة الآثار ارتبطت معا كي تثبت بأن إسرائيل قريبة أكثر بكثير من جيرانها مما كان يخيل.
رغم أن NSO اشترتها الشرطة في عهد المفتش العام يوحنان دنينو، يبدو أن من دفع نحو استخدام أوسع لبرنامج “بيغاسوس” سيئ الصيت والسمعة كان من حل محله روني ألشيخ. مفاجئ حقا أن نسمع بأن نائب رئيس الشاباك سابقا لم يفهم من أجل ماذا يضيع الوقت على جمع بينات أو تحقيقات شرعية عندما يمكن أن تستخدم على سكان إسرائيل تكتيكات من مجال السيطرة على الفلسطينيين. بالمناسبة، هذا ما يقصد به حين يقال “احتلال”: فهو يزحف من مكان الى آخر، غير بعيد عن العين ولكنه بعيد بما يكفي عن القلب الى أن يصل اليك الى “واتس اب”. كما أنه من المفارقة التفكير كيف أنه في حينه في 2015، هزئوا في اليمين من تخوف محافل في اليسار من تعيين مفتش عام تشكل في مملكة الشاباك الظلامية. وبالمقابل، في اليسار وكذا في محافل واسعة في وسائل الإعلام تعلموا كيف يقعوا في محبة قاطرة تحقيقات نتنياهو، في ظل تجاهل أحداث مقلقة وقعت في ورديته في الزمن الحقيقي.
هي خط الفصل في صناعة منفلتة العقال، ومشكوك أن تكون هذه هي الكلمة الأخيرة عن أفعالها في الطريق الطويل والمبارك الى الأسفل. فطيف فضائح الشرطة مليء كالمعتاد، من مناورات العلاقات العامة التمثيلية وحتى المكتشفات الصادمة في لجنة التحقيق في المصيبة في جبل ميرون. ولكن هذه القصة أكبر من كليهما، تشير الى أن الدراما ليست هي الصدام المحتم بين الدولة وبين شركات التكنولوجيا بل التعاون بينهما. وهذا، إذا ما عجبتم، هو الإمكانية الكامنة الأكثر حقيقية في أيامنا لوضع “نهاية الديمقراطية”.