Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-May-2020

الكاتب وتغيير نصوصه باختلاف الطبعات… حرية وتطور وعي أم تزييف؟

 القدس العربي-علي لفتة سعيد

دائما ما يقرن النص الأدبي الأول، الذي أنتح قبل سنوات، على إنه يحمل بصمة المراهنة والخطوة الأولى والفرحة الكبرى للكاتب، ولكن هناك البعض من الأدباء، وبعد تقدم التجربة، يحاول إعادة صياغة النتاج الأول، سواء من حيث التدوين أو الإضافة أو التصحيح، وأيضا تغيير العنوان، وهو ما يعني ترتيبا من نوع آخر ورؤية من نوع جديد، لنصّ أنتج قبل سنوات قد تمتد إلى عقد من الزمن. لذا يكون السؤال: هل من حق الكاتب أن يغيّر ما أنتجه قبل سنوات، وأن هناك جيلًا آخر يمكن أن يقرأ النص الجديد بطريقة أخرى؟ أم أن الأمر انتهى مع النتاج الأول، ولا يحقّ للمؤّلف إعادة الإنتاج مهما كانت الأعذار؟
 
تغيرات الأفكار والرؤى
 
الناقد والأكاديمي الأردني عاطف الدرابسة يقول.. من حيث المبدأ يحقّ للكاتبِ أن يتصرّف بكل ما يكتب، ومن حقه أن يعيد النظر في ما يكتب، ومن حقه أيضا أن يقدّم رؤية جديدةً، ووعياً جديداً، غير أن الأمر الذي ينبغي أن نقف عندَه نقديا؛ يفرض علينا أن ننظر إلى المسألة وفق مفهوم تاريخِ الأفكار، ووفق مفهوم التجربة واللّحظة. إن أيّ عملٍ أُنتجَ قبل سنواتٍ عشر أو أكثر، هو عمل يستجيب للّحظة، سواء أكانت شعورية أو تاريخية، بمعنى أن أي عملٍ أدبي ما هو إلا لحظة استجابةٍ للشروط الموضوعية أو التاريخية، أو الشروط الشعورية، فضلا عن شروط الذّوق .وحين يُعاد إنتاج النصِ مرّةً أُخرى فإن هذه الإعادة تكون بمعزلٍ عن شروط الاستجابة ومثيرات اللّحظة وأسباب التجربةِ. إن أيَّ عملٍ أدبي، ينظر إليه نقدياً من زاويا ثلاث: الكاتبِ بوصفهِ منتجَا أو مرسلا، والنَّصِ أو الكتاب بوصفه مُنتجا (رسالةً) والقارئ بوصفه متلقِيا. وقد بات معروفا أن نظرية القراءة باتت تتعامل مع النَّص والقارئِ بمعزلٍ عن الكاتب؛ فالقارئ هو وحده القادر على إنتاجِ المعنى، وكلّما تعدّدت القراءات تعدَّدت المعاني، وهنا لا بد أن نشير إلى القارئ المفترض، فهل هو قارئ عليم، أم متذوق للأدب، أن قارئ جماهيري؟.إنّ قيمة القراءة مرتبطة على نحو وثيق جداً بوعي القارئ ومستويات هذا الوعي، مع الأخذ بعينِ الاعتبار ارتباط الوعي بالذّائقة الأدبية، فضلا عن ارتباطه بمرجعيات القارئِ .وأما العمل الأدبي فهو لم ينشأ من فراغٍ، وإنّما انبجسَ من عقل كتابيّ، فلكل كاتب مرجعياته التاريخية والفلسفية والعقديَّة وهي مرجعيات تحتجب وراء النص، لذا فإعادة إنتاجِ النّص مرةً أخرى قد يكشف عن تغيراتٍ حقيقيةٍ في عقلِ الكاتب، فتنعكس هذه التغيّرات في بِنية النص الأصلي، ما يعني أننا إزاء نصين أو عملين مختلفَين على مستوى الرؤى والأفكار، وعلى هدي من هذه الفكرةِ فإننا نقديا يمكننا أن نرصد جملة التحولات الأسلوبية والمنهجيّة والرؤيوية، التي طرأت على عقليَّة الكاتب، وهنا يمكننا أن نفتح بابا جديداً في النَّظريةِ النقدية، حين ننظُر إلى العملين: الأصلِ والمعدّل عندها يمكننا أن نرصد تطور تاريخِ الأفكار وتطور الوعي وتطوّر الذّائقة، واختلاف شروط التلقي وشروطِ القراءة.
 
البراءة العلمية
 
أما الناقد الجزائري حمام محمد فيقول.. إن صناعة النص يرى من منظور إبداع عقلي خلاب، وتفكير جوهري أساسه الرؤية الاستشرافية، لما يتم تناوله من موضوعات داخل النص، يعتد به في ما مضى على إنه نصّ رصين، اكتسب عدة مقومات من واقع كان مفهوما بصورة سهلة لدى الكاتب، ما يجعل إيمانه بهذا النص يرتقي إلى مستوى أعلى من الكتابة، سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعاتية، وحتى لو تقدم به العمر، فهو يبقى مرتبطا لما كتب وفق نظرتين.. الأولى يؤمن بأن منطق تفكيره كان أقوى في الماضي بمقارنة ما يكتب في الحاضر، تنفتح علاقة ترابطية بينه وبين النص الذي كتبه قبل 10 سنوات، وإن أضاف له شيئا فربما لا يستطيع أن يبدع فيه بتلك النظرة البسيطة التي أخرج بها نصه. والنظرة الثانية إنه سيخجل من أخطائه ويراه غير مرتبط ومحشوا وركيكا، وفي بعض الأحيان يراه مسروقا، أجدني بين ضالتين.. أما الأولى فيبقى النص على جماليته لا يعوزه إلا تغيّر الشكل المندمج مع حضارة وتقدم الرقي والتكنولوجيا، وليتركه كما هو، لأنه كتب بأول نظرة لواقع لم يكن فيه الزخم التكنولوجي وكثرة المظاهر والتردي والرقين، واقترح أن يكون الكاتب في شهرته من أول نص كتبه.. لأني أرى منطلق البراءة العلمية وليس من كتابات متكررة.
 
فقدان المصداقية
 
ويقول الكاتب والمترجم العراقي أحمد فاضل.. تذكرني هذه الإشكالية بالكاتب الأمريكي الراحل فيليب روث، عندما تقاعد عن الكتابة عام 2010، فسأله أحد الصحافيين :ماذا ستفعل سيدي وقد تركت الكتابة بلا رجعة؟ فكان أن أجاب «سوف أعيد مراجعة ما كتبته سابقاً، لكنني لن أغير حرفاً واحداً منها».
فكيف وهناك العديد من الكتاب الأحياء الذين بقوا على ذمة الكتابة، يحاولون تدوير كتاباتهم، وكأنهم يحاولون إضافة ما نسوه أو ما استجد من جديد لصالح ما قرأوه، خاصة وهم يحاولون إصدار كتبهم بطبعات قد تصل إلى أكثر من 6 طبعات، يقولون إنها مزيدة ومنقحة، وهذا ما يفقد الكاتب مصداقيته في ما كتبه، إلا في حالة نفاد طبعات كتابه، لرغبة الناشر في إعادة طباعته، بدون أي إضافات، وللناقد الفرنسي الراحل رولان بارت مقولة رائعة تقول:» إن كل ما يكتبه الكاتب يرثه القارئ» وهذا القول يدحض الكثير مما يَقْدمُ عليه كُتابنا، حينما يجاهرون بتدوير كتاباتهم وتغيير آرائهم، كما نشاهد ونقرأ لهم الآن .فالكاتب يجب أن يحرص كل الحرص على كسب القارئ من خلال الثبات على كتاباته، الذي يعكس بالضرورة ثباته على مبادئه أيضاً، تلك التي لا تتغير بتغير الأيام. فالإبداع الحقيقي لا يكرر نفسه، بل يبحث عن طرائق جديدة تواكب العصر حتى لو تخالط مع الخيال، من هنا يجب على الكاتب التوقف عن تقليب أوراقه القديمة، كالتاجر الذي خسر تجارته فراح يبحث في دفاتره المركونة على الرف من زمان.
 
التعديل والمرحلة
 
ويرى الناقد العراقي علي البدر، إنه عندما يُنشر النص وفق ظروف معينة، فإن الناقد أو المتلقي عموما عليه التقييم ضمن المرحلة، وله الحق في إبداء رأيه به، لأنه مكتوب إليه. وهذا بالطبع لا يلغي امتلاك الكاتب لنصه، وعليه فمن الممكن إعادة صياغته ضمن المرحلة، أو تعديله أو كتابته برؤية جديدة. وهذا لا ينطبق على القصة أو السرد فقط، وإنما على الكثير من النظريات العلمية والأدبية. ولدينا مثال قريب بخصوص نظرية موت المؤلف عند بعض النقاد، حيث تغيرت عندما وجدوا استحالة إخراج الكاتب عن نصه، ومطالعة مؤلفات دريدا ورولان بارت وتودوروف تبين التفاصيل بخصوص البنيوية، وما بعد البنيوية التي تطورت إلى الطريقة التفكيكية في النقد الأدبي. كذلك بالنسبة إلى إنكار الشعر الجاهلي، حسب اجتهاد طه حسين، حيث تراجع عنها لاحقاً. وفي علم النفس بالنسبة لسجموند فرويد حول علاقة القلق بالكبت، أيهما الأسبق. وأخيرا التعديل على النظرية الماركسية واستحالة تطبيق النظام الشيوعي، حيث تلغى السلطة ويدير الشعب نفسة، لأنه وصل إلى أقصى مراحل النضج .وعليه فالأدب يعتبر عالماً قائماً بذاته لأنه لا يقوم على فوضى وإنما على جملة قوانين تتغير حسب معطيات الزمن.
 
التخلف الأدبي وقدسية اللغة
 
الروائي الجزائري سمير قسيمي، يعتقد أن فكرة إعادة كتابة رواية ما، من قبل صاحبها، لا تثير أي إشكال إلّا في الوطن العربي، ففي الغرب يعتبر الأمر عاديا حتى بإضافة وحذف فصول بكاملها، بل يمكن تغيير العنوان بلا أدنى مشكل. في الوطن العربي، نعتقد بسبب قدسية اللغة، أو ما نعتقد أنه مقدس منها، إن فعل ذلك يعد خيانة النص واحتيالا على القارئ، وهو إشكال يجب بحثه بسبب لا معناه، الكتاب ملخص خالص لمؤلفه، يفعل به ما يشاء، حتى الاستعانة بالفكرة فقط، وإعادة كتابة العمل كاملا، ليعتبر تأليفا جديدا. يجب أن نعترف بتخلفنا الأدبي أيضا، وهو تخلف للغرابة يصنع فخر البعض، بل يصنع رضاهم أيضا. إن الذي يقرأ لي الآن كان قبل عشرة أعوام مجرّد طفل، أو ربما لم يكن من قرّائي، فكيف يعقل أن يجد الآخرون إشكالا في إعادة توجيه كتابي إليه، وكيف يحق لأي كان أن يتصور أن يملك حق إبداء الرأي في ما أفعل بأعمالي؟
 
التغيير المشروط
 
ويقول الروائي المصري أشرف الخضري.. بشكل شخصي؛ أحصر تعديل النصوص القديمة في إطارين اثنين؛ الأول على مستوى الأسلوب، والثاني حذف الفقرات الملغومة، خاصة التي يعتبرها الكثيرون مشاهد إثارة جنسية داخل النص؛ أو المساس بقيم دينية ثابتة. فالكاتب بعد مرور السنوات عند قيامه بإصدار طبعة جديدة سيقوم بحذف تلك السطور؛ وبعد تأمل النص بعد الحذف سيرى أن الشرط الرابع من شروط الفن، وهو الضرورة لم يختل .أما مسألة قيام الكاتب بإضافة وتعديل النص القديم وتطويره فنيا وبنائيا، بإضافة فقرات وفصول وأفكار أكثر وعيا، لتصحيح مسار الرؤية داخل النص، فيعتبر هذا الأمر من وجهة نظري تزييفا. لذلك أرفض ككاتب التلاعب في نص قديم خارج إطار التدقيق اللغوي والإملائي وبعض الهنات الأسلوبية.