Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Sep-2019

ما الذي يريده المعلم الأردني؟ وهل سدُّ رمقه بات فوق قدرات الدولة؟ وهل لجوؤه للاعتصام والإضراب بات جريمة؟

 راي اليوم-عرار الشرع

امتلأت عمان وسدت منافذها، وحرم معلمو الوطن من تنفس الحرية، اختصار لمشهد الخميس الذي أجمع المراقبون على أنه أثبت فشلا ذريعا للحكومة في التعاطي مع مطالب واحد من أهم القطاعات في الأردن، فالمعلمون لم يحملوا سوى مطالبهم وحزنهم على أوضاعهم لتواجههم الهراوات والقنابل المسيلة للدموع، وقوات نوعية لا تعليمات لها سوى التصدي لهذه الجموع التي هي منهم وهم منها.
أزعم أنني من بيت تربوي، فوالدتي بدأت التدريس في إمارة شرق الأردن سنة 1943، ووالدي قبل أن يكون موظفا حكوميا كان معلما لأكثر من أربع عشرة سنة في واحدة من أعرق مدارس إربد “العروبة”، وشقيقتي من أوئل خريجات اللغة الإنجليزية ومعلمة لأكثر من ربع قرن، لم يمنعهم دخلهم المحدود، من إفناء أنفسهم لخلق جيل واع، مثقف قبل أن يكون متعلما، وتلك الرسالة ما زال معلمو الأردن يحملونها على أكتافهم لكن الحال غير الحال والزمن غير الزمن.
فقبل ستة عقود لم تكن الحكومات واهنة، ولم يكن ديننا أكثر من دخلنا، ولم تكن هناك سلطة لصندوق النقد علينا، وكان الطالب المحتاج أحق من الطالب الميسور، لكننا في زمن يجري المعلم خلف قوت يومه براتب لا يكاد يكفيه، ليندفع نحو خيارات هو أو هي في قرارة النفس يكرهونها، لكن المضطر يركب الصعب.
طلاب أكبر من قدرة المدارس الاستيعابية، وأخرى للاجئين، وثالثة كانت في يوم من أفضل معاهد العلم في الأردن، هي مدارس وكالة الغوث التي تصارع الإرادة الأميركية والإسرائيلية لقتلها، وغلاء وفقر يصل إلى حد الفاقة، ظروف مجتمعة تحارب المعلم ليضاف إلى هذا العبء الرهيب تهاون الحكومات وتملصها من وعودها.
ما الذي يريده المعلم؟ وهل سد رمقه بات فوق قدرات الدولة؟ وهل لجوؤه للاعتصام والإضراب بات جريمة؟.
رسميا الآذان صماء، وكأن من خرج إلى الشارع معترضا قطيع شارد كلف الرعاة بجمعه وإعادته إلى حظيرة الطاعة.
لا يا سادة، المعلم أسمى وأجل وأرفع من أن يعامل بهذه الطريقة، فتصديكم له ولها بهذه الطريقة يعني استهداف جيل كامل يقوم على تربيته قبل تعليمه.
لا أريد أن ننظر إلى التجارب الغربية، ومعرفة مدى ارتفاع رواتب المعلمين، أريد النظر إلى تاريخ التعليم في الأردن، والخبرات التي ملأت العالم، وكيف ساهمت في رفع دول وإعلاء شأن أمم.
فلنرحم تاريخ المعلم الأردني قبل حاضره، ولنقف وقفة حق، فمجموع ما يطالب به لا يتعدى ما خسره الوطن في واحدة من قضايا الفساد المكشوفة قبل الممغيبة، ولتعلم الحكومة أن معلما بلا روح يعني جيلا فاقدا للوطنية والانتماء، والفخر، كعائلة غاب ربها وربتها وتُرك الأولاد لمصيرهم فاي مصير؟!
ليست رأفة أو شفقة أو إحسانا ما يطالب به المعلمون، هو حق نافذ لا يمكن لأحد الاعتراض عليه بأي مبرر وتحت أي ذريعة، وعلى الحكومة الانصياع لإرادة واحد من أهم روافد الوطن وعوامل استقراره.
واختم بتذكر عبارة كان يرددها والدي: أعطني معلما أعطك طالبا.
كاتب اردني