Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-May-2020

«ثلاثية» الروائي الراحل جميل عطية إبراهيم: محاولة فهم ما جرى

 القدس العربي-محمد عبد الرحيم

«لماذا جرت أحداث ثورة يوليو/تموز على هذا النحو؟ ولماذا جرى ما جرى بتلك الطريقة، ولاتزال الناس تسكن في المقابر، والأمية على حالها بعد حوالي ثلاثين عاماً على الثورة؟». (من رواية «النزول إلى البحر»).
 
«نحن جيل 52، خرجنا من التاريخ في وقت مبكر، وتحمّلنا هزائم لم نتسبب فيها، ووقعت تبعاتها علينا بدون وجه حق». (من رواية «أوراق سكندرية»)
رغم الصوت الهادئ الذي تميزت به مؤلفات الكاتب والروائي المصري الراحل مؤخراً جميل عطية إبراهيم (1937 ــ 2020)، إلا أنه يعد من أعمق الأصوات الأدبية، التي عالجت قضايا شائكة غيّرت من أحوال المجتمع المصري إلى غير رجعة. كانت حركة يوليو 1952، كما كان يُطلق عليها إبراهيم أحياناً، وهو ما بين كونها ثورة حسب دراويشها، أو انقلاباً حسب معارضيها. كتب الرجل عن المجتمع المصري، محاولاً فهم ما جرى بعد سنوات طويلة مما حدث، من خلال ثلاثيته الشهيرة، التي بدأ في كتابتها عام 1990، وحتى عام 1995، بداية من إرهاصات يوليو وتبعاتها، مروراً بأزمة الديمقراطية، الشهيرة بـ(أزمة مارس)، وحتى اغتيال السادات. تلك الحقبة التي قتلها المؤرخون بحثاً، والروائيون في كتابات متباينة، ما بين سرد وقائع مباشرة، أو التخفي وراء حقبة تاريخية سابقة وموغلة في القِدم، إلا أن إبراهيم جعل التاريخ، خلفية موثقة للحدث الروائي وشخوصه، بدون إغفال التجربة الشخصية/الذاتية كصوت عام يحكم العمل الروائي ككل. بخلاف عدة أعمال روائية أخرى لم تخرج عن هذا السياق العام وهو، محاولة فهم ما جرى.
 
1952
 
انطلق عطية إبراهيم من التساؤل عن ضرورة ما حدث، أكان لا بد أن يحدث؟ وهل بالفعل تغيّر شيء؟ تبدأ أولى روايات ثلاثيته، والمعنونة بـ»1952» صدرت عام 1990، في إقطاعية أحد الباشوات في محافظة الجيزة ــ محل ميلاد إبراهيم نفسه ــ وهي بذلك تقع على تخوم المدينة، ليبدو أن ما سيحدث سيكون له أكبر الأثر على الإقطاعية (العزبة) وناسها. هنا نتقابل مع نماذج لفئات مختلفة.. باشا، أميرة، فلاح، تاجر، مثقف. وعن العمل السياسي جهراً وسراً، سواء بين طلاب الجامعة، أو حتى البسطاء. ويذكر إبراهيم في أحد حواراته الصحافية ــ وهي قليلة ــ «عندما بدأت كتابة «1952» في سويسرا، كانت طبول انهيار الكتلة الاشتراكية، وهذا سبب لي أزمة كبيرة، أحسست بأنني أكتب عن شيء خارج التاريخ. أتحدث عن ثورة والعالم كله معاد لفكرة الثورة، وكلمة الثورة، كما لو كان العالم يعاديني، وأنا أكتب عن ثورة 1952، أحسست بأنني خارج التاريخ، فما قيمة العمل الذي أكتبه والعالم كله يسقط، ولكنني صممت على كتابة التجربة، كما عشتها، وكما أؤمن بها، وليس كما سوف يتقبلها الناس أو النقاد، وقلت، على الأقل، في مصر والعالم العربي سوف أجد قلة ترغب في فهم هذا العمل».
ومن الشخصيات المثيرة في الرواية، التي يُضاد كل منهما الآخر، شخصيتا (كرامة السقا)، و(عكاشة المغنواتي). وإن كان الأول بطلاً منهزماً يقع في غرام (إليوت) صاحب الأرض الخراب، مترنماً دوماً بأبياته.. «نحن الرجال الجوف. بالقش حُشيتْ رؤوسنا». والغارق في حب (جويدان) ابنة (عويس) الباشا الذي تحمل الإقطاعية اسمه، والذي يقوم بجلد كرامة لتفكيره في ذلك. كرامة الذي يضاجع (زهيه) الفلاحة، ويفرّ من ثمرة هذه المضاجعة، الذي سيُطلق عليه في ما بعد اسم (محمد نجيب) تيمناً برمز الحركة المباركة. على الجانب الآخر نجد المغنواتي (عكاشة).. الفلاح الذي ذهب إلى الإسماعيلية للعمل، وصادق جنديا إنكليزيا بسبب حبهما للغناء، ثم عمل مع الفدائيين لنسف معسكر للإنكليز، فيرى صديقه ويحذره، فينجو الجندي ويموت عكاشة، ليتحول بدوره إلى أسطورة، كل يفسرها حسب هواه، فالفلاح البسيط أصبح شيوعياً بين الشيوعيين، وإخوانياً بين الإخوان المسلمين. وينتهي هذا الجزء من الثلاثية بالمذبحة التي دبرها الضباط الأحرار ضد عمال كفر الدوار، بعد عشرين يوماً من سيطرتهم على الحكم. وعلى غرار «آفة حارتنا النسيان» تأتي مقولة (أوديت) الماركسية ابنة أحد الباشوات الليبراليين «الجيش طرد الملك. وأحزان القرية كما هي».
 
أوراق 1954
 
يأتي هذا الجزء ـ صدر عام 1993 ـ مستعرضاً أزمة مارس/آذار الشهيرة، والإطاحة بمحمد نجيب، واستتباب الأمر لعبد الناصر، وقد أصبح الحاكم الأوحد. ولتستمر شخصيات الرواية في تحمّلها تبعات ما حدث. ونبدأ من (أوديت) التي رفضت الثورة، باعتبارها حكماً عسكرياً قائماً على القمع. والتي رغم صداقة أبيها أستاذ القانون لعبد الناصر، تتعرض لحادث سيارة مُدبّر، أدى إلى إصابتها بنزيف في المخ، حتى فارقت الحياة، وهنا يقول أحد الأطباء تعليقاً على حالتها «منذ حركة الجيش والبلد كلها دماغها ينزف». هذه الصداقة التي ستتحول بدورها إلى توجس وريبة، خاصة بعد أن قويت شوكة عبد الناصر، ولم يعد في البلد سوى المؤسسة العسكرية. وتذكر الرواية موقفاً دالاً على موقف عبد الناصر من نجيب، فقد أتى لزيارة الباشا في قصره عام 1953، فرحب به الطباخ، وقد ظنه (اللواء نجيب)، فغضب عبد الناصر قائلاً «والله لو ناداني أحد في الطريق بمحمد نجيب ربما قتلته».
 
1981
 
وفي الجزء الأخير، والصادر عام 1995، تعود الحياة سيرتها، بل أسوأ مما كانت عليه في عهد فاروق ملك مصر، فلا يشغل الفلاح سوى أن يحصل على تأشيرة للعمل في بلاد النفط، أو أن يقوم بتجريف أرضه، وما بين هذا وذاك يلعن حظه، أو يتحسر على الأيام الخوالي «مَن فاته قطار السفر جرّف الأرض وباع طينها الأحمر ـ خلسة ـ لقمائن الطوب، وانتظر فرج الله. ومَن عاد سليماً من هناك اشترى الأفدنة ليدق الخوازيق فيها، مُعلناً عن تبويرها وخرابها، حتى انتشرت الأعمدة الإسمنتية الواقفة في الطل، وأصبحت كشواهد القبور».
هذا البؤس امتد ليشمل الكثير من الشخصيات، فالمثقفون والمتعلمون على سبيل المثال، أصبحوا مشردين في بلاد الله، والصامد بينهم، والمعارض لما يحدث سيجدونه ملقى أمام بيته، بعدما نالته عدة طعنات من الخلف ـ صعود التيار الديني ـ وتأتي الشخصيات لتتباين مواقفها حول السادات وعصره.. «الرئيس السادات حكم برجال عبد الناصر، في ما عدا القلة من رجال مكتبه والمقربين إليه، هؤلاء وضعهم في السجن بعد محاكمة سياسية ظالمة ليتخلص من منافستهم له». وفي ذلك العصر يقيم الإقطاعيون الدعاوى القضائية لاسترداد أراضيهم، وبذلك تعود إقطاعية (عويس) إلى الورثة، الذين يحولون العزبة بالكامل إلى مشروع استثماري عقاري ــ سياسة الانفتاح وتبعاتها ــ لتتحول الحياة في النهاية إلى مسخ. ويرى المؤلف في الأخير على لسان إحدى شخصياته مكمن الخطأ في تجربة السادات.. «السادات رحمه الله استحق مصيره، ليس لأنه وقّع اتفاقية سلام مع إسرائيل، فكلنا يعرف أن اتفاقيات السلام غير العادلة ليست إلا هدنة حرب، لكن أخطاءه السياسية هي أنه عمل لمسح ذكريات الوطن».
 
بيبلوغرافيا
 
ولد جميل عطية إبراهيم في محافظة الجيزة عام 1937، ورغم كونه تخرج في كلية التجارة، إلا أنه درس الفنون والموسيقى، وقام بتدريس الأخيرة فترة من الزمن. ساهم مع عدد من كتاب جيل الستينيات في تأسيس مجلة «غاليري 68» في القاهرة، التي تعد لسان حال ذلك الجيل. هاجر إلى سويسرا عام 1979، وعمل مراسلاً لعدد من الصحف العربية، ثم مترجماً في هيئة الأمم المتحدة.
كتب إبراهيم المجموعة القصصية، مثل «الحداد يليق بالأصدقاء»، و«طقوس الخريف». ثم توالت الروايات، منها «البحر ليس بملآن»، «النزول إلى البحر»، «أصيلا»، وثلاثيته الشهيرة «1952»، «أوراق 1954»، و«1981»، إضافة إلى «أوراق سكندرية»، «خزانة الكلام»، «نخلة على الحافة»، و«المسألة الهمجية».