Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-May-2020

كورونا – فوضى ذهنية 3

 الدستور-ناصر الريماوي

 
(1)
 
للحظر تداعياته الغامضة على الناس، والذي بدأت أعراضه الغريبة بالظهور على الأغلبية منا.
 
أولها ذلك الميل اللاإرادي لتعزيل الأدراج والخزانات العتيقة، و»الشعبطة» المفاجئة على السلالم للوصول إلى قلب «السدد» الفوقانية المهجورة في البيوت، الطافحة بالغبار والصدأ في البحث عن شيء ما بين الكراكيب المهملة منذ عهود بعيدة.
 
أحد أهم الأعراض الغريبة والذي بات مألوفا الآن، هو التعطش لتصفح ألبومات الصور القديمة، وتحديدا ذات الصلاحيات المنتهية.
 
هذه التداعيات، هي أولى قطرات العجب العجاب، في هذا الحظر المفاجىء.
 
الصور الورقية الصفراء، الذابلة، حكايا الماضي التي انقلبت على نفسها وعلى أصحابها منذ زمن بعيد، لتحيا من جديد.
 
هذه التداعيات تتلخص بما يعرف «بالنبش» أو «التنبيش».
 
المشكلة ليست في فظائع الصور، أو ما قد يتمخض عنها من حكايات شريرة، قديمة ومنتهية.
 
الخشية من ذروات النبش الطائشة وغير الحميدة بين غياهب الماضي، والتي من شأنها أن تنتهي بنا نحو أعماق بعيدة، ومحظورة،للبحث في المحظور.. وعُقد الماضي المحظورة.
 
(2)
 
يمكن لصوت «مارسيل خليفة» أن يتسيد هذا الصباح
 
الدافىء بكل بساطة.
 
ألحانه الحماسية لا تلغي حزن لوازمه الموسيقية أو رقتها،
 
يمكن لفيروز أن تنتظر حتى يفرغ من نشيد الجسر.
 
يمكن لكل شيء أن يتفادى وحشة النشيد وصوت مارسيل وهو يشق لحنه «الأوبرالي»، بسهولة وحب، ودون تحيز، حتى يمرّ هذا الصباح بساعاته الأولى على الأقل.
 
الهاتف النقال يمكن له أن يخرس ولو قليلا، والهاتف الثابت أيضاً.
 
أصوات الزملاء لها أن تغيب في تلافيف الجسد الصباحي، ولفحاته الثقيلة.
 
حتى قطط الجوار الكئيبة عليها أن تهمد، حتى نعبر الجسر.
 
«يعبرون الجسر في الصبح خفافا
 
أضلعي امتدت لهم جسرا وطيدا
 
من كهوف الشرق
 
من مستنقع الشرق
 
الى الشرق الجديد»
 
(3)
 
هل هناك فترات صلاحية للصور القديمة؟
 
بمعنى أن تفقد محتواها ذات يوم، ليكون علينا نفيها بعد ذلك، أو رميها بكل بساطة.
 
هناك صور تحتفظ لنا بملامح وجوهنا العتيقة، خلال معظم مراحلنا العمرية المختلفة، بعضها يقبض بسرية على روائح اللحظات المختطفة بعفوية، بعد تثبيتها، أو انتزاعها من بين لحظات الزمن الهاربة.
 
بعض الصور مختطفة بذاتها على وقع أحلامنا المرحلية، والتي غالبا ما تفضح فينا جانبا مشرقا، نسيناه ولم يعد يعنينا أو يليق بنا.
 
هناك الصور المدفونة فوق جدران الغرف المأهولة بالصمت وعتمات الليل المتلاحقة.. مصيرها غير مضمون، ستفسدها الإطارات المزخرفة، وقد تعجل بموتها.
 
كثرة التحديق بمحتواها الظاهري، هو المخيف، وقد يقتلها مجازا قبل أوانها الزمني المفترض.
 
الصور المدجنة في ألبومات الصور، ستبدو غير نقية، أو لنقل مبتذلة، بلا روائح، بلا عبق اللحظات المختطفة من صدور الزمن الغابر.
 
أيضا تظلّ الصور المهملة في الأدراج، بعشوائية مفرطة، ومنذ زمن بعيد، كل اللحظات الوافرة بالحب لن تعيد لها مكانتها، مهما كانت أهميتها.
 
لن تعيد لها أو لنا متعة الحكي اللذيذ أو الوصف، ستغدو معطوبة أمامنا ونحن نحدق فيها ونستنطق الماضي.