Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Apr-2018

مرآة العالم الافتراضي - بلال حسن التل

الراي -  يصلح العالم الافتراضي المتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك ومثيلاته لكي يكون مرآة، نرى فيها صورة من صور مجتمعنا الواقعي الحقيقي، فما تحمله وسائل التواصل هو انعكاس للثقافه السائدة، والمفاهيم المتحكمة، والسلوكيات الممارسة في واقعنا، وكلها للأسف الشديد تدفعنا لقرع ناقوس الخطر، لإنقاذ مجتمعنا مما وصل إليه من جدب ثقافي، وسلوك عدواني وأحاسيس مشحونة بالكراهية، ونزعة سوداوية تتلذذ بتشويه السمعة، وصولاً إلى الاغتيال المعنوي للشخصية سواء للأفراد أوالمؤسسات.

الملاحظة الأولى التي يخرج بها المحلل للمضامين التي تحملها جل وسائل التواصل الاجتماعي هي غياب القضايا الكبرى عن أهتمامات الناس،إلا عند وقوع حدث كبير، من ذلك على سبيل المثال أنه عندما أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره الخاص بنقل سفارة بلاده إلى القدس أُشبعت مواقع التواصل بالحديث عن القدس، وباستصراخ الأمة لإنقاذ المدينة المقدسة، ولكن بعد أيام قليلة لم نعد نقرأ شيئاً عن القدس وعن القرار الأميركي على هذه المواقع وهكذا هو الحال بالنسبة لكل تفاصيل قضية الأمة في فلسطين، التي صارت الخيانة فيها مجرد وجهة نظر،مع أن الأصل أن تظل كل هذه التفاصيل حاضرة في كل تفاصيل حياتنا اليومية، مستذكرين أن صلاح الدين الأيوبي حرم على نفسه الضحك حتى يحرر المسجد الأقصى، فبمثل هذا الحضور لتفاصيل القضايا الكبرى في حياة الأمة تنهض الأمم، وتستعيد حقوقها، وليس بالهبات الموسمية التي نمارسها كلما حل بنا خطب حتى أصبحنا أضحوكة الأمم.
وعلى ذكر القضايا الكبرى وغيابها عن اهتمامات الناس، لا بد من الإشارة إلى أننا استبدلنا الدعوة إلى قضايانا الكبرى، ومفاهيمها كالوحدة والحرية والخلاص من المستعمر، بجلد الذات وشتم الأمة، واتهامها بكل العيوب والمثالب وقد نسي كل واحد منا أن الأمة تتكون منه ومني ومن كل واحد من أبنائها، وأن هؤلاء الأبناء هم الذين يصنعون مجد الأمة أوهوانها، ويصنعون وحدتها أو فرقتها، من ثم فإن واقع الأمة هو من صنع أيدي أبنائها، كلهم بدون استثناء، وأن كل عيب يتهمون الأمة به هو عيبهم هم، وأن على كل واحد منهم أن يسعى للخلاص منه يتساوى في ذلك الأمير والغفير والغني والفقير.
ومثلما استبدلنا الدعوة إلى القضايا الكبرى ومفاهيمها بجلد الأمة، فقد استبدلنا على وسائل التواصل
الاجتماعي أيضا المضامين الراقية والغنية بالمعاني، بالمضامين التافهة الفقيرة بالمعاني، وإلا ما قيمة أن تنشر إحداهن أو إحداهم صورتها أو صورته وهو راقد على سرير المرض في المشفى أوالبيت؟ما قيمة أن ينشر أحدهم أو إحداهن مائدة طعامه لذلك اليوم؟ ومثلها أيضا ما قيمة أن تنشر صورة الثلاجة المنزلية؟ بل وأكثر من ذلك ما هي الرسالة التي يرغب أحدهم أو إحداهن بإرسالها من كثرت نشر صوره الشخصية بأوضاع مختلفة وصولا إلى صوره بملابس النوم؟ ألا يعبر ذلك كله عن حالة من حالات الضحالة الثقافية وغياب الذوق العام، وعن سوء استخدام وسائل التكنولوجيا؟ ففي الوقت الذي يستخدم فيه الآخرون هذه الوسائل لنشر المعرفة والقيم الكبرى نصر نحن على استخدامها لنشر التفاهة والمفاهيم الضاحلة، بل والضارة في كثير من الأحيان، وأكثر من ذلك نشر ثقافة الكراهية التي أصابت حتى بنية الوطن، من خلال نشر الكثير من العيوب وتضخيمها، بل واختراعها،أحياناً مع نسيننا التام لجوانب العظمة فيه، وأكثر من ذلك التنكر لتاريخه ودوره الحضاري.
خلاصة القول في الصورة التي تعكسها مرآة العالم الافتراضي عن عالمنا الواقعي هي:أننا نعيش في
مجتمع ضحل الثقافة، فاقد الاهتمام بالقضايا الكبرى، مترع بخطاب الشك والكراهية. فاقد لروح الجماعة، أسير للأنانية الفردية، وكلها أمراض تحتاج إلى علاج من خلال نهضة اجتماعية تبدأ ببناء الإنسان ومفاهيمه أولاً.