الرأي -
أكد رئيس مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور محمد عدنان البخيت أن اللغة العربية شكّلت على مدار العصور محورًا جامعًا للتواصل الحضاري مع لغات الشعوب الإسلامية، دون أن تلغيها أو تصادر خصوصيتها، بل تفاعلت معها وأسهمت في إثرائها ثقافيًا ومعرفيًا.
وقال البخيت في كلمة له بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية إن العرب المسلمين الذين فتحوا بلاد الشام وفارس ومصر وشمال أفريقيا وصولًا إلى الأندلس، لم يعارضوا لغات الشعوب التي خضعت للحكم الإسلامي، مشيرًا إلى أن الدولة الإسلامية اعتمدت العربية لغةً للحكم والإدارة، فيما ظلّت اللغات المحلية حاضرة في الحياة اليومية.
وأوضح أن تأسيس الأمصار وبناء المساجد والكتاتيب والمدارس أسهم في ترسيخ العربية لغةً للدين والفقه والعلم والإدارة، لافتًا إلى أن الالتحاق بإدارة شؤون الدولة كان مشروطًا بإتقان العربية، في ظل تنظيم الدواوين وسَنّ التشريعات المسترشدة بالفقه الإسلامي.
وأشار إلى أن تراجع مركزية العربية بدأ مع ضعف الدولة العباسية وظهور الإمارات والسلطنات البعيدة عن مركز الخلافة، رغم استمرار ارتباطها الرمزي بالخليفة عبر الدعاء على المنابر وضرب السكة باسمه.
وتناول البخيت حركة الهجرات العربية الواسعة من الجزيرة العربية إلى مختلف أقاليم العالم الإسلامي، من خراسان وطبرستان وغزنة وبلاد الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا، وصولًا إلى الأندلس، مقابل انتقال شعوب أخرى إلى مناطق عربية، ما أسهم في تفاعل لغوي وثقافي متبادل.
ولفت إلى أن هذا التفاعل أفرز لغات ولهجات ما تزال حاضرة حتى اليوم، مثل السواحلية في شرق أفريقيا، والبهاسا في جنوب شرق آسيا، إضافة إلى اللهجة الكمزارية في سلطنة عُمان، والعربية الشحية في رؤوس الجبال بالإمارات وعُمان، باعتبارها جزءًا من التراث اللغوي العربي.
وبيّن أن العربية كانت لغة العلماء والفقهاء والأطباء والفلاسفة من مختلف الأصول، وأن كثيرا منهم ألّفوا بالعربية إلى جانب لغاتهم الأم، ما يعكس وحدة الثقافة العربية–الإسلامية، التي تجلت أيضًا في تقاليد الإجازات العلمية وانتقال المعرفة بين الأمصار.
وتطرق البخيت إلى ظاهرة الشعوبية التي ظهرت في أواخر العهد الأموي، وسعت إلى الانتقاص من دور العرب، مشيرًا إلى الجدل الفكري والأدبي الذي دار آنذاك، وإلى بروز أعمال كـ"الشاهنامة" للفردوسي و"ديوان لغات الترك" لمحمود الكاشغري، في سياق إبراز هويات لغوية وثقافية غير عربية داخل الفضاء الإسلامي.
وأكد أن اللغات الإسلامية الكبرى، كالفارسية والأوردية والتركية والكردية والأمازيغية، تأثرت بالعربية واقتبست منها آلاف المفردات، معتبرًا أن العلاقة بينها وبين العربية تشبه علاقة الأبناء بالأم.
وختم البخيت بالتأكيد على أهمية دراسة لغات الشعوب الإسلامية وتعزيز التواصل بينها، في ظل التحديات الحضارية الراهنة، مشددًا على أن التكامل اللغوي والثقافي يشكل ركيزة أساسية لصياغة مستقبل مشترك قادر على مواجهة الأخطار المحدقة بالأمة.