Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Mar-2017

عن الاحتلال والخاضعين له - شلومو أفينري
 
هآرتس
 
الغد- "الشعب لا يمكنه أن يكون محتلا في بلاده"، يكرر وزير التعليم نفتالي بينيت، في صيغة لها قوة بلاغية لا بأس بها. وهكذا فإنه يواصل الجدال الذي بدأ في مطارحنا بعد حرب الايام الستة حين ثار السؤال كيف نسمي المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل – فهل هذه مناطق "محررة" أم "محتلة". واللغة التي تستخدم، فضلا عن جانبها القانوني، تتعلق أيضا بمستويات تاريخية وأخلاقية عميقة ذات صلة بأسس الصهيونية. 
الموضوع هو ان مثل هذا العرض للأمر يتجاهل ما يفترض أن يكون في مركز النقاش السياسي والايديولوجي الجاري في إسرائيل منذ 1967 – إذ لا  توجد هنا مسألة مناطق بل مسألة بشر. ومثلما في النزاعات القومية الاخرى (قبرص، كوسوفو، البوسنة) يمكن الجدال اذا كانت هذه مناطق محررة أم محتلة، ولكن في نهاية المطاف المنطقة - التي هي مجردة بلا وعي – لا يمكنها أن تكون حرة أو محتلة: فهذه مزايا يمكن أن تعزى لبني البشر، وليس للمجردات الصامتة. وحتى من اعتقد بان مناطق يهودا والسامرة تحررت في 1967، سيجدون صعوبة جمة في الادعاء باننا في حرب الايام الستة حررنا الفلسطينيين سكان المناطق.
فبنو البشر ذوو الوعي وحدهم يمكنهم أن يكونوا أحرارا او محررين، ولا يهم كيف نصف مناطق يهودا والسامرة- محررة، محتلة او حتى مقدسة- واضح اننا لم نحرر في الحرب أي فلسطيني. حقيقة أن المناطق (الفلسطينية) وسكانها كانوا قبل ذلك تحت حكم اردني أو احتلال مصري، لا تزيد ولا تنقص في الامر من شيء. 
توجد هنا مسألة اخلاقية ملزمون مؤيدو بلاد إسرائيل الكاملة، ولا سيما جماعة البيت اليهودي، ممن يتشدقون بالأخلاق اليهودية، ان يقدموا عليها الجواب. فالرفض الفلسطيني المسؤول بقدر غير قليل عن انعدام المفاوضات والاتفاق بينهم وبين إسرائيل لا يمكنه أن يشكل ذريعة. صحيح أنه بالأساس بسبب المواقف الفلسطينية، يحتمل أن يكون الوضع الحالي، الذي نسيطر فيه حاليا على سكان محتلين لن يصل إلى منتهاه قريبا: ولكن الادعاء بانه بسبب هذا يكون لنا حق في مواصلة السيطرة بلا نهاية على شعب آخر خلافا لإرادته وتبرير ذلك بتفتلات لفظية وبصياغات كهذه او تلك، معناه تجاهل الحقيقة البسيطة، مهما كانت المكانة القانونية او التاريخية للمناطق، فان سكانها الفلسطينيين موجودون تحت احتلال إسرائيلي. كل محاولات نفي هذه الحقيقة الاساس تذكر بالوصف في كتاب جورج اورويل "1984"، والذي يدعي فيه الحكم بأن العبودية هي حرية، الحرب هي سلام والجهل هو قوة. 
حتى من يؤمن بوعد إلهي لشعب إسرائيل لا يمكنه أن يفر من المسائل الاخلاقية، التي ينطوي عليها استمرار السيطرة على الفلسطينيين والتي نرى نتائجها كل يوم في الاحتكاك المحتم بينهم وبين جنود الجيش الإسرائيلي. يمكن أن نفهم واجب الواقع ويمكن حتى أن نقول إن في هذه اللحظة لا توجد في امكانيتنا ان نغيره في ضوء مواقف الطرف الآخر، ولكن التنكر للتآكل الاخلاقي الذي يتسبب به للمجتمع الإسرائيلي هو أمر غير ممكن. فمحاكمة أزاريا هي فقط طرف الجبل الجليدي للمعاضل الاخلاقية النابعة من حقيقة الاحتلال. كما أن التآكل في مكانة إسرائيل في الرأي العام الدولي واليهودي يرتبط بالاحتلال، ومن يتجاهل ذلك يدس رأسه في الرمال. وبالذات المتدينون، الذين يرون في دين إسرائيل دين رحمة ورأفة لا يحق لهم أن يتجاهلوا هذا التحدي الاخلاقي.
لكل هذا يمكن أن نضيف ايضا ملاحظة هامشية، لا ينبغي أن تفاجئ كل من يعرف المصادر التوراتية على تعقيداتها. فبينيت يكثر من التطرق لكتب التوراة، غير أنه يخيل احيانا أنه يرى فيها كوشان عقارات اساسا. يتبين أنه لشدة المفارقة، ثمة في كتب التوراة العديد من الذكر الصريح على أن ابناء إسرائيل احتلوا البلاد. 
وهاكم بعض النماذج:
عندما ينهي يهوشع عملية توزيع مناطق البلاد بين القبائل قيل: "تجمع كل طائفة أبناء إسرائيل ويضربوا هناك خيمة والبلاد احتلت امامهم".
في أمر أصدره الملك داود لوزراء إسرائيل (الصيغة لا تظهر في أسفار صموئيل أو الملوك ولكنها تظهر في كتب التاريخ) يطلب منهم ان يساعدوا ابنه شلومو ويضيف: "فاسم الرب معكم وترك لكم المحيط إذ أعطى لسكان البلاد واحتلت البلاد قبل الرب وقبل شعبه. 
وللغة التي تسبق أقوال يهوشع الواردة أعلاه اضطر ايضا (النبي) موسى الذي يلخص الاتفاق مع ابناء روبين، وغاد ونصف قبيلة منشه، بأن يكون نصيبهم عبر نهر الاردن شرقا، ولكنهم يلتزمون بالارتباط بكل القبائل الاخرى لاحتلال (نعم، احتلال!) البلاد من غربي نهر الاردن: "ويقول موسى لهم: اذا عبر ابناء غاد وابناء روبين معكم نهر الاردن للحرب قبل الرب واحتلت البلاد قبلكم". 
باختصار: يتبين من نصوص كتب التوراة ان سيدنا موسى، يهوشع من نون والملك داود (ومن يدري، لعل الرب تبارك اسمه بنفسه ايضا) لم يجدوا صعوبة في التعاطي مع احتلال البلاد، فلعله ينبغي لوزير التعليم من حزب البيت اليهودي أن يسير في أعقابهم.
كل هذا لا يستنفد الحاجة إلى نقاش سياسي واخلاقي في مسألة السيطرة الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين في المناطق، ولكن يجدر الكف عن التعاطي مع هذه السيطرة بمفاهيم الحقوق العقارية، وبدلا من ذلك ان يوضع في مركزها مسألة موقفنا كيهود – متدينين وعلمانيين على حد سواء من بني البشر الذين يتواجدون فيها. لا يدور الحديث عن السيطرة على اشياء، بل على بني بشر، وهذه الحقيقة هي الملزمة بان تقرر موقفنا من مستقبل المناطق وسكانها. نحن ملزمون بان نذكر وزير التعليم في دولة اليهود بان ملايين الفلسطينيين في المناطق هم ايضا خلقوا على صورة الرب.