Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Jun-2017

عِلمٌ... وتسبيح - ابراهيم العجلوني
 
الراي - صنَّف أبو القاسم الزجاجي (توفي سنة 333 للهجرة) كتابه «الجُملَ» في النحو وهو في ظلال الحرم المكيّ، وقيل إنّه لم يكن يَضَعُ مسألةً منه إلاّ وهو على طهارة، وإنّه كانَ ما إن ينتهي من بابٍ من أبوابه حتى يقوم فيطوف بالبيت العتيق سَبْعاً داعياً الله سبحانه أن يغفر له، وأن ينتفع به الناس.
 
وليس مقصدنا هنا الحديث عن هذا الكتاب الذي حَظي بشروح كثيرة من أعلام النحويين وانتفع به طلبة علوم العربيّة في المشرق والمغرب على حد سواء، ولكن مقصدنا توكيد دلالة هذه الواقعة على مدى احتفاء أسلافنا العظام بِلغة القرآن الكريم، وعلى أن دَرْسَها والتأليف فيها كان عبادةً من العبادة، يُمهّد لها بالطهارة وتتّصفُ يقظة العقل فيها بخشوع القلب، على نحو ما يكون المؤمّن المجتهدُ في صلاتِه وتسبيحه.
 
***
 
ونحن هنا نؤكد دلالة الواقعة ولا نعجب لها، ونرى إليها في سياق شواهد جمّة متكثّرة قروناً متتابعة وأجيالاً متتالية في حضارة الإسلام، حيث انتشرت مجالس العلم في المساجد والدور والقصور، وحيث قِيسَ مِدادُ العلماءِ بدماء الشهداء، وحيث تُحفّ طلبة العلم وأساتذَته ملائكة الله الأطهار.
 
***
 
لقد كانت المعارف والعلوم أول مطالب الأنفس المؤمنة، وكانت تُباشِرُها بقُدسيّة وشغف، وحِسّ مرهف بالمسؤولية، وبهاجس اصيل لا تستوقفه الشهادات والألقاب والطقوس الأكاديمية، بل يتجاوز ذلك كله الى حقائق الانفس والآفاق، والى ما ينفع الناس، وينقذهم من شقوة الواقع والمآل، وإلى ما يجعل حياتهم أقل بؤساً وأكثر طمأنينة وأمانا.
 
***
 
وإن لنا أن نتصوّر الإمام الفخر الرازي، وقد غصّ مجلسه بِمْنْ يملي عليهم تفسيره الكبير لكتاب الله، تارة بالعربيّة الفصيحة وتارة بالفارسية، ثمّ نحاول ان نستحضر الروح المهيمنة في مثل هذا المناخ العاطر بذكر الله سبحانه وتدبّر آياته، ثمّ نمدّ بصرنا إلى ما انبسط من مثل ذلك عبر تاريخ الإسلام منذ نزول قوله تعالى: «إقرأ باسم ربك»، الى يوم الناس هذا، فهل ترون غير برهان إثر برهان على حميمية الصلة بين «العلم» والتقوى؟ وهل ثمّة إلا أدلّة متظاهرة على حسن تمثّل المؤمنين لقوله تعالى: «واتقوا الله ويعلمكم الله»؟
 
***
 
وتوقّدُ الهاجس المعرفي في أُمّة العرب في ظلال التقوى أثر من آثار رحمة الله فيهم، اذ نزّل عليهم كتاباً فيه تفصيل كل شيء وتبيان كل شيء مما يحقق انسانية الانسان الذي حمل امانة العقل والارادة دون غيره من المخلوقات.
 
ولعل عبارة «سبحان الله» إن تكون مسدّدة للعقل الإنساني، ومرشدة، وضامنة ان تكون قراءته باسم الله، فلا يأخذه العُجْب، ولا يُرديه الغرور، ولا يتقحم ما لا طاقة له به فيقع تحت ما قاله هِبةُ الله بن صاعد، معاصر «المقتفي» العباسي:
 
لولا حجابٌ أمام النفس يمنعها
 
عن الحقيقة عما كان في الأزلِ
 
لأدركتُ كل شيء عزّ مطلبه
 
حتى الحقيقة في المعلول والعِللِ
 
إذ أن ادراك «كل شيء» مما استأثر به علم الله، فلا يستطيعه أحد من البشر.
 
***
 
ثمّ إن عمر الإنسان محدد، وطاقته محدودة، وعقله محدود، وهو يؤولُ – إن عُمّرَ–إلى ان لا يعلم من بعد علم شيئاً، فإن هو اتقى تراحب لديه ما اكتنفه من كل ذلك، وزويت لروحه آفاق الوجود، ودخَلَ في «المسبّحين» الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
 
***
 
تداعيات بدأناها بطواف أبي القاسم الزجاجي بالكعبة، بعد كل بابٍ دَبّجَهُ – على طهارة – من كتابه «الجُملَ» في النحو، فانتهت بنا بعد تطواف إلى ما يكون من لذّة التقلّب في الساجدين والدخولِ في المُسبّحين.. والحمد لله ربّ العالمين.