Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-May-2020

الدراما الرمضانية من سقوط الفن إلى ضياع الفنان

 الدستور-د. محمد عبدالله القواسمة

 
في هذه الظروف التي يعيشها الإنسان العربي سواء ظروف الصيام في شهر رمضان الكريم، أو الظروف التي فرضتها جائحة كورونا من الالتزام بالحظر الصحي المنزلي، وعدم التنقل إلا في نطاق محدود وفي زمان معين؛ للمحافظة على السلامة العامة من هذه الجائحة، التي ألزمت الناس بالتقيد بقوانين لم يألفوها من قبل. هذه الظروف أجبرت الإنسان إلى أن يتابع مع أهله المسلسلات الرمضانية، وبخاصة تلك التي تُعرض بعد الأذان مباشرة، حيث يكون الإنسان بعد تناول طعام الإفطار، في حالة من الاسترخاء الجسدي والعقلي. وهي اللحظة الذهبية لدى القائمين على الإعلام في القنوات الفضائية التي يسمونها فترة الذروة، يقتنصونها لعرض مسلسلاتهم. وهذا ما يفسر تكاثر المسلسلات في رمضان، والحرص على عرضها بخاصة في تلك اللحظات الذهبية.
 
إن نظرة إلى بعض هذه المسلسلات نجد أنها تعاني من خلل في بنائها الفني، وفي توجهاتها الفكرية تربويًا وأخلاقيًا ودينيًا وإنسانيًا: ففيها نلمس اللغة المبتذلة التي لا تقال حتى في الأسواق العامة إلا نادرًا، وقد يسبب بعضها الشجارات والخلافات إذا تداولها الناس فيما بينهم، كما فيها الثرثرة الكلامية،والنكات البذيئة المتكلفة، وحركات (قلة الحياء) الباعثة على التقزز، وفقدان القيم الفكرية والأخلاقية، مما يساعد على إفساد الذوق، وانحطاط الفكر، وقد يُضيّع مسلسل واحد من هذه المسلسلات ما غرسه الأب في سنوات من قيم في نفوس أبنائه، كما فعلت مسرحية مدرسة المشاغبين؛فقد أضرت بأخلاق أجيال من الشباب.
 
لعل أبرز ما تجلى من هبوط هو ما كان في بعض المسلسلات التي تعرضت للقضية الفلسطينية، ففيها تجلى السقوط الفكري والإنساني حين نظرت هذه المسلسلات إلى فلسطين بأنها أرض متنازع عليها، وهي أرض إسرائيلية. وهذه نظرة دونية إلى الذات، وتسفيه لتاريخ العرب جميعًا، وإلغاء لثقافتهم وحضارتهم، والتنكر لشهدائهم الذين قضوا من مختلف الأقطار العربية على ثرى فلسطين، ففلسطين ليست بقعة جغرافية فقط بل هي حاملة للتاريخ العربي، والتراث العربي، وهي قضية إنسانية واضحة حتى الذين ساعدوا على إنشاء الكيان الغاصب على أرضها يعترفون،مثل تشرتشل في مذكراته، بأنهم ساهموا في قيام دولة إسرائيل، ولكنهم تركوا شعبًا دون وطن.
 
إن هذا النوع من المسلسلات التي تُعرض في رمضان لا يَظهر سقوطها الفني والفكري حسب بل أيضًا ضياع الفنانين الذين اشتركوا في صنعها، وبخاصة الذين قاموا بأدوار البطولة فيها؛ فمعظمهم أصحاب تاريخ طويل في الفن، وفي إبداع أعمال جيدة. ربما كان لجوؤهم إلى هكذا أعمال لإثبات البقاء وعدم الاعتراف بالزمن، أو الاحتياج إلى المال، إنهم أضاعوا تاريخهم المضيء بأعمال هابطة لا تاريخ لها، بل إنها تعكس عقدًا نفسية لبعض هؤلاء،وبخاصة الذين تعرضوا بالإساءة للقضية الإنسانية الأولى فلسطين.
 
لا شك أن الفن هوالوسيلة القوية لشحذ وجدان الناس ليتبنوا القيم الأخلاقية والإنسانية، والمحافظة على الروح الرافضة للظلم والاستلاب، وهو وسيلة مهمة لتربية الذوق والإحساس بالجمال في كل شيء في الحياة.الفن حامل قيم الخير والحق والجمال. وعلى الفنان أن يعي هذا الدور للفن، وألا يخضع لقيم ما هو زائف وسوقي تحت ضغط الحاجة المالية، أو الحاجة لإثبات الوجود بأي شكل من الأشكال.
 
لعل أدنى طموح لنا من الفنان الآنليس أن يتبنى قضية الالتزام كما في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بل أن يقدم لنا أعمالًا جيدة ترتقي بحسنا الجمالي، وتحافظ على قيمنا الروحية والإنسانية والأخلاقية، وتعزز صمودنا في الوقوف بوجه الظلم ومقاومة العدوان والاغتصاب، وبعث الأمل لتحمل الكوارث والأوبئة مثل وباء كورونا. نريد أعمالًا فنية ترتقي بكل ما هو إنساني وجمالي في الحياة.وهذا هو ميدان الفن الذي يحفظ له الخلود.