Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2019

المغالطات في محاولات تفكيك القومية العربية..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد-يصر الباحثون الغربيون– قصداً أو غير ذلك- على تفكيك مفهوم القومية العربية كهوية جامعة للناطقين بالعربية، من المحيط إلى الخليج. وهم لا يكتفون بعرض الأقطار العربية كقوميات إثنية متمايزة، وإنما يذهبون إلى تعريف التفريعات المناطقية أو المذهبية كـ”قوميات” إثنية أو أمم منفصلة قائمة بذاتها.

على سبيل المثال، يكتب الباحث السويدي لارس-إيريك سيدرمان في مقالة حديثة عن القومية-الإثنية: “وفي كثير من الأحيان، يحدث في الدول متعددة الإثنيات أن تُهيمن نُخَب مجموعة إثنية معينة على الحكومة وتستثني الأخريات الأضعف منها، حتى لو كانت مجموعة القائد تشكل أقلية من سكان البلد. هذا هو واقع الحال في سورية، حيث يتولى الرئيس بشار الأسد، وهو عضو في الأقلية العلوية – طائفة شيعية يشكل أفرادها 12 في المائة من السكان- اسمياً إدارة دولة يتكون 74 في المائة من سكانها من السُنة”.
في هذه الفقرة، يصف الكاتب سورية بأنها دولة “متعددة الإثنيات”. ويصف السوريين العرب العلويين/ الشيعة بأنهم مجموعة إثنية مختلفة عن “الإثنية” السُنية. وبذلك يساوي بين السوريين العلويين وبين الشيعة الفارسيين الذين ليسوا عرباً وينتمون فعلياً إلى مجموعة إثنية مختلفة.
تُعرَّف المجموعة الإثنية ethnic group بأنها “فئة من الأشخاص الذين يتماهون مع بعضهم البعض، عادةً على أساس السلالة المشتركة أو السلف المشترك أو على أساس أوجه التشابه مثل اللغة المشتركة أو التاريخ أو المجتمع أو الثقافة أو الأمة المشتركة. وغالباً ما يتم استخدام الإثنية بشكل مترادف مع مصطلح الأمة، خاصةً في حالات القومية الإثنية، وهي منفصلة عن مفهوم الأجناس races ولكنها مرتبطة به”.
وفقَ هذا التعريف، يمكن باطمئنان تصنيف العرَب جميعاً كمجموعة إثنية. فهم يتماهون على أساس معظم عناصر الوحدة الإثنية –ربما السلالة والسلف؛ وبالتأكيد اللغة والتاريخ والمجتمع والثقافة والأمة المشتركة. وبذلك، ليس من الدقة في شيء اعتبار العرب المسلمين الشيعة، الذين يشتركون مع السنة في كل شيء سوى تفاصيل مذهبية بسبب خلاف سياسي أساساً، مجموعة إثنية مختلفة. وكذلك حال اعتبار العرب المسيحيين أو اليهود جماعة إثنية مختلفة على أساس الدِّين وحده، وإهمال اشتراكهم مع الآخرين في السلالة والنسب الجيني والتاريخ والجغرافيا والمجتمع والثقافة/ طريقة الحياة… إلخ.
في معظم العالَم، يُقام مفهوم “القومية الأثنية” أو “الأمة” على أساس اللغة في الغالب: الأمم الفرنسية، والبريطانية، والروسية، والأميركية، وغيرها. ويتغاضى هذا التعريف عن الفروقات العرقية والدينية والمذهبية والأيديولوجية التي صنعتها الهجرات الكثيفة في كل دولة-أمة أوروبية مُفردة؛ من البيض والسود والملونين، إلى المسلمين واليهود والمسيحيين والملحدين، والرأسماليين والاشتراكيين وأي شيء.
في المقابل، يستشهد باحثون باللهجات العربية المحلية كدليل على عدم صلاحية اللغة العربية كعامل توحيد للعرب كقومية/ أُمة. وفي أحيان أخرى، يستشهدون بالدين، بل والطائفة في الدين نفسه، للتدليل على عدم وحدة المعتقد، وبالتالي التناغم الإثني. ولو كان هذا صحيحاً، لوجب اعتبار كل قرية أو حيّ عربي صغير يتحدث سكانه لهجة محلية، أو أتباع مذهب أو فكرة، فئات مرشحة لتكون إثنيات–أمماً. ومن المعروف أن اللغات الأوروبية كلها فيها لهجات أو لكنات محلية، لكنَّهم لا يذكرونها كعنصر تقسيم كما يفعلون مع العربية، التي يعرف كل عربي تقريباً تكوينها القياسي، العربية الفصحى.
بطبيعة الحال، لا تُستخدم المذاهب والأديان واللغات المختلفة كلياً للاستدلال على عدم صلاحية قوميات أخرى غير العرب. مثلاً، لا يُستشهَد بالأديان أو اللغات الهندية أو الصينية الكثيرة جداً لتفكيك مفهوم القوميات الهندية، أو الصينية. كما يتم تجاهل حقيقة أن الأمم/ القوميات غير العربية التي اعتنقت الإسلام مع الفتوحات لم تتحول إلى التحدُّث بالعربية ولم تتماهَ مع العرب إثنياً: الفرس والأذربيجان والكازاخ والإسبان والأفارقة وغيرهم. ويقترح هذا إلى أن العرب كانوا على الأغلب وحدة لغوية سلالية ثقافية قبل الإسلام وبعده. واليوم، لا يجد العربي صعوبة في التماهي مع نظيره العربي في معظم عناصر الإثنية المذكورة – بل وحتى في التطلعات والرؤى.
الأصح غالباً هو الاكتفاء بإحالة الصراعات الفئوية العربية إلى عدم عدالة توزيع الحصص السياسية أو الاقتصادية، بحيث ينشأ الصراع على الامتيازات والسلطة.
لكن اعتبار هذه الفئات الضيقة “قوميات” أو “مجموعات إثنية” ينتمي إلى التجني غير البريء، والذي تعرض الدوافع والتداعيات الكارثية لترويجه نفسها بكامل الوضوح.