Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Jun-2020

حكايات في زمن كورونا

 الدستور-انتصار عباس

 
(1)
 
الطرقات ثكلى دوننا، تراه وقع خطونا يرسم ظلاله لتورق من جديد، أم أن كثرة الغياب سيجلونا؟! أسئلة كثيرة معلقة تجتاحني: من أين جاءت كورونا، وكيف جاءت ولماذا؟! لننام بأعين مفتوحة! لقلب موازين العالم؟!.. صار العطاس شبهة، وقد تزامن موسم حساسيتي مع ظهور كورونا، فما أن عطست إلا وجفل الجميع وابتعدوا.. كم نحن هشون، لا نتقن سوى التذمر والثرثرة، نضبط الساعة ولا نقدر على ضبط أنفسنا، ها هي ثرثرة النساء خلف السياج والنوافذ قد بدأت، صوت الجارات يشق غبار الحظر كعادة كل يوم، أيقظتني أصوتهن وهن يتحدثن عن معكرونه كما تسميها أم إسماعيل ويتضاحكن: كورونا يا أم إسماعيل كورونا، ثم تشتبك الأصوات مع بعضها، الكل يتحدث في آن واحد،وما من واحدة تصغي للأخرى..
 
وفي زحمة هذا الضجيج يأتيني صوته: لم أعتد على هذا الغياب، يومان ولم تقطف عيناي لوزك وكأنه العمر بأكمله.. تعالي نزرع الطرقات بساتين عشق نمطرها حبا ونقهر كورونا،..
 
قلت بفرح: إني قادمة.. أجيئك نعطر الدروب وبالحب نقهر كورونا.. تتشابك أيدينا في الهواء ونضحك.. نضحك.. أم إسماعيل تنادي، أغلقت الخط، وهرعت إليها، ها هي تقف خلف سياج الحديقة تتضاحك قائلة: ضحكاتك تقول تعالي يا أم إسماعيل لأزف لك البشرى..
 
أنا: ما الذي جلبك أيتها العفريته الثرثارة لتسرقي فرحي؟ (بيني وبيني )..
 
أم إسماعيل: هل قبضوا على معكرونة؟!
 
أجبتها بغيظ واستغراب: ومن تكون معكرونه هذه..؟!
 
اقتربت أم إسماعيل وذاك العطر الرخيص يفوح منها يكتم أنفاسي: معكرونه هي الجاسوسة اليهودية، التي جاءت تنفث السم وتقتلنا، ثم أخفضت من وتيرة صوتها، ومع شعوري بالاختناق صرت أفهم الكلام من حركة شفتيها: يقولون أنها جنية تظهر بالشكل الذي تريد..
 
قلت وبصوت مخنوق لاهث: كورونه يا خالة وباء قاتل..
 
قطبت حاجبيها: وباء قاتل؟ !
 
زاد شعوري بالاختناق وهي تزدد قربا مني ورائحة ذاك العطر الذي يفوح منها تقتلني، أخذت أسعل وأسعل، ثم عطست، وهنا صاح أبو إسماعيل وبعصبية من خلف النافذة: انطلقي يا أم إسماعيل وبأقصى سرعة، فجارتك مستها معكرونة، أم إسماعيل تعدو، غزالة بنت عشرين وبلمح البصر تختفي، أسمع دبيب خطوها وهي تدخل المنزل،.. أبو إسماعيل مقهقها: كبرتي يا أم إسماعيل..
 
والأحرى بي أن أتزوج شابة رشيقة..
 
أم إسماعيل: ليتك تفعلها.. !
 
أبو إسماعيل مبتسما وكأنه لم يسمع شيئا: عليك بحظر نفسك في الغرفة الأخرى ريثما
 
نتاكد من سلامتك !
 
أم إسماعيل بسخرية: وكيف ستتأكد أيها الطبيب؟
 
أبو إسماعيل: نراقب حرارتك..
 
أم إسماعيل بمكر واضح: لا عليك سأعزل نفسي في الغرفة الأخرى
 
أبو اسماعيل: اخفضي صوتك لئلا يسمعك الجيران..
 
أم إسماعيل: على ذكر الجيران جارتنا الرشيقة تسأل متى ستسد تلك الكوة فزعيقك وأنت تسأل عن تلك الطاسة التي تضع فيها أسنانك يزعجها..
 
أبو إسماعيل يحدث نفسه: كيف عرفت بالكوة وهي بالكاد ثقب توارى خلف شجرة الليمون؟(وقد تصنع الغضب ): ونحن أيضا نسمعها وهي تضرب المواعيد ثم اقترب هامسا ولربما كانت تسمع أشياء أخرى، يهز رأسه إنها معكرونة بعينها، (وبتصميم)، ومن المؤكد أنها تسترق السمع الآن.. ينظر حوله وقد تغيرت نبرة صوته، ثم إن المنزل قديم مر زمن طويل ولم نرممه، يتنهد ياه
 
كم أنت ثرثارة وكم أنا متعب، وانبطح على الأرض، انتفضت أم إسماعيل وخرجت غاضبة.. أبو إسماعيل يرمي بأذنيه حيث الجدار، يصغي بلهفة ثم نهض، يزيح المرآة عن الحائط وينتظر أم إسماعيل لتنام.. وتلك الكوة التي لا تنام..!
 
(2)
 
أبو إسماعيل يضرب كفا بكف وقد سمع حديث وزير الصحة على التلفاز حول اجراءات الحظر، ويصيح قائلا: سأخرج وليكن ما يكون ثم دخل الغرفة الأخرى يهمهم لا لن أبقى..
 
أم إسماعيل تدخل المطبخ على عجل تهاتف ابنها إسماعيل تخبره بما سيفعل أباه
 
قال لها إسماعيل: سوف أحدثه، بعد قليل رن هاتف أبو إسماعيل، كان إسماعيل على الخط.
 
إسماعيل: ما الذي ستفعله يا أبي؟!
 
أبو إسماعيل: سأخرج
 
إسماعيل: هناك قانون لا يفرق بين كبير وصغير وسيطبق على الجميع.. وقبل أن
 
يكمل حديثه يتأفف أبو إسماعيل ويغلق الموبايل، يدخل المطبخ، يفتح الثلاجة
 
يدس شيئا في جيبه، متجاهلا نداء أم إسماعيل ورجائها في البقاء..
 
تعاود أم إسماعيل الاتصال بإبنها قائلة: لقد خرج..
 
إسماعيل: وأين تراه يذهب؟
 
أم إسماعيل: لا أدري لكنني رأيته يأخذ شيئا من الثلاجة،ربما كانت الإبرة التي نسيتها عندنا!
 
إسماعيل يصيح وقد جن جنونه: هذه إبرة خديجه لتثبيت الحمل يا للمصيبة!
 
بالرغم من فرحة أبا إسماعيل في كسر الحظر إلا أنه سرعان ما تلاشت غمامة تلك الفرحة وقد شعر بدبيب الوحدة وكأنه يدخل مقبرة، بدا مرتبكا، قلقا لا يدري ما يفعل ولا إلى أين يذهب؟! وبينما هو على هذه الحال تناهى لسمعه صوتا قريبا.. أخذ يصغي بانتباه شديد وحذر، اقترب من الصوت أكثر فأكثر حتى صار قبالته ؛وقف أبو إسماعيل مشدوها يتأمل صاحبة ذاك الصوت العذب وجمال وجهها يحدث نفسه: كيف استطاعت هذه الحورية الوصول إلى هنا! شعر بحرارة الدم وهو يتدفق في عروقه، دقات قلبه تكاد تخرج عن مداركها وتغدو موسيقى.. ثم هاله ذاك البياض الذي كانت ترتديه تلك الفتاة، سار يتبعها وعيناه معلقتان عليها ولم ينتبه للحفرة التي كانت أمامه وقد سقط فيها يصرخ: آه استدارت الفتاة تجوب المكان بعينيها ثم صفرت منادية: جيمي.. تجمد الدم في عروق أبو إسماعيل وهو يرى كلبا ضخما يركض إليها، كتم آهاته رغم الآلم وشعوره بالاختناق من تلك الروائح التي كانت تنبعث من الحفرة،ثم طأطأ رأسه وقد تكور في مكانه، فإن لم تمسه معكرونة، سيمزقه كلبها، يسمع لهاث الكلب وهو يقترب، غطى وجهه بكفيه ثم أخرج الها
 
تعاود أم إسماعيل الاتصال بإبنها قائلة: لقد خرج..
 
إسماعيل: وأين تراه يذهب؟
 
أم إسماعيل: لا أدري لكنني رأيته يأخذ شيئا من الثلاجة، ربما كانت الإبرة التي نسيتها عندنا !.
 
إسماعيل يصيح وقد جن جنونه: هذه إبرة خديجه لتثبيت الحمل يا للمصيبة!
 
من فرحة أبا إسماعيل في كسر الحظر إلا أنه سرعان ما تلاشت غمامة تلك الفرحة وقد شعر بدبيب الوحدة وكأنه يدخل مقبرة، بدا مرتبكا، قلقا لا يدري ما يفعل ولا إلى أين يذهب؟! وبينما هو على هذه الحال تناهى لسمعه صوتا قريبا.. أخذ يصغي بانتباه شديد وحذر، اقترب من الصوت أكثر فأكثر حتى صار قبالته ؛وقف أبو إسماعيل مشدوها يتأمل صاحبة ذاك الصوت العذب وجمال وجهها يحدث نفسه: كيف استطاعت هذه الحورية الوصول إلى هنا! شعر بحرارة الدم وهو يتدفق في عروقه، دقات قلبه تكاد تخرج عن مداركها وتغدو موسيقى.. ثم هاله ذاك البياض الذي كانت ترتديه تلك الفتاة، سار يتبعها وعيناه معلقتان عليها ولم ينتبه للحفرة التي كانت أمامه وقد سقط فيها يصرخ: آه استدارت الفتاة تجوب المكان بعينيها ثم صفرت منادية: جيمي.. تجمد الدم في عروق أبو إسماعيل وهو يرى كلبا ضخما يركض إليها، كتم آهاته رغم الآلم وشعوره بالاختناق من تلك الروائح التي كانت تنبعث من الحفرة،ثم طأطأ رأسه وقد تكور في مكانه، فإن لم تمسه معكرونة، سيمزقه كلبها، يسمع لهاث الكلب وهو يقترب، غطى وجهه بكفيه ثم أخرج الهاتف من جيبه وهو يرتعش، وقد جف حلقه وتحطب لسانه، فتح الخط على إسماعيل الذي كان يحاول الاتصال به طوال الوقت لاهثا: اتصل بالشر... طط يا أسماعيل.. أنا على ال ال تلة، إسماعيل بخوف وقلق شديدين يهاتف الشرطة طالبا إحضار سيارة إسعاف، انطلقت صافرات الإنذار تتبعها سيارة إسعاف وقد كانتا في الجوار، تعالى نباح الكلب وقد نهرته الفتاة ليسكت وهما يغادران المكان، لوح أبو إسماعيل للشرطة بيديه فلم يكن قادرا على الوقوف أو الحديث...
 
بدا عليه الأعياء والخوف الشديدين، تسائل أحد رجال الأمن ولكن ما الذي جلب هذا الرجل
 
إلى هنا؟! أشار أبو إسماعيل للإبرة التي كانت في جيبه
 
قال الشرطي: كان عليك الاتصال بإلاسعاف وعدم الخروج نهائيا،.. حملت سيارة الإسعاف أبو إسماعيل إلى منزله، بعد أن أعطوه الإبرة والتي لم يمسسها شيء بالرغم من وقوعه في تلك الحفرة أما ساقه فكانت مجرد رضة..
 
دخل أبو إسماعيل المنزل ممتقع الوجه وهو يعرج، تفوح منه الراوئح الكريهة وفي عينيه سؤال يؤرقه..
 
لكن الزغرودة التي أطلقتها أم إسماعيل وهي تراه قادما كانت هي الجواب.