Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2019

البطريرك صفير: القيادة أعظم من الإدارة*الاب رفعت بدر

 الراي-في أيار 2009، أي قبل عشرة أعوام بالتمام، حين كنا نتحضّر في الأردن لاستقبال قداسة البابا بندكتس السادس عشر، وكنت وقتها الناطق الإعلامي للزيارة، جاءت إليّ إحدى الصحفيات سائلة: «أبونا، سمعنا أنّ البطريرك صفير سيزور الأردن هذه الأيام؟»، قلت لها نعم. وسألت بدهشة: «إذًا من سيترأس القداس في ستاد عمّان: صفير أم البابا بندكتس؟».

 
كان بالطبع سؤالاً غريبًا، ذلك أن التراتبية الكنسية تقول بأنّ البابا هو أعلى سلطة في الكنيسة الكاثوليكية، وأنّ بطاركة الشرق - وكان الراحل البطريرك صفير أحدهم - هم للبابا معاونون في إدارة شؤون كنائس محدّدة في بقع جغرافية متفق عليها.
 
لم يكن سؤال الزميلة ساذجًا، ذلك أنّ الرأي العام العربي كان ينظر باحترام وتقدير كبيرين إلى قامة البطريرك وشخصيته وحضوره وتأثيره. لذلك سألت هذا السؤال.
 
ومع تشييع البطريرك اليوم الخميس إلى الديار الخالدة، فإننا نستذكر بالحب والتقدير هذه الشخصية الكريمة. فالوقار والكرامة سمتان من سمات صفير، وتضفي عليه لحيته البيضاء ونظراته مزيدًا من الهيبة والاحترام. أما التقوى فهي أساسية لدى القائد الديني الحقيقي، وقد كان قائدًا أكثر من كونه مديرًا. ذلك أن الأول يتخطّى المصاعب ويثب بشعبه إلى الأمام، اما الثاني فيكتفي بتدبير الأمور اليومية.
 
تميّز الراحل الكبير باحترام الجميع والانصات إلى ما يقولونه، وقد التقى كاتب السطور معه أحيانًا كثيرة في زياراته إلى الأردن أو في صرح بكركي البطريركي، وكان دائمًا مصغيًا، ومن ثم معقّبًا على سؤال أو استفسار بنبرة فيها تواضع، وبكلام فصل غير كثير.
 
وأخيرًا وليس آخرًا، تميّز بالحكمة في اتخاذ القرارات المناسبة، وفي خلق التوازن في ظروف معقّدة كانت مليئة بتجاذبات سياسية غير بريئة.
 
يرى اللبنانيون وأشقاؤهم العرب وأصدقاؤهم في العالم، في وقت البطريرك التعب والألم المتعاقب الذي عاناه اللبنانيون جراء الحروب والمنازعات الداخلية والخارجية. لكنهم يجمعون على الدور الإنساني قبل أن يكون سياسيًا للبطريرك الذي اتخذ قراراته بحكمة، واستطاع مساعدة لبنان على الخروج من حقول ألغام عديدة. لذلك بقي الأب والسند والمرجع، حتى بعد تقاعده عام 2011.
 
وقد أعطى خلفه البطريرك الكاردينال بشارة الراعي تعليماته في أن يبقى اسم سلفه مذكورًا في القداديس أثناء إقامة الشعائر، احترامًا للسلف الطيب وتقديرًا لجهوده الحكيمة. ولا أظن كنيسة قد حظيت في أي يكون لديها كاردينالان في ذات الوقت.
 
ذكريات كثيرة تعود إلى البال اليوم، وأنا في مدينة قرطبة الاسبانية، لمؤتمر حول حوار الأديان والثقافات، وكم أشكر الله من هنا على حياة البطريرك الراحل وأعماله وتعليمه وعظاته في الدعوة إلى التقريب بين الناس، وفي نشر ثقافة الإصغاء والتعاون بين جميع البشر من مختلف الاديان والثقافات. فصوت الحكمة لا استغناء عنه أبدًا، وهو مؤثر إيجابيًا في عالم اليوم العطش إلى لغة التفاهم والمصالحة والحوار.
 
رحمك الله أيها البطريرك القائد والحكيم.